هل اقترب شهر العسل التطبيعي من نهايته؟

 

يعيش بنيامين نتنياهو حالة من “السعار” السياسي تتلخص في تكثيف ضغوطه وجهوده لزيارة أكثر من عاصمة عربية قبل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية (الكنيست) للعودة إلى السلطة على حساب العرب الذين لم ليسئ أحد إليهم وإلى قضيتهم في العالم مثلما فعل، ابتداء من المجازر في قطاع غزة وانتهاء بسياسات الضم والاستيطان والفصل العنصري.
نتنياهو يرَكز حاليا في مسعاه الراهن على أربع دول عربية يسعى لزيارتها: الأولى القاهرة، والثانية الرباط، والثالثة أبو ظبي، والرابعة البحرين، ولم يحَقق أي اختراق فعلي في هذا المضمار حتى كتابة هذه السطور، فالعاهل المغربي رد “بفتورٍ” على دعوته لزيارة القدس المحتلة، أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فأبلغه بطريقةٍ غير مباشرة أن زيارة القاهرة لن تكون مجانية ولا بد من تنازلٍ كبير على صعيد القضية الفلسطينية مثل الاعتراف بحل الدولتين، ولا نعرف حتى الآن الأسباب المفاجئة التي أدت إلى تأجيل، وربما إلغاء، زيارته للعاصمة الإماراتية أبو ظبي التي كان من المفتَرض أن تتم الأسبوع المقبل.
مصادر حكومية إسرائيلية كشفت الخميس أن سبب تأجيله زيارته إلى الإمارات يعود إلى خوفه من أن تؤدي إلى انتقادات ضده حيث لا يزال الكثير من مواطنيه غير قادرين على السفر أو العودة نتيجة الرقابة الشديدة المفروضة على الحدود والسفر بسبب انتشار فيروس كورونا.
بيان مكتب نتنياهو أكد أنه “يكن تقديرا حارا لدعوات الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي والشيخ حمد بن عيسى ملك البحرين والسلام التاريخي الذي أقيم بيننا”، وعزَا التأخير “إلى إغلاق الأجواء”.
ما يجعل المتابع يتخفظ على هذه “التبريرات” تأجيل هذه الجولة الخليجية ثلاث مرات، واختصارها إلى ثلاث ساعات بدلا من ثلاثة أيام، وأخيرا اقتصارها على أبوظبي، وحذف كل من البحرين ومدينة دبي من برنامجها.
لا بد أن هناك أسباباً “جوهرية” أدت إلى تأجيل، أو حتى إلغاء هذه الجولة، فاللافت أن دعوة نتنياهو لزيارة أبو ظبي، وحسب البيان الرسمي، لم تأت من الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، وإنما من الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية، وهذا كسر لقواعد “البروتوكول”، وحتى لو وجه هذه الدعوة الشيخ محمد بن زيد ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي، ولوحظ أن الشيخ بن زايد لم يَلتق نتنياهو حتى الآن، وأوكل مَهمة توقيع “اتفاق السلام” في واشنطن إلى شقيقه وزير الخارجية.
هناك تكهنات عديدة حول أسباب التأجيل أو الإلغاء وردت على لسان مصادر خليجية تقول إن هناك استياء خليجيا من نتنياهو شخصيا خاصة من المملكة العربية السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان لتسريبه- أي نتنياهو- أنباء اللقاء الثلاثي في مدينة نيوم إلى الإعلام الإسرائيلي ما أدى إلى إحراج ولي العهد السعودي، والثانية تجميد إدارة جو بايدن صفقة طائرات “إف 35” الأمريكية المتطورة جدا لدولة الإمارات التي أقرتها إدارة ترامب وكانت جزءا مهما من “اتفاقات السلام”، أما الثالثة، فتعود إلى محاولة الدول التي وقعت “اتفاقات أبراهام” للسلام تخفيف حدة مبالغتها في التطبيع مع دولة الاحتلال بسبب الانتقادات التي تعرضت لها، وحصول نوع من الغضب الداخلي تجاهها، خاصة أن الطرف الإسرائيلي كان المستَفيد الأكبر منها، وسقوط إدارة ترامب الراعية لها، أو الضاغطة من أجلها، ومجيء إدارة أمريكية ديمقراطية جديدة بأجندات غير ودية لدول خليجية متوَرطة في الحرب على اليمن التي تعتبر أنهاء إلى أكبر كارثة إنسانية في العالم، ووقف كلي لدعم هذه الحرب بما في ذلك صفقات الأسلحة.
فإذا كان جو بايدن رئيس أمريكا الجديد، لم يبادر برفع سماعة الهاتف ويتصل بنتنياهو رغم مرور ما يَقارب ثلاثة أسابيع على توليه السلطة- وهي سابقة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لها معان سياسية عديدة- فهل من الحكمة أن تستقبله عواصم عربية وتَفرش له السجاد الأحمر رضوخا لسياساته الابتزازية وخضوعا لنظرية الحلب السياسي التي يجيدها مع العرب خصوصا؟
حكومات عربية في المشرق والمغرب العربي ارتكبت خطيئة سياسية وأخلاقية كبرى عندما راهنت على ترامب وقدمت له خدمات مجانية على شكل توقيع اتفاقات تطبيع “مجانية”، لمساعدته في الفوز بالانتخابات الرئاسية، ولم تَجن غير خيبة الأمل والغضب من قبل قطاعٍ عريضٍ من شعوبها، لأن هذا الرهان لم يَكن في محله، ويَعكس سوء تقدير يتعارض مع أبسط القواعد السياسية، ولهذا تعلمت من هذا الدرس فيما يبدو، وباتت الحكومات العربية أكثر حذرا ولم تَعد تريد أن تلدَغ من الجحر نفسه مَرة أخرى، ولكن بعد خراب مالطا!.

قد يعجبك ايضا