السلام المتوحش .. الإمارات نموذجاً
سمير حُميد
لم يكن ينقص دويلة الإمارات سوى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي لتكشف عن نفسها كدولة باعت نفسها لألدّ أعداء الأمة وأصبحت إحدى الأدوات الصهيونية في المنطقة، فممارساتها الإجرامية منذ ست سنوات بحق عدد من شعوب المنطقة كاليمن وليبيا وسوريا ودول أخرى كانت بالوكالة عن إسرائيل وبتخطيط وإشراف من جهاز الموساد الصهيوني، فأبوظبي لم تقبل كصديق لتل أبيب دون أن تنفذ الأجندة الإسرائيلية في المنطقة ، فإسرائيل ومن ورائها أمريكا تعلمان أن الشعوب العربية محصنة من أي تدخل إسرائيلي مباشر في شؤون الدول العربية ، وأي تحرك إسرائيلي في عدد من الدول العربية سيعزز محور المقاومة ضد التحركات الإسرائيلية والأمريكية ، فعمد العدو الصهيوني على توظيف الإمارات كشرطي في المنطقة ينفذ ما عجزت تل أبيب إلى تنفيذه ، ومع ذلك لم تثق إسرائيل وأمريكا بأولاد زايد رغم ولائهم لها منذ سنوات ، فكل المؤشرات تفيد بأن حكام الإمارات خضعوا لاختبار إثبات ولاء طيلة السنوات الماضية انتهى برضى إسرائيل عنهم ، ولعل ظهور عدد من الشباب الإماراتي وهم يتحدثون اللغة العبرية بطلاقة دليل على أن التطبيع الاماراتي مع إسرائيل لم يكن من أجل السلام في المنطقة ، فالشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية العادلة براء من سلام أولاد زايد الذين اعلنوا الولاء والطاعة قبل شهر من اليوم لولي أمرهم رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومن يتتبع أصدقاء الإمارات من الفلسطينيين سيجد عملاء إسرائيل وأعضاء الموساد السريين كمحمد دحلان مثلاً أبرز رجالات أبوظبي..
اليوم تتحدث الصحافة العبرية عن الإمارات كقناة عربية لتحقيق أجندتها في الساحل الشرقي لليمن وفي جزيرة سقطرى ، وتعتبرها قارب نجاة فك العزلة العربية التي فرضت على إسرائيل ومنحتها آمالاً كبيرة لتحقيق أهدافها الاستعمارية في الوطن العربي ككل ، ولم تتحدث عنها كصديق لإسرائيل بل العكس من ذلك تتعاطى تل أبيب مع أبوظبي كعبد مأمور ينفذ ما يؤمر به ، وهو أمر طبيعي فأولاد زايد باعوا أنفسهم لإسرائيل دون ثمن وهرولوا تجاه التطبيع المجاني أملاً في حماية نظامهم الدكتاتوري من السقوط ، وما ذكره المدعو محمد بن زايد عشية الإعلان عن التطبيع الإماراتي مع إسرائيل في الـ 13 من الشهر الماضي من مزاعم بشأن الاتفاق الإماراتي مع إسرائيل عن وقف خطة إسرائيل لضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة مجرد هراء..
اذاً ما ثمن خيانات حكام الإمارات للقضية الفلسطينية؟ فما روج له الإعلام الإماراتي عن اتفاق سلام انكشف وكذّبه رئيس حكومة الكيان الصهيوني في حينه، نافيا وقف خطة الاستيطان في الضفة الغربية، ورغم الانطباع الإماراتي تتفاخر أبو ظبي بعمالتها لإسرائيل وتحاول إقناع شعب الإمارات بأن الخنوع والركود لتل أبيب سلام وليس خيانة لقضية العرب الأولى وقضية أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول الأعظم عليه أفضل السلام وعلى آله.
فلم يكن السلام على مرّ التاريخ بوابة للاستسلام والخيانة والخنوع والركود لغير الله وبيع قضايا الأمة المركزية ومعاداة الدول والشعوب من أجل التقارب مع أعدائها وأعداء مقدساتها، فعن أيّ سلام تتحدث الإمارات وقد تحولت إلى أداة إسرائيلية تنفذ المؤامرات والدسائس وتضربُ السلام في محيطها العربي لتنال رضى إسرائيل وأمريكا ، فسلام الإمارات في اليمن تمثل بإنشاء عشرات السجون السرية وارتكاب أبشع أشكال التعذيب بحق المئات من المعتقلين من أبناء المحافظات الجنوبية, وعلى مدى خمس سنوات من الاحتلال الإماراتي في الجنوب وقفت وراء اغتيال عشرات الخطباء وأئمة المساجد وإدارة عدد من المدن الجنوبية بالعنف والإرهاب فقتلت النفس البريئة ومارست الاختطاف والإخفاء القسري ، ونهب الثروات ودمرت البنية التحتية الحيوية للمصالح الاقتصادية وعطلت ميناء عدن وحولت ثاني أكبر ميناء لتصدير النفط المسال في المنطقة إلى معتقل سري وقاعدة عسكرية إماراتية أمريكية إسرائيلية ، إضافة إلى قيامها بضرب الوحدة الاجتماعية في المحافظات الجنوبية وملشنة المدن وتصدير الآلاف من شباب الجنوب إلى محارق الموت في عدد من الجبهات..
الحديث عن سلام الإمارات المتوحش التي تغنت به عقب توقيعها اتفاقية الخيانة والخنوع والعمالة لإسرائيل في البيت الأبيض الاثنين الماضي ، يتعدى حدود اليمن إلى ليبيا والصومال وسوريا ودول أخرى ، فوجه الإمارات القبيح يتواجد في كل قطر عربي ، ومؤامرات أولاد زايد الذين قدموا ويقدمون خدماتهم لإسرائيل على حساب أمن واستقرار الشعوب العربية والإسلامية لا حصر لها ، فمن تقدّم نفسها كدولة سلام في المنطقة تخدع نفسها اليوم ، فملفات جرائمها في محكمة الجنايات الدولية بالمئات كدولة مرتكب جرائم حرب ، ومؤامراتها ضد الشعوب كشفت ، فلجأت إلى حضن تل أبيب لتحميها من ارتداد الجرائم التي ارتكبتها طيلة السنوات الماضية ، ولذلك لم يكن مفاجئاً ولا مستغرباً أن تستجدي أبوظبي التطبيع مع إسرائيل ، ولن يكون لذلك التطبيع والخنوع أثر على قضية عادلة بحجم قضية شعب فلسطين ، فالإمارات دويلة في المنطقة ولا ثقل سياسي لها ولا عسكري ، وما قامت به كان مجرد إثبات ولاء لإسرائيل لا أكثر.