3 آلاف أسرة مستفيدة من معرض ملبوسات صُنِعَتْ في اليمن
“كسوة العيد لأحفاد بلال”.. مشروع الزكاة بين منتج ومستفيد
شيخ المحوى: على الحكومة الإسراع في تنفيذ مبادرة السيد القائد الساعية إلى دمج هذه الشريحة في المجتمع
مدير المشروع: حصرنا أحفاد بلال كما حصرنا المجتمع اليمني واستهدفناهم في مشاريع متعددة
لطالما كان أصحاب البشرة السمراء منبوذين من المجتمع، يعيشون بين أناس لا يرونهم إلا كآلات للخدمة فقط، يجوعون ويمرضون ويموتون أيضا ولا يكترث لحالهم أحد؛ لكن ثمة ما يبعث على تفاؤلهم، كمبادرة تنفذها الزكاة على شكل كساء أو مساعدة أو الدفع عن غارم، وخلف كل ذلك حكايات فقر ومعاناة يشيب منها الصغار..
الثورة / عبدالقادر عثمان
من منطقة الصافية شرق مدينة صنعاء ترجّل حامد المطيري- وهو من أبناء محافظة الحديدة- مع أسرته إلى وسط المدينة، حيث يستطيع اقتناء ملابس العيد لأطفاله من معرض أقامته الهيئة العامة للزكاة مجاناً، بعد أن أعطي كوبوناً بقيمة 20 ألف ريال يمني.
قطعت أسرة حامد المسافة مشياً؛ لعجز ربها عن دفع قيمة المواصلات، على الرغم من اقتراب العيد الذي يرى أن أسرته بحاجة لقليل من الفرحة مع بقية الناس الذين لديهم المال.
حامد أب لثلاثة أطفال، ويعمل في صندوق النظافة بأمانة العاصمة، راتبه لا يكفي لسد حاجة أسرته من القوت الضروري، يقول لـ “الثورة” إنه يتقاضى 35 ألف ريال يعطي نصفها إيجار غرفة للنوم والطباخة وقضاء الحاجة، ويضيف: “كنت قد أقنعت أطفالي بعدم قدرتي على شراء ملابس العيد لهم، وعليهم استخدام ملابسهم البالية، لكن عاقل الحارة جاء إليّ قبل العيد بأربعة أيام وأعطاني كرتاً من هيئة الزكاة فيه قيمة ملابس لهم”.
ويردف أيضاً “لم أصدق في البداية لكنني جئت لأتأكد، والحمد لله وجدت كل شيء في المعرض، واكتسيت لطفلتي وأخويها، وشعرت بسعادتهم”.
من الحراج
في معرض “كسوة العيد لأحفاد بلال” الذي أقامته الهيئة العامة للزكاة في صنعاء الأسبوع الماضي ثمة حكايات تبعث على الحزن والفرح في آن؛ أطفال في عمر الزهور وجدوا أنفسهم بين مجتمع كان يطلق عليهم فئة “المهمشين”، وهي تسمية تفرض عليهم العيش في الهامش المنسي، قبل أن يسمهم قائد الثورة السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي “أحفاد بلال”، إعلاء لشأنهم بنسبهم إلى الصحابي بلال بن رباح.. الجانب الآخر أن هؤلاء الأطفال الذين اعتادت أسرهم اقتناء ملابسهم من الحراج (سوق السلع المستخدمة)؛ لرخص ثمنها ظلوا يرقصون في صالة المعرض وهم يمرون على مختلف الأقمشة ينتقون ما يتناسب ومقاساتهم، لكأن الفرح يكاد ينطق من أعينهم وابتساماتهم العريضة.
من بين هؤلاء الأطفال، كانت سارة (ثمان سنوات) تذرع المكان بخطوات مسرعة، بينما تتبعها أمها محاولة اللحاق بها.. تبدو سارة بفستانها المهترئ المصبوغ بلون التفاح، وهي تتنقل بين أقسام المعرض، كمن يحاول الاحتفاظ بمقتنياته إلى الأبد.
