النهج المحمدي الأصيل

 

يحيى محمد الربيعي

اليمنيون في مركز الصدارة بين أبناء الأمة الإسلامية في الاحتفاء والاهتمام بذكرى المولد النبوي الشريف، لأن اليمنيين يتخذون من هذه المناسبة محطةً تعبويةً وتربويةً ومعرفيةً لتعزيز الولاء والمحبة لرسول الله.
فالمولد النبوي مناسبة للحث على الاقتداء والتأسي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتعرف على سيرته المباركة في هدي الرسالة الإلهية وما حملته من قيم وما جسدته من أخلاق واحتوت عليه من التعاليم والمبادئ التي يحتاجها الإنسان في إضاءة طريقه نحو الهداية.
وبحكم هذا الانتماء وهذه الهوية الإيمانية، أدرك اليمنيون أهمية هذه المناسبة وما تمثله من فرصة كبيرة في مراحل العودة إلى ينابيع الهداية والحكمة وعناصر القوة، لأن ولاء اليمنيين لرسول الله مثل في عمقه وصدقه كل العلاقات التي قد تربط بين البشر، وتعكس تعظيمهم وشكرهم لنعمة الهداية بنور ما جاء به الرسول الأعظم محمد.
يؤكد السيد القائد عبدالملك الحوثي حفظه الله، أن الحديث عن الرسول والقرآن الكريم والرسالة الإلهية، هو حديثٌ عمَّا نحن معنيون به؛ بحكم انتمائنا للإسلام، وحديثٌ عمَّا لا نجاة، ولا خلاص، ولا فلاح للبشرية إلَّا به، وحديثٌ عمَّا ثبت بالفعل نجاحه في إنقاذ البشرية في جاهليتها الأولى”؛
ذلك لما كان لليمنيين الشرف الكبير بدءاً بالأنصار في إيمانهم وجهادهم وتفاعلهم، مع رسالة الله تعالى حتى نالوا وسام الشرف الكبير فيما روي عن رسول الله بشأنهم “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، وبهذا الإيمان كان ثابتا ومتماسكا في مواجهة العدوان الصهيوامريكي.
1442 سنة من ميلاد المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما يزال نور ما جاء به من الهدى يشرق في حياة الإنسانية.. لما لا؟.. وهو المولود الوحيد الذي كل يوم مولد على مر التاريخ.. مولد يتجدد معه النور والهدى باستمرار.
ونحن عندما نحتفل ونُظهر كل مظاهر الفرح والابتهاج؛ فإننا نعبِّر عن التقدير لنعمة الله.. نعبر عن الاعتراف بفضل الله: “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا”.
لليمنيين مع الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، علاقة خاصة وعظيمة فقد كانوا أول من ناصره حين كفره قومه وحاربوه، وخاضوا معه -إلى جانب ثلة من آل بيته الكرام وأصحابه الطاهرين- معركة بدر الكبرى، وحين فتح مكه موطن رأسه، اختار صلى الله عليه وآله وسلم العيش مع الأنصار الذين تنحدر أصولهم إلى اليمن.
وصف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الشعب اليمني بشعب “الإيمان والحكمة”، ووصف مجيئهم إليه مسلمين بالقول “جاء نصر الله وجاء أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية”.. ونزل في وفادتهم على النبي قوله تعالى “إذا جاء نصر الله والفتح”.
كما يسجل التاريخ الإسلامي لليمنيين أنهم كانوا الشعب الوحيد الذي اختصه بمبعوث من آل بيته المشمولين بالكساء، هو الإمام علي زوج ابنته فاطمة الزهراء عليهما السلام، ولم يخب اليمنيون ظن الرسول الأعظم فيهم، فآمنت القبائل اليمنية بدعوة الإسلام واستضافت باحترام وتقدير كبيرين مبعوثه الإمام علي بن أبي طالب باب مدينة علمه، كما وصفه النبي الخاتم.
وفي صنعاء ما يزال المسجد الكبير يحمل عبق النبوة ويتفاخر اليمنيون بأن الرسول الأعظم محمد هو من أمر ببنائه وحدّد مكانه، وكان الإمام علي ابن عمه وزوج ابنته هو من باشر البناء بين صخرتين تعرفان إلى اليوم في أعمدة المسجد بـ”المسمورة والمنقورة”.
ويسجل التاريخ كذلك أن التيارات والمذاهب المعرضة عن آل البيت الكرام والنهج المحمدي الأصيل لم تجد لها قبولا في اليمن على امتداد التاريخ الإسلامي رغم امتلاك بعضها سطوة الدولة والمال، ويدلل على ذلك انحصار انتشار المذاهب الإسلامية على ثلاثة مذاهب في اليمن أو اتجاهات دينية، هي المذهب الزيدي والمذهب الشافعي والحركة الصوفية وجميعها تتصل ببعضها البعض برابط حب آل البيت والولاء لهم، وهو ارتباط عضوي وفكري بالنهج المحمدي الأصيل الذي لا تشوبه شائبة.
لقد ظلت الاحتفالات المرتبطة بالرسول الأعظم محمد وآل بيته طقوسا شعبية حية وثابتة يحييها الشعب وتحترمها الحكومات رغم تنوعها السياسي، فكان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يجري بخطين رسمي وشعبي.
لكن وبفعل الضغوط والعوامل السياسية عمل البعض على تغييب الاحتفال رسميا، إلا أن اليمنيين- وإن تضاءلت مظاهر الاحتفال رسميا- ظلوا يتبادلون التهاني بهذه المناسبة العظيمة ويقيمون الفعاليات الشعبية المسجدية، ويمارسون طقوسا كثيرة كالتهاد، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء.
ومع انبلاج فجر ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر في العام 2014م عاد إلى المدن اليمنية زخم الاحتفال والبهجة بالمولد النبوي الشريف، وعاد الشارع اليمني لإرث أجداده، في الاحتفال بميلاد الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويعبر عن حبه للرسول الأعظم محمد .. وعاد اليمنيون إلى إحياء طقوس دينية متجذرة طالما سمعوها من أجدادهم.
ورغم تعمد العدوان -الذي تتصدره السعودية- قطع المشتقات النفطية ومادة الغاز عن السوق اليمنية في المحافظات المحررة، فقد شهدت ساحات الاحتفال بالمولد النبوي توافدا حاشدا أدهش العالم.. جاء اليمنيون إلى الساحات ليجددوا صمودهم في مواجهة العدوان على بلدهم، واستمرارهم في الوفاء للوصية المحمدية بالتمسك بالقرآن والعترة الطاهرة حتى الورود على الحوض، كما قال بذلك الرسول محمد صلوات الله عليه وآله وسلم.

قد يعجبك ايضا