21 سبتمبر أسقطت مشروع التفتيت والتمزيق وما يسمى بالفوضى الخلاقة
أمام أول ثورة عربية حقيقية تصحح مسار ما يسمى بالربيع العربي
عطلت عملياً الوصاية الإقليمية والدولية على اليمن
وثورة 21 سبتمبر يريدون إقامة نظام سياسي يعبر عن الشعب وليس عن مصالح الخارج
من المعروف أن اليمن كانت مجرد ملحق أو حديقة خلفية لبعض الدول الإقليمية التي توفر هي الأخرى الأرضية المناسبة للتدخلات الأمريكية في الشؤون اليمنية..
الواقع اليمني خلال العقود الماضية يشهد بذلك فقد ظلت الأنظمة التي تعاقبت بعد 26 سبتمبر 1962 م مجرد تابع وملحق لقوى إقليمية حرصت على شراء الولاءات وإفساد الذمم ومنح الميزانيات الخاصة للمشائخ والنافذين ليكونوا دولة داخل الدولة التابعة لهم أصلا فتغول النافذون وسيطروا على كل شيء وتحولت الدولة ومؤسساتها إلى إقطاعيات لذوي النفوذ والمشائخ فيما ظل الشعب اليمني بغالبيته خارج دائرة الاهتمام والرعاية يعاني ويلات الفقر والجهل والمرض والصراعات المفتعلة والمنظمة..الثورة / حميد رزق
جاءت ثورات ما يسمى بالربيع العربي في العام 2011م بعد ستة حروب شنها نظام علي صالح وعلي محسن الأحمر على النهضة الثقافية والفكرية التي دشنها السيد حسين بدر الدين الحوثي منطلقا من محافظة صعدة..
ستة حروب بدأت عسكرياً في العام 2004 وانتهت في العام 2009 م مني خلالها النظام بهزائم منكرة.. في هذا التوقيت أي في العام 2011م بداية ثورة الشباب السلمية بصنعاء كان أنصار الله وطبيعة الأحداث التي شهدتها صعدة قد كسرت حاجز التعتيم المضروب على أنصار الله بشكل نسبي بالإضافة إلى وصول كافة اليمنيين إلى قناعة مفادها فساد النظام وسوء إدارته للبلاد.
وفرت ثورة فبراير 2011 فرصة لأنصار الله للولوج الى ساحة جديدة من ساحات النضال أنها ساحة النضال السلمي التي كانت محرمة ومجرمة عليهم بفعل العدوان العسكري.. فاختلط أنصار الله بمختلف قطاعات المجتمع وتياراته وتم التعريف أكثر بحقيقة المشروع الفكري والثقافي لأنصار الله الذين كانوا النموذج الأبرز لمظلومية الشعب اليمني باسره الذي بدأ في رحلة التعرف والتوحد مع مشروع أنصار الله باعتبارهم نواة الثورة الحقيقية ورافعتها بعد فشل الرهان على الأحزاب السياسية التي حصنت الرئيس السابق وعادت لتقاسم السلطة معه من جديد تحت مظلة المبادرة الخليجية..
تنامي المد الثوري خارج سيطرة الإخوان
وإزاء تنامي المد الثوري الحقيقي خارج سيطرة الإخوان بدأت الدول الإقليمية تقلق وذهبت نحو إقرار المبادرة الخليجية التي هدفت في حقيقتها إلى ملئ الفراغ الذي خلفه انقسام النظام على نفسه خوفا من نفاذ الثورة الشعبية الحقيقية من شرخ الانقسام الحاصل في جسد السلطة المرتهنة بطرفيها.. وكان هدف المبادرة الخليجية تسليم الإخوان المسلمين السلطة في اليمن بشكل تدريجي بالتوازي مع الحفاظ على الرئيس السابق علي عبد الله صالح ومنحه الحصانة كخط رجعة في حال لم ينجحوا في تحقيق الأهداف المرسومة.
بالنسبة لواشنطن الذي كشفته الأحداث في اليمن خاصة بعد 11 فبراير (ثورة الشباب 2011م) أن الأمريكان لم يعودوا مقتنعين بالوصاية والتدخلات التي كانوا يمارسونها في عهد علي صالح.. والذي اتضح لاحقا أن الأمريكان كانوا يبحثون عن حضور عسكري وامني وسياسي في اليمن اقوى من ذي قبل وهذا لا يتأتى من دون مفهوم الفوضى الخلاقة التي وفرها لهم صراع النظام المنقسم على نفسه فصار السفير الأمريكي هو الحاكم الحقيقي في صنعاء وطائرات أمريكا تجوب سماء اليمن طولاً وعرضاً تقتل من تشاء متى تشاء بمزاعم ملاحقة القاعدة وشرعت في إنشاء قواعد عسكرية في بعض المحافظات الجنوبية كما حولت منطقة شيراتون التي تتواجد فيها السفارة الأمريكية بصنعاء حولت هذه المنطقة إلى ما يشبه القاعدة العسكرية واستقدمت المزيد من جنود المارينز بمزاعم حماية السفارة ..
