اتّفق المؤرّخون على أنّ أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ الصغر امتاز بالإيمان والفطنة وثقة النفس والتفتح الواعي، ولذا فهو أول من أسلم في الإسلام فيقول” كنت أول الناس إسلاماً بعثَ النبي الأكرم يوم الاثنين وصليت معه يوم الثلاثاء، وبقيت معه أصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الإسلام، وأيد الله تعالى دينه من بعد”..
وعندما جمع النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) عشيرته ليدعوهم إلى الإسلام الحنيف لم يبايعه سوى الإمام علي على صغر سنه، وحينما آخى النبي الأكرم بين المهاجرين والأنصار على الحقّ والمواساة بعد هجرته إلى المدينة المنوّرة كان الإمام علي أخاه في تلك المؤاخاة مؤكداً ذلك بقوله(صلى الله عليه وآله) “يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة”، ويبدو من ذلك أن الإمام علي وريث النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، وقد أعلن النبي الأكرم ذلك قائلاً ” لكل نبي وصي ووارث وإن علياً وصيي ووارثي”..
ويتضح أن النبي الأعظم كان يعمل بالخطوات العلمية والعملية والتفكير للإعداد للمستقبل الإسلامي بخطوات من أجل تهيئة الإمام للقيادة الاجتماعية والسياسية، خاصة أن ملامح شخصية الإمام علي (عليه السلام) تتمثل في أنه شخصية ربانية أخلاقية أولاً وعلمية فكرية ثانياً، ثم قيادية سياسية ثالثًا، وعلى هذا الأساس تعددت أوجه شخصية أمير المؤمنين، فهو تارة مفكر وقاض وزاهد وواعظ ومبتكر وعامل ومجاهد، ولعل من أسرار تهيئة الإمام للقيادة أن النبي الأكرم زوَّجه من السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي أنجبت له الإمامين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة..
عاش الإمام علي مع النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) اثنتي عشرة سنة قبل النبوة وثلاث عشرة سنة بعد النبوة في مكة وهاجر إلى مدينة المنورة وبقي فيها عشر سنين، ثم عاش ثلاثين سنة بعد وفاة النبي الأكرم ، وهي سيرة طويلة كان دائماً فيها ملاصقاً للنبي (صلى الله عليه وآله) منذ الطفولة التي يصفها بقوله (عليه السلام)”وضعني في حجره وأنا ولد صغير يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرقه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل إثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنة بحراً فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة واشم ريح النبوة”..
شارك الإمام علي (عليه السلام) في كل المعارك والغزوات مع النبي الأعظم، سوى غزوة تبوك فقد استخلفه النبي الأكرم على المدينة قائلاً له” يا علي إنما خلفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هــارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي”، وقد أعطاه (صلى الله عليه وآله) الرآية يوم خيبر وبها فتح الحصن الشهير، وقاتل في بدر واحد والخندق وكان لواء النبي الأعظم بيده في مواقع كثيرة..
ومن شجاعته وجهاده أنه ما ضرب ضربة قط فاحتاج إلى ثانية، وكانت العرب تفتخر بوقوفها في مقابلته في الحرب، ويذكر أمير المؤمنين تلك الشجاعة بقوله:” أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب وكسرت نواجم قرون ربيعة
ومضر”، وقد ترجم (عليه السلام) تلك الشجاعة قائلاً ” والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها”، ولذلك لم يكن الموت ليخيفه وهو القائل :” فو الله ما أبالي أدخلت إلى الموت أو خرج الموت إلي”..
وعليه كان من الطبيعي أن يدخل أمير المؤمنين كل تلك الحروب، فلقد كانت الدولة الإسلامية دولة الفتية تحتاج إلى السيف، وكان ذلك السيف قد استمر حتى بعد وفاة النبي الأكرم، لذا قاتل أمير المؤمنين الناكثين “أصحاب الجمل” والمارقين “الخوارج” والقاسطين “أهل الشام” ولم يكن أمير المؤمنين ليترك الصلاة حتى في أشد حالات الحرب قسوة كما في ليلة الهرير في صفين، رافضاً فكرة أن الوقت غير مناسب ليقول إنما نقاتلهم على الصلاة..
أما زهده (عليه السلام) فكان مأكله الأساسي خبز الشعير ويعمل بيده ويرقع ملابسه ويخصف نعله ويجالس الأيتام والفقراء المسلمين، وهذا الزهد يقابله قدرته على امتلاك الأموال الكثيرة والرخاء، ومع ذلك فهو يقول (عليه السلام)” لو شئت لاهتديت إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً وحولي بطوناً غرثى وأكبادا حرى”..
ويمكن القول إن زهد أمير المؤمنين لم يكن زهد المتخوف الهارب من الدنيا، بل الزاهد من أجل رضا الله تعالى، فلم تكن له مطامع دنيوية فهو يقول” والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا وأجر في الأغلال مصفدا ، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام”..
وكذلك من زهده (عليه السلام) أنه ما ترك عند استشهاده إلا دراهم معدودات ولم يبن القصور ولا ملك الأراضي، ولقد خرج لبيع سيفه لحاجته إلى إزار قائلاً” إن هذا السيف لطالما كشف الكرب عن رسول الله، ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته”، وجمع (عليه السلام) الكرم والصبر والزهد عندما نذر صوماً مع الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليهما السلام)، لشفاء الحسنين وقد استقرض دقيقاً من يهودي ثم لثلاث أيام متوالية في وقت الإفطار يسألهم مسكين ويتيم وأسير فيهبوه إفطارهم وفيهم نزلت الآية(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرً)، بالإضافة إلى ذلك يصف ضرار بن ضمرة زهد أمير المؤمنين عندما سأله معاوية ابن أبي سفيان ذلك بقوله ” أشهد لقد رأيته وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا يا دنيا إليك عني أبي تعرضت أم إلي تشوقت، لا حان حينك هيهات، غري غيري لا حاجة لي فيك، طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيها فعيشك قصير وخطرك يسير واملك حقير، آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد”..
وقد استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة40 هـ يوم الأحد في الحادي والعشرين من رمضان عندما كان يصلي صلاة الصبح، وقد قتله الخارجي عبد الرحمن بن ملجم بضربة من سيف مسموم على رأسه أثناء الصلاة، فيكون (عليه السلام) قد ولد واستشهد في بيت الله..
عليك السلام يا أبا الحسن، كنت أول القوم إسلاماً وأخلصهم إيماناً ، وأشدهم يقيناً ، وأخوفهم لله ، وأعظمهم عناء وأحوطهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب ، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأشرفهم منزلة، فجزاك الله عن الإسلام ، وعن رسوله وعن المسلمين خيرا.
يوم الولاية.. عنوان العزة والكرامة ومواجهة الطغاة والمستكبرين
شذرات من فكر السيد الشهيد حسين بن بدرالدين الحوثي الحلقة (1 – 2)
“يوم الغدير الأغر” في التراث وفي الذاكرة الشعبية
شهيد “يوم الولاية”الشيخ حسين هضبان.. القدوة والنموذج والمبدأ الذي لا يموت
التطرف الطائفي.. سبب تجاهل أحاديث وشهادات العلماء