ظلت الحصن المنيع أمام مؤامرات ودسائس العدو:تماسك الجبهة الداخلية.. الجدار الذي فشل العدوان في اختراقه
المصالحات القبلية حاصرت ظاهرة الثأر ووحدت الصف في مواجهة العدوان
قوافل الدعم الشعبي النسق الثاني في المواجهة والمسيرات الجماهيرية جسدت التلاحم الشعبي
يدخل اليمنيون السنة السابعة من العدوان وهم أكثر قوة وصموداً وإصراراً على تحقيق النصر فيما ازدادت الجبهة الداخلية تماسكا وصلابة أمام محاولات الاختراق المتواصلة لقوى العدوان وكان مصيرها الفشل حيث كانت تصطدم بوعي مجتمعي متنام ويقظة أمنية عالية.
وقد أولى السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي قائد الثورة، أهمية خاصة للحفاظ على تماسك وثبات الجبهة الداخلية انطلاقا من ضرورة تعزيز التحصين الداخلي أمام الهجمة الشرسة للعدو الذي دفعه الفشل العسكري والسياسي والأمني والأخلاقي -الذي حصده طيلة الست السنوات الماضية- إلى البحث عن أي اختراق للجبهة الداخلية وتحقيق أهدافه من خلال ذلك الاختراق، لكن الشعب اليمني الصامد أثبت بوعيه الكبير أنه عصي أمام دسائس ومؤامرات الأعداء، ومدرك لطبيعة أجندتهم الخبيثة، وتجلى ذلك بوضوح عبر المسيرات الجماهيرية الحاشدة، وقوافل الدعم الشعبي من القبائل ومختلف المحافظات وكذلك من عائلات الشهداء، إلى جانب الجهود الخاصة بإغلاق قضايا الثأر .. كل ذلك ساهم بشكل كبير في تعزيز الصمود وتماسك الجبهة الداخلية وإفشال مخططات ومؤامرات تحالف العدوان التي تستهدف اليمن أرضاً وإنساناً.
الثورة / محمد هاشم
خلال السنوات الست الماضية من عمر العدوان سعت دول تحالف الشر والإجرام- بمختلف الوسائل- لخلخلة الصف الداخلي بإضعاف تماسك المجتمع بهدف إضعافه والسيطرة عليه أو تحييده وإشغاله بمشاكله الخاصة على الأقل.
وعملت قوى العدوان منذ بداية العدوان على بلادنا في 2015م على إيجاد مرتزقة مهمتهم الأساسية إثارة النعرات المناطقية والطائفية والشطرية لتمزيق المجتمع اليمني، وإيجاد بيئة مناسبة لدفع كثير من الناس المغرر بهم للارتزاق مع دول العدوان بعد تشبعهم بتلك النعرات الآثمة، لكن كل تلك المحاولات باءت وما تزال بالفشل الذريع.
دور القيادة في تعزيز التماسك
احتلت مسألة تعزيز الجبهة الداخلية أولوية واضحة في خطابات السيد القائد الذي يحث باستمرار على أهمية الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية باعتبار ذلك مسؤولية كل فرد في المجتمع.
ويؤكد السيد عبدالملك الحوثي على التقوى كسلوك إيماني جهادي، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يواجه فيها شعبنا اليمني الكثير من التحديات، مشدداً على ضرورة استمرار رفد الجبهات والنفير إليها، والعناية بتماسك الجبهة الداخلية، ومواجهة أبواق التضليل التي تعمل للتثبيط والتخاذل، كما دعا إلى العمل على معالجة المشاكل القبلية بروح مسؤولة ملتزمة بالتقوى، وحث على ضرورة العناية القصوى بالموسم الزراعي، واستغلال نعمة الأمطار الغزيرة التي منَّ الله بها علينا.
ويشدد السيد القائد على أن التصدي للعدوان هو المعيار الحقيقي للمصداقية في الانتماء الوطني، واصفا المستهترين بوحدة الصف الوطني بأنهم فاقدون لأي إحساس بالمسؤولية وغير مبالين بمعاناة شعبهم.