المبادرة الخليجية والسيناريو
الليبي والصومالي
في ظل نظام المبادرة الخليجية وحكومة الوفاق أو ما يسمى بسلطة التقاسم والمحاصصة والتي استمرت زهاء ثلاثة أعوام (تشكلت في نهاية 2011 واستمرت حتى 21 من سبتمبر 2014 م) تدهورت كل مجالات الحياة في اليمن وبدت الأمور كأنها (تركبت بهذه الطريقة) من اجل الذهاب نحو الأسوأ وليس العكس وبدت اليمن وكأنها تتجه نحو السيناريو الليبي أو الصومالي.
الاغتيالات كانت تطال في ظل حكومة المبادرة الخليجية بشكل شبه يومي الكفاءات والشخصيات الوطنية لاسيما في المجال العسكري والأمني.
زيادة الأسعار وتراجع مستوى الحياة المعيشية للغالبية من المواطنين والعودة إلى سياسة إقرار الجرع السعرية المفروضة من قبل البنك الدولي بنسب مرتفعة وجائرة بل وقاتلة للقطاعات الفقيرة ومتوسطة الدخل يترافق ذلك مع اختلاق وافتعال المزيد من الأزمات المعيشية والاقتصادية والخدماتية مثل غياب وضرب الكهرباء وإعدام أو إخفاء المشتقات النفطية في سياق سياسة عقابية مدروسة هدفها كسر إرادة الرفض للفساد والتي تمثلت في المسيرات الثورية السلمية التي استمرت في عدد من المحافظات منذ العام 2011 حتى انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م.
في ظل حكومة المحاصصة والمبادرة الخليجية تزايد حجم الفساد الذي أصبح مؤسسيا يلتهم كل مقدرات البلد.
تقاسم المناصب بدءا بالوظائف الكبيرة نزولاً إلى المستوى الأدنى بين الشركاء الفاسدين وتغييب الشعب وهمومه بشكل كامل.
توسع تنظيم القاعدة حتى أصبح يسيطر على بعض المحافظات وكان العجز الحكومي او التظاهر بالعجز هو سيد الموقف.
فتح السيادة اليمنية لكل أشكال التدخلات الخارجية حتى أصبح اليمني غريبا في وطنه مقابل الحرية التامة لأجهزة المخابرات العابرة للحدود لتعمل وترتكب في اليمن بحق المواطنين اليمنيين ما تشاء ومتى تشاء.
وختاما تم برعاية قوى النفوذ وحكومة المبادرة الخليجية الالتفاف على مؤتمر الحوار الوطني وتجميد مقررات التي نصت على إقامة حكومة شراكة وطنية ومعالجة قضيتي الجنوب وصعدة.
ثورة 21 سبتمبر
كل تلك السياسات التآمرية المدروسة والمنظمة انفجرت في وجه نظام المبادرة الخليجية والسفراء الأجانب في الرابع من شهر أغسطس 2014 م حين دعا السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أبناء الشعب اليمني إلى الخروج الثوري الواسع في مختلف المحافظات لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: أولاً إسقاط الجرعة، وإسقاط الحكومة، وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
بنجاح ثورة 21 سبتمبر وسقوط قوى النفوذ التي كانت مسيطرة على المشهد السياسي والميداني تحقق لليمن وشعب اليمن المنجزات التالية:
أولاً: إسقاط مشروع التفتيت والتدمير والتمزيق او ما يسمى بالفوضى الخلاقة التي للأسف جاءت محمولة على ثورة الشباب التي اندلعت في 11 فبراير 2011م واتضح لاحقاً أن الخارج عبر ركوبه موجة هذه الثورة عازم على تقسيم اليمن إلى عدة أجزاء بوسائل عديدة أبرزها:
تغذية الكراهية واستحضار الورقة المذهبية والطائفية والحديث عن سنة وشيعة في محاولة لنقل المشهد العراقي إلى اليمن.
