الإرهاب باسم الدين أو باسم العلمانية أيهما أشدُّ فتكاً ؟
عبد العزيز البغدادي
مثلما أن الإرهاب باسم الدين يخالف ما يدعو إليه جوهره من حرية وتسامح ورفض للعبودية ويناقض منهجه في اعتبار من يحمل رسالته بشر يخطئون ويصيبون وليسوا آلهة (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ)، ومثلما أن رموز الوثنية الجديدة التي تحاصر الدين باللحى والسواك وتشغل الأحياء بحياة القبور وحجم الدجاجة في الجنة وعدد بنات الحور المخصصة في الجنة لكل معتوه !، مثلما أن هذا النوع من الإرهاب الذي يرتدي ثوب الدين خطرا على الإنسان والإنسانية والأحرار والحرية وعلى الدين والمتدينين الأنقياء الذين يرون الله والدين بمنظور يخدم الإنسان وينقي الحياة من ظلم الإنسان لأخيه والجريمة المنظمة ويرفض كل أنواع العبودية الظاهرة والمستترة ؛
كذلك الإرهاب باسم العلمانية لا يقل خطرا عن الإرهاب اللابس ثوب الدين إن لم يكن أشد خطراً وأكثر فتكاً بأحلام البشرية بنظام عالمي جديد تتآزر فيه قوى الخير في العالم ضد عصابات الشر حفاظاً على توازن البيئة المادية والأخلاقية إن جاز التعبير أي التوازن بين الخير والشر في الحياة بمعنى أن لا يكون الحكم للأشرار وإلا فسدت الأرض (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ومحو الشر والأشرار بهذا المعنى ينافي سنة الله في الخلق وهذا ما يتضمنه قول الله للملائكة في القرآن الكريم رداً على اعتراضهم على خلق الإنسان باعتباره محور الخير والشر كما برهنت وتبرهن على ذلك سلوكياته عبر تأريخه منذ وُجد 🙁 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، فبقاء الحياة بهذا المعنى يقوم على التوازن وللإنسان في حفظ هذا التوازن دورٌ يتجلى من خلال أدائه لرسالته في إتباع طريق الخير وتجنب طريق الشر وهي رسالة تتفاوت في أدائها القدرات ومستوى الالتزام بمقتضياتها .
وفي اعتقادي أن أخطر دور تقوم به بعض القوى السياسية المهيمنة على جزء كبير من سياسة العالم هو ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها باسم (العِلمانيةْ) في نشر الإرهاب وإلباسه ثوب الدين وبالذات الإسلامي كما تجلى في سلوكيات ترامب خلال فترة ولايته وكذلك سلوك بعض الرؤساء الأوروبيين مثل الفرنسي ماكرون وتصريحاته الغبية والحاقدة ضد الإسلام ورسوله عليه الصلاة والسلام ودعم الأنظمة العنصرية والفاسدة القائمة على أيديولوجيا دينية أو فكرية معينة أو تحت عنوان الحفاظ على المصالح الاقتصادية التي تستبيح من خلالها العدوان على بلدان الآخرين والاستيلاء عليها ونشر القواعد العسكرية لإرهاب العالم وفرض عملائها على الشعوب كحكام مستبدين وحمايتهم وإبقائهم في الحكم أربعين او خمسة وثلاثين عاما أو توريثهم أو للمدة التي ترى أن هذا الحاكم أو ذاك قد صار كرتاً محروقاً في ظل أنظمة تدعي الثورة والجمهورية أي أن حكم العالم قد تحول في نظر هذه الدولة العظمى التي تدعي العلمانية الى لعبة قذرة تستبيح من خلالها كل شيء وفق ما ترى أنه يخدم مصلحتها !، وهذا هو مفهوم ترامب ومن على شاكلته من التابعين للسياسة الأمريكية كالأوروبيين المحسوبين على الحرية وأذيالهم من المحسوبين على العروبة والإسلام لمقولته : (أمريكا أولاً).
التجارب المريرة مع سلوك أمريكا إزاء العالم لا تجعلنا نتفاءل كثيراً لتداول السلطة بين من يمثل الملمس الخشن والناعم لعدوانية رؤسائها المتناوبين على تنفيذ سياساتها التي أثبتت هذه التجارب أن عدوانيتها عمل مؤسسي على الأقل حتى الآن .
وهذه القراءة لا ينبغي أن تكون مدعاة لعدم تقدير أي خطوات إيجابية يخطوها بايدن تحد من صلافة تصرفات سلفه الذي أثبت خلال سنوات حكمه أنها الأكثر حدة ووضوح في تأريخ أمريكا الصلف ، وملامح الإيجابية تبدوا من خلال تصريحات بايدن حتى الآن حول بعض القضايا مثل العودة الى اتفاق باريس حول المناخ والاتفاق النووي مع إيران وتصريحات أخرى كثيرة تتضمن رفض مفهوم ترامب (لأمريكا أولاً) حيثُ رأى بايدن أن هذا الشعار يعني (أمريكا وحدها) أي معزولة عن العالم وسمى الحروب التي تشنها أمريكا ومنها الحرب ضد اليمن بالحروب التافهة أو العبثية ، مع أنها حرب ديمقراطية أي أعلنت في عهد الديمقراطي (أوباما) ونائبه (بايدن) نفسه وأياً كانت المصداقية فإن السياسة تقتضي اعتبار الأقوال حجة أخلاقية وقانونية وسياسية للمطالبة بتطبيقها ؛
إن القارئ المنصف لما يجري في العالم والمنطقة لا يصعب عليه إدراك أن الإرهاب باسم العلمانية يدير وينظم الإرهاب باسم الدين وبالذات باسم الإسلام ومطبعي حروب الإبادة وسرقة الأوطان ما يعني أن الإرهاب باسم العلمانية هو الأكثر فتكاً وضراوة.
هذا المدى مُثقلٌ بالأرواحِ المتسابقة على أبواب الرحمة المُشرعة والزعامة القاتلة
وكل الأبواب مشرعةْ.