سقط خلالها مئات الضحايا من مختلف ألوان الطيف الجيوسياسي
مجزرة الصالة الكبرى.. جريمة أمريكا المنسية في اليمن
اتخذت أمريكا من تحالف العدوان مظلة لارتكاب جرائم الحرب بحق اليمنيين
ضغطت واشنطن نيابة عن الرياض من أجل إسكات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي
“لا توجد حادثة في التاريخ الأمريكي الحديث أكثر مقارنة من اليمن”
على الرغم من احتضانه لذكرى اندلاع ثورة الاستقلال اليمنية ضد الاحتلال البريطاني، إلا أنه بات يحمل مناسبة حزينة تعيد استذكار كبرى جرائم العدوان الأمريكي على اليمن.. أكتوبر الذي كان رمزاً للحرية والانتصار بات لا يذكر دون أن يرتبط بجريمة استهداف طائرات تحالف العدوان للقاعة الكبرى، تلك الجريمة المنسية في صفحات الإعلام العالمي، والتي تجسّد ما تقدّمه أمريكا للإنسانية في أبهى حللها.
الثورة / عبدالقادر عثمان
في الثامن من أكتوبر عام 2016م، كانت الصالة الكبرى في صنعاء تضم قرابة 3 آلاف مواطن قدموا من 22 محافظة يمنية لأداء واجب العزاء في وفاة والد الفريق الركن جلال الرويشان – نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، في حكومة الإنقاذ، ومع حلول الساعة الـ 3:20 عصراً حوّلت الطائرات التابعة للتحالف بقيادة أمريكا، العزاء إلى مشهد من الجحيم، على إثر ذلك فقد نحو 140 يمنياً حياتهم بينما أصيب قرابة 610 بجراح وإعاقات وحروق، بحسب ما جاء في بيانات وزارة الصحة اليمنية.
كبرى الجرائم
جاءت هذه الحادثة وسط تخاذل وصمت دوليين يبعثان على الغرابة، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية – المعنية في قوانينها – بـ”التحقيق في جرائم الإبادة الجماعية وجرائم القتل أو التسبب بأذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية، إهلاكا كلياً أو جزئياً”، وفقاً لميثاق روما، وهو ما حدث في قصف الصالة الكبرى التي تعمد فيها تحالف العدوان استهداف المعزين المنتمين لكافة ألوان الطيف الجيوسياسي اليمني في تجمع مدني، على طريقة الإبادة الجماعية التي ارتكبها النظام الأمريكي في أغسطس عام 1945 بحق سكان مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، وإن كان بصورة مصغّرة.
تنشط الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً في اليمن منذ عام 2000م، تحت مسمى “محاربة الإرهاب”، وخلال الفترة بين 2002م وحتى أواخر 2014م، نفذت القوات الأمريكية نحو 234 عملية تشمل القصف بالطائرات والـ “درونز” و”بريداتور”، إضافة إلى إطلاق الصواريخ من بارجات حربية تبحر في خليج عدن، أدت العمليات إلى مقتل 3 آلاف يمني، حيث كشف تحقيق لشبكة “بي بي سي” البريطانية أن غالبيهم مواطنون أبرياء.
مظلة للجرائم
ومنذ مارس من العام 2015م، اتخذت أمريكا من تحالف العدوان مظلة لارتكاب جرائم الحرب بحق المدنيين في اليمن، في الوقت الذي تزعمت السعودية والإمارات ذلك التحالف واكتفت أمريكا – ظاهرياً – بالدعم اللوجستي، بالتزامن مع المشاركة الواقعية الفعّالة، سواء في الميدان أو غرفة التحكم بالعمليات العسكرية لتحالف العدوان أو من خلال السلاح المحرم دوليا الذي تستمر في تصديره للسعودية والإمارات لاستخدامه في قتل اليمنيين.
من بين السلاح رأت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن الصالة الكبرى، الشاهد الأكبر على جرائم أمريكا في اليمن، قصفت بقنبلة موجّهة بالليزر “جي بي يو-12 بايفواي 2” أمريكية الصنع، بينما “اكتشف المحققون اليمنيون زعنفة ذيل أحد الصواريخ، ويشير الرقم التسلسلي إلى أن الصاروخ فيه علامة “مارك-82” وهي فولاذية أنيقة، طولها سبع وثمانون بوصة، وقطرها اثنتا عشرة بوصة، ومليئة بخمسمائة رطل من المتفجرات، أنتجتها رايثيون – ثالث أكبر شركة دفاعية في الولايات المتحدة الأمريكية، تم تعديل القنبلة مع نظام توجيه الليزر، صنع في المصانع في ولايتي اريزونا وتكساس الأمريكيتين، وتدعى بافيواي الثاني”، كما جاء في مجلة “نيو وركر” الأمريكية.