اعتماد الستة أقاليم بشكل غير شرعي ومحاولة إلصاقها بالحوار الوطني وهي معروفة أنها مقترح أمريكي سعودي سيتطور لاحقا بعد افتعال فتن وحروب ومشاكل إلى دويلات بأسس جهوية ومذهبية تضمن استمرارية الصراع وتغذيته.
هيكلة الجيش والتي كانت تعني إضعافه بطريقتين الأولى عبر استبعاد كل العناصر الوطنية واستبدالهم بعناصر طائفية وعنصرية او قريبة من السفارات بالإضافة إلى بروز عامل الاستهداف المنظم للجيش من قبل ما يسمى تنظيم القاعدة بطريقة مريبة فهم منها الشارع اليمني انها منظمة ومدروسة هدفها تدمير معنويات الجيش وتصفيته وإفقاده الثقة في نفسه وبالتالي ثقة الشعب فيه بمقابل إفساح المجال أمام القاعدة وتضخيمها وإظهار قوتها وبشاعتها تمهيدا بكل تأكيد لإفساح المجال أمامها للقيام بذات الدور الذي تمارسه في سوريا والعراق وليبيا.
أمريكا.. واستثمار التطرف في اليمن
أيضا أمريكا كانت تنظر لليمن من زاوية أخرى تنظر إليه كبلد ذا كثافة سكانية يمكن تحويله عبر الاستثمار المدروس في الفقر والجهل وتحويل اليمن إلى خزان بشري لإنتاج واستيراد وتصدير العناصر المتطرفة فعمد الخارج إلى الضغط على نظام صنعاء لانزال أقسى جرعة سعرية عرفتها اليمن كان من شانها أن تحول غالبية اليمنيين إلى ما تحت خط الفقر.
مكاسب ثورة 21 سبتمبر
ثورة 21 سبتمبر التي تصدرها أنصار الله عطلت عمليا الوصاية الإقليمية على اليمن عندما تم تجاوز المبادرة الخليجية التي أعادت إنتاج النظام السابق بآلية إشرافيه إقليمية ودولية مستدامة (الوصاية).
(المبادرة الخليجية كانت تنص على تشكيل الحكومة مناصفة بين طرفين فقط هما جناحي نظام علي صالح – الإصلاح من جهة وعلى راسه علي محسن الأحمر – والطرف الثاني المؤتمر وهو حزب علي عبد الله صالح الذي قامت الثورة لإسقاطه).
ثورة 21 سبتمبر أسقطت أيضا الوصاية الدولية على اليمن التي جاءت محمولة على قرارات مجلس الأمن وما يسمى بالفصل السابع الذي كان الغرض منه حماية نظام المبادرة الخليجية ومعاقبة أي قوة سياسية تقوض هذا النظام الذي يريد الخارج من خلاله وعبره تمزيق اليمن وتجزئته ونشر الفوضى والحروب فيه.
الخلاصة بانتصار ثورة 21 سبتمبر وسقوط حكومة المقاسمة التي تنص عليها المبادرة الخليجية سقطت عمليا القدرة الكاملة الأمريكية الإقليمية لتجزئة اليمن وتدمير شعبه بواسطة رعاية الفساد والفلتان الأمني وتغذية الصراعات والاغتيالات وغيرها ولم يستطع الفصل السابع ولا مجلس الأمن أو أمريكا حماية حكومة التحاصص التي عصفت بها ثورة 21 سبتمبر وجاءت على أنقاضه بوثيقة السلم والشراكة التي تنص على تشكيل حكومة كفاءات وشراكة وطنية بالإضافة إلى محاربة الفساد واستعادة موارد البلاد من أيدي العابثين والناهبين.
ثورة 21 سبتمبر حدت من التدخلات الخارجية وان لم يكن بشكل كامل في هذه المرحلة ولكن بشكل كبير وعمليا يعجز الخارج عن تنفيذ أجنداته وتدخلاته كما كان عليه من قبل هذه الثورة.
في اليمن ثورة 21 سبتمبر هي أول ثورة عربية حقيقية تصحح مسار ما يسمى الربيع العربي وانتزعت زمام المبادرة من الخارج الذي اختطف ثورة الشباب 2011 وحولها إلى ورقة بيده من اجل إعادة تشكيل البلد بذات القوى الفاسدة التي خرج الشعب أصلا وبداية ثائراً عليها وعلى سياساتها وممارساتها المستبدة والفاسدة.
