على خلفية ما سُمي بالمبادرة السعودية احتدم النقاش في المقيل ، وكان الحضور من كل الفئات والاتجاهات السياسية، الكل رأى أن المبادرة- كما قال الأستاذ محمد عبدالسلام رئيس الوفد الوطني المفاوض- لم تقدم أي جديد، بل إنها جاءت بقصد ذر الرماد على العيون، ومحاولة دغدغة عواطف المجتمع الدولي من جانب، ومن جانب آخر اتقاء الضربات الموجعة التي بات الأبطال الميامين من القوة الجوية والصاروخية يسددونها نحو بلد العدوان، وتصب في أهداف استراتيجية هامة، هذا الإجماع من الحضور وكلهم على درجة عالية من الفهم والإدراك أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن اليمنيين يعرفون جيداً مكائد السعودية ومصائبها الكبيرة التي تختزنها لليمن واليمنيين.
ما أثار الدهشة وتحدث عنها البعض بسخرية لاذعة هي تلك الأحاديث التي وردت في بعض القنوات على لسان من يسمون أنفسهم ممثلين للشرعية، كانوا يحشرون أنفسهم في وادٍ لا علاقة لهم به ، فالسعودية حينما أطلقت المبادرة لم تُشر إليهم لا من قريب ولا من بعيد، واعتبرت أنهم غير موجودين تماماً، وقال وزير الخارجية السعودية هذه المبادرة قابلة للتطبيق فور موافقة الحوثيين عليها بحسب وصفه، أي أنه تجاهل تماماً الطرف الآخر من اليمنيين، مع ذلك ملأوا الدنيا ضجيجاً عن المبادرة وأبعادها وخلفياتها، وتحدثوا عن إنجازات وهمية ملطخة بالأكاذيب الزائفة، وكأن الواحد منهم جاء من خارج الزمن الذي نعيشه، وبعيد كلياً عن الوقائع والأحداث اليومية ، يعني بطريقة (دسوني لا تنسوني) وهذا هو حال المرتزقة الأذناب يتحدثون عن دولة ونظام وأرضهم مستباحة، ومساحات شاسعة منها خاضعة للاحتلال السعودي والإماراتي، ويعاني أبناؤها من الظلم والاضطهاد والجبروت، بل ويُقدم المعتدون على أعمال تستهدف قدسية هذا الوطن بشموخه وكرامة أبنائه، لا أدري عن أي حكومة يتحدثون وعن أي مبادرة يتوقعون أن يتعاطف معها العالم!! وإذا حدث التعاطف فإنه سيكون نفاقا ما بعده نفاق، فكيف يتعاطفون وهم يشاهدون الأدخنة السوداء تغطي سماء صنعاء نتيجة الضربات الجوية الماكرة من قبل العدو السعودي، هل هؤلاء بشر وهؤلاء بشر آخرون بنظركم؟! أما أن هؤلاء لا يستحقون الوقوف والتعاطف معهم لحاجة في نفس أمريكا، كل المتعاطفين يعرفونها بالذات دولة التاج البريطاني فهي أكثر قُرباً مما يجري وهي التي تحاول تزييف الحقائق ليلاً ونهاراً علها تحقق المقاصد الخبيثة المرصودة منذ زمن بعيد في قاموس استراتيجيتها الاستعمارية .
ما أثار الدهشة أكثر في النقاش هو ذلك الصامت دوماً الذي يجلس في نهاية المقيل يفسر لوحده وكأنه متحمل لهموم الدنيا ولا يعنيه شيئا مما يدور، في هذا اليوم ولأن الأمر يتعلق بالوطن واستقلاله وسيادته خرج عن الصمت وقال كيف تريدون أن يبدع رجل مثل محمد بن سلمان، هذا الرجل المعتوه الذي لا يستجيب لنداء العقيدة والعقل والوطنية، يعتمد دائماً سياسات ملتوية بهدف التسطيح ويقدم الوعود الوردية بأن ييبع الوهم للسعوديين للتغطية على مصير المليارات التي أنفقها يميناً وشمالاً دون أن تقدم أي فائدة للشعب السعودي المغلوب على أمره، هذا الرجل أنظروا كيف يؤلب العالم عليه بأعمال حقيرة فعندما قرر تصفية المعارض جمال خاشقجي، انتهت العملية بفضيحة كُبرى ما تزال تتفاعل حتى اليوم، لأنها فضيحة بجلاجل فعلاً تمت بطريقة مكشوفة استخدم فيها أربع طائرات ومناشير وفريقا طبيا متخصصا إلى آخر ما تم توظيفه في هذا الشأن، بقصد إخفاء معالم الجريمة، لكن ما حدث أنه فضحها على رؤوس الأشهاد، وهذا هو حال الرجل بائس يتصرف بجنون وبلا عقل، ولو أنه كان يمتلك ذرة من العقل لكان قد استفاد من خبرة أشهر رجل متمرس في الاغتيالات والتصفيات الجسدية وهو المدعو علي محسن الأحمر، هذا الرجل الذي أقدم على تصفية المئات بطرق غاية في السرية ، حيث طالت نزواته الشيطانية العلماء والكُتاب والمثقفين والقادة وضباط الجيش والأمن وكل من حمل لواء المعارضة وإن لم يجهر بها بل تحدث بها مع نفسه كان جزاؤه الموت، والغريب أن ابن سلمان فيما أقدم عليه رغم بشاعة الجريمة إلا أنه مثل قمة في الغباء حيث ألب العالم عليه وما يزال الملف مفتوحاً، كل ما احتاجت إليه أي دولة مثل أمريكا أو دول أوروبا تتحدث عن فصل من فصول الجريمة بالذات تركيا التي وقعت فيها الجريمة، فلقد وجدت نفسها في حالة إحراج كبير، بينما المدعو علي محسن كان يصفي هامات عظيمة دون أن يتعرض للمساءلة أو يشعر به أحد، حتى أمريكا التي وضعت الرجل في قائمة الإرهاب قامت بهذه الخطوة باستحياء ، ثم ما لبثت أن أزاحت اسمه من القائمة عندما احتاجت إليه، والغريب أنه اليوم في السعودية وبهذه القدرات الخارقة وما يزال يمارس هذه العادة الشيطانية حتى مع من هم مقربين منه أو في صفه ، إلا أن ابن سلمان غفل عنه ولم يستفد من خبراته، إذاً كيف تريدون من هذا الرجل أن يستوعب خطورة ما يُقدم عليه من جرائم وهو بهذا الغباء الكبير، طبعاً السؤال جعل الصمت سيد الموقف وظل محلقاً في سماء الغرفة يتردد على الأذهان حتى غادر الجميع المكان دون إجابة، وسيظل كذلك حتى تصل يد العدالة إلى هذا المجرم وأمثاله .. والله من وراء القصد..
أحمد يحيى الديلمي