منفّذ مباشر
وفي الوقت الذي اتهمت فيه رايتس ووتش، السعودية بارتكاب جرائم حرب في اليمن، على لسان سارة ليا ويتسن المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في المنظمة، خلال تصريحاتها لصحيفة الهافنغتن بوست الأمريكية، وقالت إن “هذا يسلط الضوء على أن تعيد الأمم المتحدة التحالف على الفور إلى قائمة العار السنوية”، لجأ تحالف العدوان إلى التبرير بأن تنفيذ الضربات الجوية على الصالة الكبرى تم بناءً على معلومات مغلوطة لقيادة هيئة الأركان العامة لقوات المرتزقة.
ورغم أن الأخيرة نفت هي الأخرى على لسان أحد قياداتها أن تكون لديها أية معلومات عن تلك الجريمة – كما قال ما يسمى بـ “اللواء المقدشي” – وزير دفاع المرتزقة، لقناة “بي بي سي” في البرنامج الوثائقي “عن قرب”، إلا أن قوى العمالة والارتزاق ليست سوى دمى تحركها يد العدوان، الذي تتحكم بقراره أمريكا فقط، وبالتالي فإن اشتراك المرتزقة والسعودية والإمارات وأمريكا و17 دولة في ارتكاب الجريمة لا يلغي حقيقة أن الولايات المتحدة هي المنفذ الأول والمباشر للجريمة.
محاولة إخراس
اشتراك الولايات المتحدة دفعها للضغط من أجل إسكات العالم عنها، حيث اعترف الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون عام 2016م، أن “قرار إزالة التحالف العربي من القائمة السوداء العام الماضي مؤسف للغاية”، لافتاً إلى أن هناك ضغوطاً مورست عليه من ضمنها تهديد بقطع التمويل على المنظمة الدولية، كما كشفت وسائل إعلام أمريكية وقتها ممارسة واشنطن للضغوط على المنظمة وبقية المنظمات الحقوقية، نيابة عن الرياض.
لم تفلح الضغوط الأمريكية في إسكات العالم، وإن نجحت في ترسيم الصمت الأممي إلا أن الحادثة أثارت استنكاراً دولياً وتنديداً واسعاً من قبل أنظمة بعض الدول منظمات حقوقية ومدنية وحقوقيين، والذين طالبوا بسرعة إيقاف الحرب التي يشنها تحالف العدوان على اليمن باعتبارها استهدفت بشكل عشوائي وممنهج المدنيين، وعلى رأسهم الأطفال والنساء.
تخوف من الظهور
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية وخلال سنوات العدوان على اليمن، ظلت تعمل على جانب التحذير للإدارة الأمريكية من استمرارها في بيع الموت للسعودية الذي توزعه لليمنيين على هيئة أسلحة فتّاكة، ومؤخراً أشارت إلى أن التطبيع الإماراتي مع كيان العدو الصهيوني سيفتح أبوابا أخرى من المشاركة الأمريكية في قتل اليمنيين من خلال الأسلحة التي تبيعها للإمارات، لكنها لفتت إلى الضغط من قبل مسؤولين في البيت الأبيض من أجل وقف الصفقات وسط المخاوف من تعرض الولايات المتحدة لاتهامات بارتكاب جرائم حرب جراء بيع الأسلحة المتقدمة.
وقالت إن مظاهر القلق نابعة من دعم أمريكا للسعودية والإمارات اللتين شنتا حربا في اليمن استخدمتا فيها السلاح الأمريكي وأدت لمقتل الآلاف من المدنيين، وكشف تحقيق للصحيفة الأمريكية الذي قام على مقابلة عدد من المسؤولين في الحكومة الأمريكية، أن المخاوف القانونية تسري عميقا وأعمق مما تم الكشف عنه في السابق.
بصمة أمريكية
ورغم اعتياد النظام الأمريكي العدواني على وضع بصماته في الحروب التي يتزعمها، إلا أنه لجأ إلى تقديم أياديه العميلة في المنطقة لتكون صاحبة البصمة في الصورة هذه المرة بينما يقف هو خلفها لأسباب عدة، من بينها حرصه على تقديم نفسه كمدافع عن الإنسانية وخوفه من تعرض بعض مسؤوليه للمقاضاة والملاحقة القانونية وهم خارج الولايات المتحدة، إضافة إلى محاولة البيت الأبيض رسم صورة عن أمريكا باعتبارها بريئة من دماء اليمنيين، حتى مع حديث الأمريكيين أنفسهم عن أنه “لا توجد حادثة في التاريخ الأمريكي الحديث أكثر مقارنة من اليمن”.