الثورة /
رغم إعلان “الجزيرة ” عثورها على 162 صفحة من الوثائق السعودية السرية بشأن الطريقة الكارثية التي تعاملت بها الرياض مع اليمن منذ انطلاق الثورة عام 2011م والتي انتهت بالعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الإسرائيلي على الشعب اليمني إلا أن هذه الوثائق لم تكشف أسراراً جديدة غير معروفة عن طبيعة هذه العلاقة القائمة على التدخل المباشر وغير المباشر عبر استخدام الأموال وشراء الذمم والخطاب الطائفي.
الجديد في هذه الوثائق أنها تضع أمام القارئ – الذي اعتاد ألا يكلف نفسه عناء التحقيق والبحث في الدور السعودي المخرب في اليمن – معلومات محددة عن هذا التدخل، عادة ما تكون متناثرة في مقالات وحوارات الخبراء والمراقبين للشأن اليمني.
الملفات التي تناولتها هذه الوثائق والتي يعود أغلبها إلى العام 2015م، هي ملفات مازالت مفتوحة حتى الآن، وتُظهر المدى الذي وصلت إليه السياسة السعودية إزاء اليمن والقائمة على “مبدأ” التدخل، ورفض كل تحرك أو صوت يمكن أن يظهر في اليمن ويدعو إلى استقلالية القرار اليمني وعدم تبعيته للسعودية، وهو ما أدى في الأخير إلى شن العدوان على اليمن بعد أن فقد المال سحره على الغالبية العظمى من الشعب اليمني.
تقسيم اليمن
الهدف الرئيسي الذي تسعى السعودية لتحقيقه في اليمن هو تقسيمه، وهذه هي الحقيقة التي غابت عن البعض، وكشفت الوثائق السعودية عنها وبوضوح تام، حيث أوضحت أن السعودية تعاملت مع قضية انفصال جنوب اليمن كأحد الخيارات الأساسية لحل ما تصفه “بقضية الجنوب”، إلى جانب طرح خيار الفدرالية المحتمل مرحليا.
الوثائق كشفت أن استراتيجية السعودية في اليمن قائمة على تفكيك اليمن عبر دعم كيانات غير حكومية، لضمان بقاء تلك الكيانات القبلية والسياسية كقوة ضغط ونفوذ توازي قوة الحكومة، مع تحريض بعض تلك القوى على مواجهة قوى أخرى، بما يحقق مصالح السعودية على حساب اليمن.
ومن بين الوثائق هناك خطاب مصنَّف بـ”سري للغاية” كتبه ملك السعودية آنذاك عبد الله بن عبد العزيز يوعز فيه بتوفير نحو 13 مليون دولار لدعم وتسليح القبائل اليمنية الموالية للمملكة في المناطق المحاذية للحدود السعودية، والسعي لضمان ولائها.
شراء الذمم
في برقية أخرى من طرف وزير الخارجية السعودي آنذاك سعود الفيصل إلى الملك عبدالله يقر فيه بأن علاقة السعودية مع اليمن ارتكزت على شيوخ القبائل من دون تقييم واقعي لمكانتهم وقدراتهم، وأن حرب صعدة مع أنصار الله أثبتت أن تأثير المشائخ متواضع، وأنهم لم يتمكنوا من حماية أمن وسلامة السعودية، ودعا إلى تغيير تحالفات السعودية داخل اليمن.
كما كشفت الوثائق عن إعاقة السعودية أي جهود لإعادة إعمار مدينة صعدة بعد توقيع المبادرة الخليجية وتوقف الحروب الست، ومنها محاولات إعاقة دعم ألماني وقطري قُدم لإعادة إعمار صعدة كمساهمة لحل صراع الحكومة اليمنية مع أنصار الله حينها، ما أسهم في تفاقم الصراع وتوسعه.
وكشفت إحدى الوثائق عن منح السعودية عبد ربه منصور هادي مليون دولار لدعمه في انتخابات 2012م إثر تنازل علي صالح عن السلطة، كما سعت إلى تجنيد وشراء الصحفيين في اليمن، وكانت على علم بقيام صالح بتسهيل سيطرة تنظيم القاعدة على مناطق جنوبية، ومع ذلك استمرت في توفير غطاء سياسي لصالح عبر المبادرة الخليجية.
ما كشفت عنه هذه الوثائق هو مكشوف منذ البداية، فالنظام السعودي يتعامل مع اليمن على ضوء وصية الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، والتي حذر فيها أبناءه من وجود يمن قوي بجوارهم، وقال مقولته الشهيرة كما نقلتها المصادر التاريخية “عز السعوديين في ذل اليمن، وذلهم في عز اليمن”، ويبدو أن الحفيد ابن سلمان قد بزّ أبناء الملك في امتثاله لهذه الوصية.