بسبب العدوان والحصار والغلاء.. أضاحي اليمنيين بالكيلو
العدوان أكل الأخضر واليابس.. وأسعار اللحوم أصبحت خيالية وتفوق قدرة المواطن
سعر الكيلو الغنمي 5500 ريال في صنعاء ونحو 10 آلاف ريال في المناطق المحتلة
في ظل اشتداد الأوضاع المعيشية في اليمن نتيجة العدوان الغاشم والحصار الجائر، يشكو الكثير من الناس، خاصة الفقراء، وهم غالبية الشعب اليمني، من ارتفاع الأسعار وتجاوزها لقدرتهم الشرائية، ومع حلول عيد الأضحى المبارك، الذي اعتاد المواطنون فيه على شراء الأضاحي، يجد المواطن نفسه غير قادر على شراء أضحية أو حتى نصفها، ما جعل الكثيرين يلجأون إلى شراء اللحوم بالكيلو، ليوم أو يومين على أكثر تقدير.
الثورة / رجاء الخلقي
في شارع بيت معياد، شرق صنعاء، كانت “أم محمد”، وهي أم لستة أطفال، تذرع المكان حاملة سكاكين حادة، تبدو لمن يراها أنها تستعد لاستقبال العيد بأضحية، لكنها تقول إنها “لعائلة أعمل معها منذ سنوات، ليذبحوا أضحيتهم في العيد”، وتضيف لـ “الثورة”: “بالنسبة لي، لا أقدر على شراء هذه الأضاحي لأنني بالكاد أستطيع سد حاجة أولادي من مأكل ومشرب من خلال عملي”، لافتة إلى أن “هذه العائلة تعطينا يوم العيد من أضاحيها، أما أولادي فلا يأكلون اللحم سوى مرة واحدة في السنة”، وفق قولها.
وكانت السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعا خيالياً لأسعار المواشي، حيث تجاوز سعر رأس الضأن 50 ألف ريال على الأقل، وهو رقم قابل للارتفاع كلما اقترب يوم العيد وقد يصل إلى 100 ألف ريال للخروف المتوسط.
بينما بلغ سعر الكيلو من لحوم الأغنام خلال العيد الحالي 5500 ريال في صنعاء، أما في المناطق المحتلة فيصل سعر الكيلو نحو 10 آلاف ريال، بحسب مصادر إعلامية.
أكل الأخضر واليابس
تقول الحجة “أم جلال”، إن “العدوان أكل الأخضر واليابس (وهي مقولة توحي بحجم الكارثة التي خلفها)، وحاصرونا براً وبحراً وجواً ولم يكتفوا، وقتلوا أطفالنا ورجلنا”، وتضيف لـ “الثورة”: “الأسعار تلعب اتجاهاً آخر، وهي جريمة أخرى يشترك فيها التاجر مع العدوان في تضييق الخناق على المواطنين الذين قطعت مرتبات بعضهم وخسر الكثير منهم مصادر دخلهم”.
بالنسبة لأسرة أم جلال، فالعيد لا يختلف عن بقية أيام السنة، إذ تقول: “لا جعّالة (حلويات العيد) ولا ملابس جديدة ولا أضاحي، وليس علينا سوى الصبر حتى النصر على ظروفنا وعلى العدوان، أما الآن فنكتفي بالنظر إلى المواشي وتكحيل أعيننا بجمالها فقط”.
في اليمن “يعيش ثمانية ملايين يمني منذ 2015م، على المساعدات الإنسانية في الوقت الذي يحتاج فيه 14 مليون مواطن إلى مساعدات عاجلة وتهدد المجاعة ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 30 مليوناً”، بحسب تقديرات أممية، بالإضافة إلى انقطاع مرتبات الموظفين منذ نقل البنك المركزي إلى عدن بأمر من دول العدوان أواخر 2016، عدا محاولات المجلس السياسي الأعلى صرف نصف راتب بين حين وآخر.
