الثورة نت/
تصاعدت التوترات في الآونة الأخيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، لتعيد إلى الأذهان من جديد ذكريات الحقبة الباردة، في حين لم يتوقف الحديث عن احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة بين القوى الدولية الكبرى.
وكان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر قد حذر مطلع العام الماضي من بوادر حرب عالمية وشيكة بين الولايات المتحدة والصين، وقال إن الولايات المتحدة والصين يجب أن تضعا حدودا للمواجهة، وإلا فإن العالم سيجد نفسه في وضع مماثل للحرب العالمية الأولى.
وذكر تقرير لوكالة “بلومبيرغ” مطلع العام الماضي أن كيسنجر يعتقد أن الولايات المتحدة والصين، اللتين يمكن أن يسمى نزاعهما بـ “حرب باردة جديدة”، يجب أن ترسما حدود المواجهة، مشددا على أنه دون ذلك، يستحيل تحقيق خفض عام للتصعيد.
واعتبر كيسنجر أن الصراع بين واشنطن وبكين كان بسبب ظهور تقنيات جديدة غيرت المشهد الجيوسياسي.
وأعرب الوزير الأسبق الملقب بثعلب الدبلوماسية الأمريكية، عن قناعته بأن الوقت قد حان لتدرك الولايات المتحدة المتغيرات في العالم الحديث، وهي أمور لفت إلى أنها، معقدة للغاية، بحيث لا يمكن لدولة واحدة أن تستمر في الحفاظ على هيمنتها في نفس الوقت، سواء في الاقتصاد أو في المجال الاستراتيجي.
وكان كيسنجر قد تحدث في عام 2019 أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين قد يؤدي إلى “عواقب وخيمة” من شأنها أن تكون “أسوأ من عواقب الحروب العالمية”، ولتفادي ذلك، نصح البلدين بحل خلافاتهما.
وقد أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في يوليو الماضي من العام الماضي أن بكين ستتخذ إجراءات حازمة وحاسمة ضد واشنطن إذا تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ويملك البلدان (الولايات المتحدة – الصين) أقوى اقتصادين في العالم، ومسلحتان برتسانة نووية مرعبة، قادرة على إفناء العالم مرات عدة.
وفي السياق،بحسب مقال نشر في صحيفة The National Interest، قال الكاتب كريس أوزبرون، إنه على الرغم من امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية مقاتلات F-22 و F-35، الا أن الولايات المتحدة تعاني من نقص في مقاتلات الجيل الخامس.
وبحسب كاتب المقال فإن الأسطول الرئيسي يتكون من طائرات الجيل الرابع، والتي برأيه غير قادرة على اختراق المجال الجوي للعدو دون أن يلاحظها أحد، بالنظر إلى مستوى أنظمة الدفاع الجوي الروسية والصينية.
ويشير أوزبورن إلى أن التفوق في القتال الجوي يتطلب السرعة والتخفي والقدرة على المناورة.
بدوره، يشارك طيار F-15 السابق والجنرال بالقوات الجوية، ديفيد ديبتولا، أوزبورن وجهة نظره.
ونقلت الصحيفة عن ديبتولا، قوله إن “القوات الجوية الأمريكية بحاجة إلى طائرات يمكنها اختراق مناطق الدفاع الجوي للعدو”.
ويعتقد الجنرال أن نظام الدفاع الجوي HQ-9 الصيني أو S-400 الروسي يمكن أن يخلق مشكلة مع العدد غير الكافي من الطائرات في الولايات المتحدة.
وأشار أيضا إلى أن روسيا والصين تزيدان أسطولهما من طائرات الجيل الخامس، مثل Su-57 الروسية و J-31 الصينية، ووفقا للجيش، من غير المرجح أن تتمكن مقاتلات الجيل الرابع الأمريكية من الفوز في القتال الجوي.
وأفاد موقع “ناشيونال إنترست” الأمريكي بأن الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، شهدت طفرة في عالم الأسلحة على كل المستويات، وكادت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة تتحول إلى حرب فعلية.
وجرى تطوير الأسلحة، اعتقادا من القادة العسكريين والسياسيين حينها تحسبا لكل سيناريوهات المواجهة، التي قد تكون محدودة بأسلحة تقليدية، كما في سيناريو غزو ألمانيا الغربية أو أسلحة دمار شامل في حال اندلاع مواجهة شاملة بين الشرق والغرب.