كما حذَّر من ذوي الدسائس ومثيري الفتن المستأجرين من قوى العدوان لافتاً في الوقت نفسه إلى أولوية التصدي للعدوان وخدمة الشعب وتفعيل مؤسسات الدولة ومعالجة كل المشاكل بالتفاهم.
ودعا السيد القائد الجميع إلى الابتعاد عن المهاترات والمشاحنات ولغة التحريض وتحمل المسؤولية في التصدي لهذا العدوان.
وعلى مستوى العناية بتماسك الجبهة الداخلية يؤكد السيد القائد دائماً على التنبه لأبواق العدوان، الذين يتحركون للتضليل وللتثبيط وللتخذيل، بما يشجع الناس على التنصل عن المسؤولية، وإلهاء الناس بافتعال قضايا وعناوين هامشية، أو لا تستحق أن تكون في الصدارة على حساب القضايا الكبيرة، والرئيسية.
ويؤكد السيد القائد أن الجميع معنيون بالحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، ومعالجة المشاكل الداخلية، وإصلاح أي خلل في الواقع الداخلي بروحٍ عملية، بروحٍ مسؤولة، وليس بالمناكفات الإعلامية والمزايدات التي يستخدمها البعض كأسلوب لإرضاء الطموح الشخصي، ولكن بروحٍ مسؤولة وعملية، وبشكلٍ صحيح وسليم، بالاستناد إلى الحقائق والأدلة والمعلومات الصحيحة، وليس بالاستناد إلى الأقاويل والدعايات والوشايات الكاذبة والمغرضة والحاقدة، مشددا على ضرورة أن تتواصل الجهود في كل هذه المسارات، وفي العناية بتماسك الجبهة الداخلية.
ومن القضايا المهمة التي أكد عليها السيد القائد -في هذا الإطار- العمل على معالجة المشاكل القبلية والنزاعات القبلية بروحٍ مسؤولة، من قبل الجميع، على أساسٍ من الالتزام بتقوى الله -سبحانه وتعالى- والوعي تجاه مؤامرات الأعداء لتدمير السلم الاجتماعي وإغراق الناس في نزاعات ومشاكل لا أول لها ولا آخر، ودفع الناس للتعامل مع أي قضية مهما كانت بسيطة أو قابلة للحل بأسوأ ما يكون، دفع الناس إلى الاقتتال، إلى الصراع، إلى النزاع الشديد، وللأسف يتحرك في هذا الجانب البعض ممن هم بعيدون عن تحمل المسؤولية في التصدي للعدوان، فإذا كانت قضية من هذه القضايا لا يتحرجون في دفع الناس فيها إلى الاقتتال، إلى التنازع، إلى شد الحبال فيها ليكون الناس فيها على أسوأ حال من الفرقة، والبغضاء، والكراهية، والتشدد، ويحرصون على أن يدفعوا الناس نحو التنازع أكثر فأكثر في القضايا الداخلية، بينما يحاولون أن يبعدوهم عن الاهتمام بالقضايا المهمة والقضايا الرئيسية والقضايا الكبيرة.. فإن شاء الله من خلال تفعيل الوثيقة القبلية (وثيقة الشرف) يكون هناك جهود للحفاظ على السلم الاجتماعي، وتحصين الجبهة الداخلية.
قوافل الدعم الشعبي
عمل العدوان السعودي الأمريكي الإجرامي الغاشم على اليمن -منذ بدايته قبل ست سنوات- على استهداف ممنهج للبنى التحتية من مستشفيات ومدارس ومطارات وطرقات ومساكن…هذا العدوان المتغطرس استهدف كل شيء ولم يبقى شيئاً إلا واستخدمه.. استهدف الشجر والحجر والإنسان اليمني وحضارته بهدف كسر إرادته ودفعه إلى الخضوع والاستسلام لكن أمانيه تبخرت بفضل الله ثم تماسك الجبهة الداخلية خلف أبطال الجيش واللجان الشعبية.