مبادرات لا تكفي
وسعياً للتخفيف من معاناة المواطنين وتوفير لحوم العيد، نشطت بعض المبادرات المجتمعية والشبابية والرسمية في جمع أموال لهذه المناسبة، إذ قدموا لحوم الأضاحي لبعض الأسر التي ليس بقدرتها شراء الأضحية أو حتى شراء كيلو أو نص الكيلو من اللحوم، واستطاعوا من خلال تعاون عقّال الحارات الوصول إلى بعض من ينتظرون فرحة العيد بأيدٍ فارغة وأنفسٍ تشتهي ما صعب عليها نيله، وإن كان ما يقدمونه شيء يسير ويكاد لا يذكر.
من بين تلك المبادرات، ما قامت به “مؤسسة بنيان الخيرية”، والتي توزع كل عام في عيد الأضحى، نصف كيلو من اللحم لكل أسرة محتاجة أو فقيرة. يقول محمد حسن المورد، وهو أحد موزعي هذه اللحوم، إن تدشين عملية أضحية العيد وتوزيع اللحوم لجميع أنحاء العاصمة يساهم في التخفيف من عناء الفقراء والمحتاجين الذين لا يستطيعون شراءها”، ويضيف لـ “الثورة”: “عملية التوزيع تقوم على نظام متكامل منذ بداية ذبح الأضحية حتى يتم توزيعها وتوصيل اللحوم لكل نقطة في العاصمة ليتم توزيعها للأسر يوم العيد”.
تراكمات وتضخم
وترى الناشطة اليمنية أمة الملك الخاشب، أن الفقراء في اليمن يعانون من العوز والحاجة سواء في العيد أو قبل العيد، نتيجة فساد النظام السابق، حيث كانت نسبة التضخم كل عام تزيد عن العام السابق، وتكبر إذ يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً، وتضيف في حيثها لـ “الثورة”: “العدوان على اليمن والحصار جاء ليزيد الفقراء، معاناة ويزيد عدد النازحين والمشردين والأسر أشد فقراً واحتياجاً، حيث فقد ملايين الموظفين مصادر دخلهم، وبسبب ظروف انقطاع الرواتب ولمدة أربع سنوات لم يعد المواطن اليمني يستطيع توفير لقمة العيش الضرورية لأفراد أسرته، فكيف نتحدث عن الأضاحي عند من لا يجدون قوت يومهم؟!”.
وتشير الخاشب إلى أن “أسعار اللحوم أصبح خيالياً ويفوق قدرة المواطن، وبات لا يستطيع الوصول للحوم والأضحية سوى الميسورين، لأن المقطوع راتبه يعاني الأمرين بين حصار وعدوان وحرب اقتصادية”.
وفي تصريح سابق قالت جمعية حماية المستهلك في تصريح سابق لها: إن ارتفاع أسعار البضائع والمواد الغذائية، وانعكاس ذلك على أسعار الأضاحي، يعود إلى انهيار الريال اليمني أمام العملة الأجنبية بسبب العدوان والحصار، لأن بعض التجار ربط سعر المواد الغذائية واللحوم وعمل على بيعها بحسب العملة الأجنبية.
إنتاج منخفض
يضاف إلى ذلك، أن إنتاج الثروة الحيوانية المحلية انخفض جدا خلال الخمس سنوات الماضية، نتيجة عزوف معظم المربين عن الرعي، بسبب العدوان على اليمن، وانتشار بعض الأمراض المميتة للحيوانات، وهو ما ساهم مع تدني مستويات استيراد الثروة الحيوانية من ”أثيوبيا” وبعض دول القرن الأفريقي نتيجة الحصار، إلى ارتفاع أسعار الثروة الحيوانية المحلية.
وتقول الخاشب أيضا: إن من الواجب على كل ميسور، أن يتفقد فقراء منطقته وألا ينساهم من لحم الأضحية ففي ذلك ثواب كبير من الله، وبركة كبيرة، وراحة نفسية وسكينة، لافتة إلى أن “الدور يقع على وسائل الإعلام والخطباء، والمرشدين في توعية المجتمع بأهمية التكافل خاصة في أيام عيد الأضحى”.
كما يجب على الجهات المعنية دراسة المشكلة واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من معاناة المجتمع وبما لا ينعكس سلبا على الرعاة وملاك المسالخ، بالإضافة إلى دعم الثروة الحيوانية والزراعية والمبادرات التي تساهم في التخفيف من نسبة الفقر وحاجة الفقراء.