وبنت القوى الكبرى ترسانتها الحالية اعتمادا على سباق التسلح في الحرب الباردة، رغم أن غالبية أسلحة تلك الحقبة أحيلت إلى التقاعد، فقد ظهرت مقاتلات شبحية لا يعترضها الرادار مثل “إف-35″، المصنوعة أمريكيا، في حين طورت الصين وروسيا ترسانة مرعبة من الصواريخ البالستية التي ظهرت بشكل الأول إبان الحرب الباردة.
وقال رئيس القيادة الاستراتيجية الأمريكية الأميرال تشارلز ريتشارد في مقال سابق له بمجلة المعهد البحري العسكري: أن “هناك احتمال حقيقي لأن تتصاعد أزمة إقليمية مع روسيا أو الصين بسرعة إلى صراع نووي، إذا شعروا بأن خسارة صراع تُستخدم فيه الأسلحة التقليدية قد يهدد النظام أو الدولة”.
وبرأيه، فإن نهاية الحرب الباردة أدت إلى ظهور أمل كاذب في واشنطن بأن “استخدام الأسلحة النووية أصبح الآن مستحيلا عمليا”. لكن على أمريكا، الآن، أن تضع في اعتبارها أن استخدام الأسلحة النووية “احتمال واقعي”.
وينصح ريتشارد الإدارة التي وصلت حديثا بتكريس الاهتمام لدراسة مخاطر الصراع النووي وتطوير مفاهيم جديدة للردع، وكذلك استراتيجيات لشن حرب نووية، إذا لزم الأمر.
وفي الصدد، قال الباحث الرائد في معهد الشرق الأقصى التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فاسيلي كاشين: “بشكل عام، لم يقل ريتشارد أي شيء جديد. لقد كرر دون لبس ما كان يتحدث عنه الخبراء الدوليون، بمن فيهم خبراؤنا، منذ فترة طويلة. ففي حال نشب صراع محلي بين روسيا والولايات المتحدة أو الصين والولايات المتحدة، فهناك احتمال كبير للغاية لأن يتطور إلى صراع نووي، مع كل ما له من عواقب وخيمة على البشرية جمعاء”.
“ما هدف إليه القائد العام للقوات المسلحة أن يلفت انتباه الإدارة الجديدة إلى القوات النووية، والتذكير بأن هناك الآن ليس دولتين فقط تتمتعان بإمكانيات نووية استراتيجية كبيرة، كما كان الحال خلال الحرب الباردة، إنما ثلاث. وهذا يتطلب مراجعة معينة للاستراتيجية الأمريكية”- كما يقول كاشين- أما بالنسبة لبقية ما جاء في المقال، فمكرر، مع النظرة التقليدية إلى روسيا والصين من وجهة نظر المؤسسة الأمريكية.
من جهة ثانية،رصدت مجلة ناشونال إنترست الأميركية -في مقال لها – مظاهر للتقارب بين روسيا والصين في أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، لافتة إلى أن موسكو جنت في السابق منافع من توترات سابقة بين بكين وواشنطن، زاعمة أن التطورات الأخيرة في الساحة الدولية تنذر بأن الأحداث قد تمضي إلى أبعد من ذلك.
وهناك توقعات أن تبدأ الصين في توسعة نفوذها والترويج لنموذج جيوسياسي جديد، ما إن تفرغ من التصدي لتحدياتها الداخلية،وأنها ستكون بحاجة إلى شريك من القوى العظمى مثل روسيا ليعينها في تحقيق مقاصدها الدولية في مرحلة ما بعد فيروس كورونا، خاصة في غمرة الضغوط المتزايدة من جانب الولايات المتحدة.
وترى روسيا والصين أن الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها تسعى إلى فرض إرادتها في كل مكان وعرقلة تشكل عالم متعدد الأقطاب والحفاظ على هيمنتها في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية بأي ثمن مع فرض إرادتها ومطالبها فى كل مكان وعلى كل طرف، وفرض عقوبات أحادية بين الحين والآخر.
ويسعى البلدان للتقليل من مخاطر العقوبات الأمريكية وتعزيز استقلالهما التكنولوجي عبر التحول إلى استخدام العملات الوطنية العالمية كبديل للدولار في التسويات المتبادلة” والابتعاد عن استخدام أنظمة الدفع الدولية التي يتحكم فيها الغرب.
واوضحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب باللائمة في تفشي وباء فيروس كورونا علي الصين على الرغم من نفيها ذلك جملة وتفصيلا.