لم يكن ظهور الناشطة السعودية سعاد الشمري على قناة “كان” الإسرائيلية قبل أيام، ودعوتها إلى التعاون الاقتصادي والثقافي والتجاري مع الاحتلال، مجرّد إطلالة فردية مرتبطة بحرية التعبير، كما حاول المدافعون عنها الترويج. فالشمري أطلّت من السعودية، وهو البلد الذي يقمع أي إعلامي يظهر على أي قناة حول العالم من دون رضا السلطات.
لذلك لا يمكن وضع هذه المقابلة التي أثارت جدلاً لا ينتهي إلا في خانة مشروع رسمي يحاول الدفع بالإعلاميين السعوديين المؤثرين على مواقع التواصل نحو ترسيخ التطبيع مع الاحتلال.
نبدأ من السنوات الثلاث الأخيرة التي دأبت فيها السلطات السعودية على “تأديب” كل مواطن (إعلامياً كان، أم شخصية عامّة) يطلّ عبر قنوات تعتبرها “معادية”، مثل قناة “الجزيرة” على سبيل المثال.
كما أنها لاحقت مغرّدين ومؤثرين قدّموا على حساباتهم على مواقع التواصل رؤية سياسية محلية أو إقليمية أو دولية لا تتفق مع رؤية النظام السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان.
لكن مقابل هذا القمع في مواجهة هؤلاء، شهدت السنتان الأخيرتان طفرة في ظهور إعلاميين ومؤثرين سعوديين على القنوات والإذاعات الإسرائيلية. في الوقت نفسه، فتحت وسائل إعلامية يملكها الديوان الملكي السعودي، مثل “روتانا” ومجموعة “أم بي سي” هواءها وصفحاتها لنشر وبثّ آراء سعودية تشجّع على التطبيع مع دولة الاحتلال.
وينقسم مشهد التطبيع في الوسط الإعلامي السعودي إلى ثلاث دوائر: الدائرة الأولى هي تطبيع الإعلاميين المقربين من النظام السعودي الذين يعملون في كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية الممولة بشكل مباشر من النظام وأبرزهم تركي الحمد، ومدير تحرير “الشرق الأوسط” السابق عبد الرحمن الراشد، وأحمد العرفج. ويتمتّع هؤلاء الثلاثة بعدد متابعين مهول على “تويتر”.
بينما تضمّ الدائرة الثانية طبقة من الإعلاميين متوسطي الشهرة الذين يسمح لهم النظام بزيارة فلسطين المحتلة والظهور في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومهاجمة الفلسطينيين والدعوة إلى التطبيع العلني.
أما الدائرة الثالثة فتنحصر في مجموعة من الإعلاميين العرب الذين تخصصوا في الدفاع عن الرياض عبر القنوات السعودية مثل الصحافي الفلسطيني ــ الأردني يوسف العلاونة واللبناني جيري ماهر.
ويُعدّ تركي الحمد أحد أشهر وأبرز الإعلاميين السعوديين والكتاب والروائيين المؤيدين للتطبيع، وهو واحد من الصحافيين المقّربين من محمد بن سلمان. وحوّل الحمد الذي كان يحظى بشعبية في صفوف التيار الليبرالي في السعودية حسابه على موقع “تويتر” إلى منصة لتأييد التقارب مع الاحتلال وشتم القضية الفلسطينية والفلسطينيين. ووصف الحمد مرات عدة القضية الفلسطينية بـ”مومس يطرق بابها كل محتال” حسب تعبيره.
ولم يقتصر تأييد التطبيع على منصات التواصل الاجتماعي التي أغرقها الإعلاميون الذين يتمتعون بملايين المتابعين والمقربون من النظام السعودي بمساندة إسرائيلية وشتم القضية الفلسطينية والفلسطينيين، بل امتد إلى القنوات التلفزيونية السعودية التي باتت مملوكة للديوان الملكي السعودي بعد حملة الـ”ريتز كارلتون” التي استهدفت مالكي هذه القنوات ونزعت ملكيتها منهم بعد اعتقالهم بتهم الفساد.
حيث خرج أحمد العرفج، وهو أحد الإعلاميين الذين تسمح لهم السلطات السعودية بالظهور على قنواتها، ليؤكد في برنامجه التلفزيوني “يا هلا بالعرفج” الذي يبث على قناة “روتانا” تأييده للتطبيع مع إسرائيل وتأكيده على أنها “قوة لا بد من التعاون معها”.
وبات الإعلاميون السعوديون ضيوفاً شبه دائمين على وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تنقل اتصالاتهم المرئية والصوتية من قلب العاصمة الرياض. نذكر على سبيل المثال الإعلامية سكينة المشيخيص التي تقدم برنامج “حديث الخليج” على قناة “الحرة”. إذ تروّج للتطبيع بشكل متكرّر من خلال اتصالاتها بإذاعة “مكان” الإسرائيلية. كذلك يظهر الإعلامي دحام الجفران بشكل دائم على القنوات الإسرائيلية التي تبث باللغة العربية وتناقش الشؤون الإقليمية.
وتخصص إعلاميون مؤثرون في نوع آخر من تأييد إسرائيل والدعوة للتطبيع، خالعين بذلك رداء “تغليب المصلحة العربية” التي يتذرع بها المطبعون. إذ يلجأ هؤلاء إلى نشر سلسلة شتائم ضد الشعب الفلسطيني من خلال القنوات السعودية وأبرزها قناة “سعودي 24” المملوكة للاستخبارات المحلية. فيقوم مثلاً الإعلامي فهد الشمري بالظهور بشكل دوري في مقاطع فيديو مصورة، ويشتم الفلسطينيين والقضية الفلسطينية واصفاً إياهم بـ”الشراذم التي يجب تطهيرها”، من دون أن تقوم السلطات السعودية بأي إجراء ضده أو منعه من الظهور في وسائل إعلامها.
كذلك يقوم الإعلامي الفلسطيني ــ الأردني يوسف العلاونة الذي يُقدم برامج عدة على قناة “سعودي 24” بالتأكيد مراراً على ما يسميها “وحدة الشعبين العربي والإسرائيلي”. وهو صاحب العبارة التي أثارت ضجة على مواقع التواصل: “أنا يوسف علاونة مؤمن بالتنازل عن القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل… سنشرب القهوة مع إسرائيل”.
ورغم المنع الرسمي لزيارة “إسرائيل”، زار الإعلامي والمدون السعودي “محمد سعود” فلسطين المحتلة على رأس وفد إعلامي عربي بدعوة من وزارة خارجية الاحتلال، والتقط صوراً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما جال في القدس المحتلة تحت حماية الشرطة الإسرائيلية قبل أن يُطرد من المسجد الأقصى بعد احتجاجات فلسطينية.
ولم تتخذ السلطات السعودية التي تعتقل المغردين بناء على الكلمة والحرف أي إجراء ضدّه بعد عودته إلى الرياض، بل على العكس سمحت له بتحويل منزله إلى استوديو مرئي يخدم القنوات الإسرائيلية بين فترة وأخرى. كما سمحت له باستقبال ضيوف إسرائيليين يحملون جوازات أخرى قاموا بالتجول في الرياض وأخذ الصور التذكارية.