في اليمن ثورة 21 سبتمبر هي الثورة الوحيدة التي تمكنت من القضاء بشكل كبير على مشروع الفوضى والذبح والتدمير الذي ترعاه أمريكا تحت مسمى داعش والنصرة وغيرها وبينما نرى تلك الجماعات تحتل المزيد من المدن والبلدات في العراق وسوريا ولكنها في اليمن تخسر مناطقها التاريخية والاستراتيجية واحدة تلو الأخرى الأمر الذي تسبب في انزعاج وإرباك إقليمي ودولي واضحين يمكن قراءتهما من خلال أداء بعض وسائل الإعلام العربية – الجزيرة والعربية- القريبة من مشروع الفوضى والتقسيم الأمريكي.
وبعد ساعات من سقوط مناطق مهمة في البيضاء – كانت تعد أبرز واقوى معاقل القاعدة في وسط اليمن- أصدر مجلس الأمن الدولي قرار ما يسمى بالعقوبات على قيادات من أنصار الله هذه القيادات لها دور في الفعل الميداني ضد القاعدة..
الثورة اليمنية وصراع المحاور
اليمن ليست مضيق فقط.. اليمن شعب عريق إذا استعاد إرادته سيمثل كتلة بشرية وثروة طبيعية ومساحة جغرافية كبيرة ومهمة تضيف الشيء الكثير إلى قضايا الأمة ونضالات شعوبها..
غير أن هناك من يقرا الحدث اليمني من زاوية صراع المحاور في المنطقة فتحدث البعض عن صنعاء مقابل بغداد أو دمشق وعمران مقابل الموصل وهذه قراءة تفتقد للدقة والمصداقية فالحدث اليمني يمثل إرادة شعبية ثورية مستقلة ولا يعني أن الشعب اليمني وثورته الشعبية تؤكد انحيازها المطلق لقضايا الأمة الحيوية وعلى راسها فلسطين ودعم حركات المقاومة لا يعني ذلك أن هذه الثورة والإرادة مرتهنة لأحد على الإطلاق.
والحديث عن أجندة إيرانية من قبل البعض أو حضور إيراني في اليمن عبر أنصار الله هي الشائعات والاتهامات التي تصدر من ذات الأطراف الخارجية والداخلية المتضررة من ثورة الشعب اليمني في سياق محاولاتها تشويه الثورة وإفقادها أبعادها الوطنية الحقيقية.
بعد انتصار الثورة لعبت بعض الأطراف المتضررة من سقوط أركان الفساد الحاكمة في صنعاء على محورين بغية مواجهة الثورة وخلق المزيد من التحديات أمامها:
الأول: تخويف السعودية وهي الخائفة أصلا من تحرر إرادة الشعب اليمني..
الثاني: الحديث عن باب المندب وتخويف الخارج من تبعات السكوت على سقوط الفاسدين في صنعاء باعتباره تهديدا لطرق الملاحة البحرية في البحر الأحمر لاسيما باب المندب والحديث أن أنصار الله يريدون إغلاق هذه المضيق والسيطرة عليه ليس أكثر من رسالة تستهدف جر مصر إلى التورط في الساحة اليمنية بمساندة أنظمة النفط الخليجية (أي تحريض العالم العربي على الثورة اليمنية من البوابة المصرية عبر تخويفها من إغلاق باب المندب).
الهدف الحقيقي الذي لا تخفيه ثورة 21 سبتمبر وأنصار الله فيما يخص الموانئ البحرية والسواحل الممتدة لليمن فالمطلوب ألا تظل هذه المناطق والممرات ساحة مفتوحة للأمريكان يتآمرون من خلالها على اليمن أولاً وقضايا الأمة العربية والإسلامية ثانياً..
أنصار الله والثورة الشعبية حريصون على إقامة علاقات احترام متبادل مع كافة الأشقاء والأصدقاء في أنحاء العالم عدا أمريكا والصهيونية لأنهم يحملون مشاريع القضاء على امتنا بشكل ليس خافيا ولا يحتاج إلى دليل.
السبيل إلى استعادة سيادة اليمن على ممراته وشواطئه..
أنصار الله وثورة 21 سبتمبر يريدون إعادة الاعتبار للشعب اليمني وإقامة نظام سياسي يعبر عن الشعب وليس عن مصالح الخارج وبحدوث التغيير السياسي الإيجابي في صنعاء وإقامة دولة عادلة وحرة سيتمكن اليمنيون من استعادة سيادة بلدهم والحد من التدخلات الخارجية واستغلال منافذ اليمن البحرية والجوية والبرية بطريقة غير مشروعة.
«ورقة قدمت في ندوة معهد الدراسات الدولية بيروت»