سجل الصمود الشعبي حضوراً لافتاً عندما هب اليمنيون صفا واحدا مسجلين ملاحم من العطاء والدعم اللامحدود للجيش واللجان الشعبية والمرابطين في جبهات العزة والصمود، وقدموا فيها قوافل من الدعم الغذائي والمالي فضلاً عن رفد الجبهات بالمقاتلين لإدراكهم حجم المؤامرة العالمية على بلادهم، ولهذا فهم يُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة في سبيل الله والانتصار والتحرر والسيادة الوطنية، ورغم طغيان وعنجهية وتعجرف تحالف العدوان الغاشم, إلا أن صمود الشعب اليمني كان مفاجئا لهم وغير متوقع.. لأنه يغاير منطق الحروب وسنن التغالب؛ لأن العدو يمتلك مقومات الحرب وأدواتها.. مقارنة باليمنيين الذين يعتمدون على قوة عزيمتهم وكثافة إيمانهم بمشروعهم الوطني الرافض للوصاية والظلم.. ومن هذا الملمح كانت أهمية تواتر قوافل الدعم الشعبي المستمرة للجبهات.. هذا العطاء والجهد الشعبي الاستثنائي حمل أهمية قصوى في تماسك الجبهة الداخلية والتهيئة للنصر العظيم.
كما أن نجاح أبناء الشعب في إيصال تلك القوافل إلى الجبهات في مثل هذه الظروف وفي ظل الحصار البري والبحري والجوي الذي يفرضه العدوان، يعد أحد العوامل الأساسية في استمرار مقاومة هذا العدوان وتحقيق الانتصارات عليه في مختلف الجبهات.
مسيرات ووقفات ساعدت في تماسك الجبهة الداخلية
المسيرات الجماهيرية الحاشدة التي خرجت بشكل دائم خلال فترة العدوان في جميع المحافظات، كانت شكلا آخر من أشكال الصمود الشعبي وتماسك الجبهة الداخلية، وكذلك الوقفات الاحتجاجية التي تُنظم من قبل كل أطياف المجتمع، لإدانة استمرار همجية العدوان في القتل والتدمير والحصار الجائر، ولاستنكار الصمت الدولي المريب تجاه هذه الجرائم.. مصممين على إيصال مظلومية الشعب اليمني للعالم عبر وسائل الإعلام المحلية التي كانت ولا تزال تمد العالم بما يتعرض له الشعب اليمني من عدوان غاشم.
في 25 يناير خرجت تظاهرات حاشدة في العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى في اليمن، وتحت عنوان «الحصار والعدوان الأمريكي جرائم إرهابية» ضمن فعاليات اليوم العالمي من اجل اليمن، وأكد المشاركون أن أمريكا تعمل على محاصرة وتجويع الشعب اليمني وتمد دول العدوان بالغطاء السياسي، وهي المسيرات التي أرعبت الأمريكان ودفعتهم للتراجع عن تصنيف أنصار الله كجماعة إرهابية.
في تلك المسيرات دوت الحناجر بهتافات تدين الحصار والعدوان السعودي والأمريكي منذ نحو 6 سنوات، وفيه أكد المشاركون أن تحالف العدوان الأمريكي هو الإرهابي بعد أن تكشف أن القاعدة وداعش، يقاتلون في صفوفه براياتهم وأعلامهم، معتبرين أن الإرهاب الحقيقي، هو ما تقوم به أمريكا من دعم عسكري وسياسي للعدوان والحصار وإغلاق المطارات ومحاصرة المرضى والجرحى.
وندد خلاله المشاركون بالهمجية الأمريكية الصهيونية، معتبرين أن أمريكا، هي منبع الإرهاب وجذوره وصناعته في العالم، مؤكدين أن القرار الأمريكي الإرهابي ضد بلادهم لن يخضعهم، وأن ما عجزت عنه الغارات لن يأتي بالقرارات..
الصلح القبلي
لسنوات طويلة ظلت ظاهرة الثأر تنخر في جسد المجتمع.. وعملت على شق الصف، وبث الخوف، وأهلكت الحرث والنسل.. قانون غائب، دولة مشلولة، وحكم قضائي مؤجل، إلى أن جاء تفعيل مبدأ المصالحة وبإشراف رسمي تشكل على إثره مجلس التلاحم القبلي، ومجلس العرف القبلي، ومجالس الحكماء مدعومة بمبادرات المصالحة الوطنية.. لتتجسد الثمار بلقاءات صلح وتسامح طوت قضايا قتل بداعي الثأر امتد عمر بعضها لعقود تجاوزت ما عرفه العرب عن حرب البسوس وداحس والغبراء..