تقول أمها ريحان حزام – وهي من محافظة إب – إن زوجها عاطل عن العمل منذ فترة وإنهم لا يجدون في بيتهم ما يسدون به جوعهم، وتضيف لـ “الثورة”: “هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها اصطفاف الملابس وكثافتها بهذا الشكل، والمرة الأولى التي أدخل فيها محلا بهذا الحجم.. نحن فقراء وملابسنا دائما من الحراج ولا قدرة لنا على دخول المعارض الكبيرة أو حتى المحلات الصغيرة”، لافتة إلى أن المجتمع وصل إلى مرحلة “لا يسأل فيها عن أصحاب البشرة السمراء؛ لأنهم لا يعنون له شيئاً، ولا يلتفت لهم أحد لا في رمضان ولا في العيد، ويقتصر احتياجه لهم حين تتكدس النفايات فقط ولكنه احتياج مؤقت”، على حد قولها.
على باب الله
حسن تركي (35 سنة) من أبناء عدن، هو الآخر كان من بين مئات الآباء الذين طافوا بأولادهم بين جنبات المعرض لانتقاء الملابس.. يعيل تركي خمسة من الأطفال، ويعمل بشكل يومي لإطعامهم. يلخص حسن مصدر دخله بقوله “أشتغل على باب الله”، في إشارة منه إلى عدم وجود مصدر دخل ثابت له.
اقتنى حسن فستانين لابنتيه، بينما كان بقية أطفاله مع أمهم ينتقون ما يناسبهم، يقول حسن لـ “الثورة”: “أشعر براحة لا أستطيع وصفها، والحمد لله الذي كسى أطفالي من فضله”، ويضيف: “لم أكن أتصور أن هذا سيحدث، قبل أسبوع سجلت هيئة الزكاة اسمي وعدد أطفالي وقالوا إنهم سيكسونهم لكنني ظننت ذلك لعباً بمشاعرنا فقط، لكنه الآن أصبح حقيقة وسنعيِّد مع الناس بملابس جديدة”.
ويردف قائلاً ” هيئة الزكاة لم تقصر، وهي المرة الأولى التي تهتم بنا فيها الدولة، وغالبا كنا نشعر أننا كائنات غريبة”، مشيراً إلى أن هذه المبادرة تجعل من فرضت عليهم الزكاة يبذلونها بسخاء لأنهم يرون ثمرتها فيمن حولهم من الفقراء والمحتاجين.
بينما يقول المطيري”أفرحتنا الزكاة في هذا العيد، جزاهم الله خيراً.. حالتنا بائسة وصعبة جدا وجميع الفقراء والمحتاجين الذين هم مثل حالنا بحاجة إلى الفرحة أيضا، وأتمنى أن يدفع المكلفون زكاة أموالهم ليفرح المساكين لأن هذا حقهم من الله في القرآن الكريم”.
دمج مجتمعي
من جانبه يقدم الشيخ سعد عبدالله جمال – وهو شيخ أحد محاوي أحفاد بلال السكنية في الأمانة – شكره للسيد القائد مردفاً “نقدر هذه اللفتة الكريمة من قبل قيادة الثورة لأحفاد بلال، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على سعة الصدر ورحمة القلب تجاه هذه الفئة المستضعفة على مدى العصور”، ويضيف في حديثه لـ”الثورة”: “نشكر الهيئة العامة للزكاة على قيامهم بهذا المشروع لكسوة العيد لهذه الشريحة وللشرائح المستضعفة الأخرى”.
ويصف الشيخ جمال حال أحفاد بلال قائلاً “وضعهم المعيشي ليس صفراً فقط، بل تحت الصفر بكثير، وهم فئة مستضعفة على مدى التاريخ، والجميع يعرف ذلك”، مشيراً إلى أن الواحد منهم يعمل لتوفير قوت يوم واحد فقط بينما ينام وهو لا يجد ما يطعم به أسرته في اليوم التالي، ويقول أيضاً “إن لم يذهب غالبيتهم للتسول أو لجمع علب الماء الفارغة لبيعها فلا يوجد معهم شيء وسيموتون جوعاً”، ويرى أن على الحكومة الإسراع في تنفيذ مبادرة السيد القائد الساعية إلى دمج هذه الشريحة في المجتمع؛ليستطيعوا التعايش والعمل وليحدوا من بطالتهم وفقرهم”.
12 ألف طفل
عند الكاشير (المحاسب) وقفت أم هارون (خمسينية)، مع طفليها لتسليم كوبون الحساب الذي منحته الهيئة العامة للزكاة لها قبل يوم من افتتاح المعرض، كان طفلها محمد يحتضن ملابسه بشغف، بينما لا يقف لسانها عن الدعاء لجميع من أقاموا المبادرة.. تقول وعيناها تذرفان الدموع “فرجتم ضيقنا وأفرحتم قلوبنا.. لم أر في حياتي مثل هذا، اعتدنا على العيش بمعزل عن الناس في خوف وقلق، لكن اليوم فرحتنا كبيرة وفرحة الأطفال أكبر”.
يقول المحاسب إن المستفيد بعد أن ينتقي ملابس بقيمة 20 ألف ريال يمني يأتي إلى الكاشير ليسجل اسمه وأرقام الملابس وليأخذ منه الكوبون حتى لا يحدث أي لبس أو نقص في إجمالي الملبوسات المتواجدة لأنها محددة بعدد الأطفال البالغ عددهم 12 ألف طفل من كافة مديريات أمانة العاصمة، فيما يلفت مدير عام التوزيع والصرف في الهيئة العامة للزكاة ومدير المشروع محمود الشرفي إلى أن الأسر المستفيدة من المعرض بلغت ثلاثة آلاف أسرة، بمتوسط أربعة أطفال لكل أسرة، وبتكلفة 75 مليون ريال.
ويضيف الشرفي قائلاً “هذا أحد المشاريع التي تنفذها الهيئة العامة للزكاة لأحفاد بلال ولكنه ليس الأول ولن يكون الأخير، لأننا لا نسعى إلى التمييز العنصري كما تروج له أبواق العدو، ولكن تشريفاً وتكريماً لهذه الشريحة استهدفناهم بهذا المشروع وإلا فإننا قد حصرنا أحفاد بلال كما حصرنا المجتمع اليمني واستهدفناهم في مشاريع متعددة”.
مشاريع سابقة
من بين المشاريع السابقة التي استفاد منها أحفاد بلال “مشروع الـ 500ألف أسرة، ومشروع الفطرة، ومشروع الغارمين، وغيرها من المشاريع”، بحسب تصريح الشرفي الذي يضيف لـ “الثورة”: “اشترت الهيئة هذه الملابس من الأسر المنتجة وهي أسر فقيرة ومحتاجة تحاول توفير مصدر دخل من الصناعات المنزلية، ولكن ليس جميعها فهناك ملابس اشترتها الهيئة من السوق ولكننا حرصنا على أن تكون محلية الصنع، ولذا فنحن نسعى إلى دعم الأسر المنتجة وكذا دعم الأسر المستهلكة، ونحن متجهون إلى تدريبها وتأهيلها وإعطائها المواد الخام والآلات والمعدات ومن ثم نشتري منها هذه المنتجات ونسوِّقها مجاناً للفقراء والمساكين”.
ويؤكد الشرفي أن عملية حصر المستفيدين جرت وفق آلية محددة واستمرت نصف شهر، عن طريق إدارة الحصر في الهيئة العامة للزكاة، ومن خلال الاستعانة بعقال الحارات ومشائخ المحاوي، من أجل تسجيل البيانات والرفع بها إلى النظام، وإخراجها على شكل كشوفات موزعة عليها كروت المستفيدين.
وكانت الهيئة العامة للزكاة قد أقامت في عيد الفطر الماضي معرضا لكسوة العيد خاصاً بالأيتام استفاد منه نحو 45 ألف يتيم في صنعاء.