وعقد في صنعاء لقاء موسّع لمشائخ وحكماء ووجهاء قبائل اليمن، لتدشين البرنامج التنفيذي لوثيقة الشرف القبلية والتي تضمنت تدشين مصالحة مجتمعية عامة بين مختلف أبناء القبائل والمكونات الوطنية، تعزيزا لمبادئ التصالح والتسامح والتلاحم والأخوة بما يحقق المصلحة الوطنية وترسيخ قيم التعاون والتعايش والعدالة الاجتماعية والوحدة والاستقلال والأمن والاستقرار، وتشكيل مجلس يشمل المحافظات ولجان لمتابعة ترتيب وتفعيل دور القبائل في مختلف المجالات وأهمها مواجهة العدوان.
وتشمل القواعد الإعلان عن صلح عام شريف نظيف بين كافة أبناء المحافظات القائمين ضد العدوان، ينام فيه الخائف في دار المخيف وتأجيل الخلافات والنزاعات المستعصية وخاصة الثأرات، وكذا الإعلان عن حلف أخوي تلاحمي قبلي وطني تضامني موحد يلتزم بموجبه الجميع بمبادئ أمن الساحة والدفاع المشترك عن سيادة الوطن.
المشاركون في اللقاء أعلنوا الرفض القاطع لدعوات العدوان ومخططاته الهدامة، الداعية إلى الفتنة والاقتتال وقطع الطرق والأعمال التخريبية وإثارة النعرات العنصرية والطائفية والمناطقية والمذهبية.. مؤكدين وقوف قبائل اليمن صفا واحدا في مواجهة العدوان وإفشال مخططاته.
عن ذات اللقاء، أصدرت قبائل اليمن بيانا أكدت فيه أهمية ترسيخ القيم والمبادئ والأسلاف والأعراف القبلية الحميدة المنسجمة مع الشريعة الإسلامية الغراء والحفاظ على الهوية الحضارية العريقة للشعب اليمني.
وحذّرت قبائل اليمن كل من تسول له نفسه زعزعة الأمن والسلم الداخلي أو السعي لتجنيد الشباب مع العدو، ودعت المغرر بهم والموالين لدول العدوان تحكيم العقل والمنطق والعودة إلى جادة الصواب وحضن الوطن والاستفادة من قرار العفو العام قبل أن تتخذ القبائل الإجراءات الرادعة بحقهم حسب الأسلاف والأعراف وبنود وثيقة الشرف القبلية.
اللقاء المشهود أعقبته الحملة المليونية للتوقيع على وثيقة الشرف القبلية.
وفي تعبير عن الرأي والموقف تُجاه إعلان الوثيقة وحملة التوقيع المليونية، اعتبر العلماء والمثقفون الوثيقة «عملاً عظيماً ومباركاً وتساعد على وحدة الصف وجمع الكلمة ولمّ الشمل».
وأشاروا في بيان لهم، إلى أن الوثيقة ستبعث الصفات الأصيلة التي يتميز بها الشعب اليمني منذ القدم، كالشجاعة والنخوة والنجدة ورفض الضيم والاستعباد.. وأكد البيان أنه سيكون للوثيقة الأثر الكبير في مساندة جميع فئات الشعب للجيش واللجان الشعبية لدفع الغزاة والمحتلين عن الوطن.
القبائل اليمنية التي تداعت للتوقيع على الوثيقة، عدّتها ميثاق شرف وطنياً يجتمع حوله كُلّ أبناء الشعب اليمني في الريف والمدينة، مؤكدة تأييدها الكامل لهذا الميثاق، وهكذا ظل تماسك الجبهة الداخلية ولا يزال إلى اليوم أحد أهم عوامل النصر الذي بات قاب قوسين أو أدنى، فيما يدشن العدوان عامه السابع وهو في أسوأ الأحوال باحثا عمّن يخرجه من المستنقع اليمني بأي ثمن.