قراءة بين توازن الردع الرابعة والعودة الوشيكة لمدينة مارب
د. هشام محمد الجنيد
عملية توازن الردع الرابعة هي إحدى الضربات الهجومية الاستراتيجية لسلاح الجو اليمني، وهي إحدى محطات النصر الاستراتيجي عسكريا ضمن معركة النفس الطويل، وتمت بعدد كبير من الصواريخ الباليستية والمجنحة وطويلة المدى.
وقد ذيلت هذه العملية الاستراتيجية بعمليتين على الأقل وتمت بعدد كبير من الصواريخ الباليستية والطيران المسيَّر باتجاه نجران وجيزان وعسير واستهدفت غرفة العمليات والتحكم في مطار نجران ومخازن أسلحة ومرابض الطائرات الحربية في قاعدة خالد الجوية ومنظومات الباتريوت في خميس مشيط وغيرها من الأهداف، وجميعها بعون الله كانت مسددة بدقة عالية، وهي رد مشروع على استمرار الحصار والعدوان الغاشم على شعبنا اليمني العظيم، وقد ضاعفت تخبط وإرباكات العدوان السعودي ومن خلفه الأمريكي.
والأهم من ذلك أن هذه العملية تزامنت مع انتصارات ميدانية عظيمة بسيطرة القوات اليمنية ومساندة القبائل الحرة على معظم المواقع العسكرية المحيطة بمدينة مارب، وكما فشل العدوان في تحقيق مراميه الحقيقية وعجز عن صد الضربات الصاروخية، سيعجز أيضا عن أن يصل إلى أهدافه المشؤومة من تبعات الحصار الشامل وتشديده الحصار، إنه سلاح العاجز الضعيف، وغايات العدوان الإجرامية من تشديد الحصار بمنع دخول المشتقات النفطية وغيرها من الواردات إلى غاطس ميناء الحديدة هي ذات الغايات من ضرب طائراته الأبرياء، ومن هذه الغايات والتبعات:
– إحداث حالة فوضى لدى الشعب ضد قيادة النظام، وهذا الحلم ظل ومازال يراهن عليه العدو منذ بداية حربه وحصاره، ولم يحصد سوى نتائج عكسية منها استمرارية دعم المجهود الحربي وزيادة النفير العام للتوجه إلى الجبهات للقتال في سبيل الله.
– إجبار العدوان السعودي القيادة الثورية والقوات المسلحة على إيقاف الضربات الجوية للصواريخ والطيران المسيَّر واستهداف منشآته العسكرية والاقتصادية والسيادية.
– اضطرار القيادة الثورية (كما يحلم العدوان) إلى إيقاف الزحف العسكري باتجاه مدينة مارب للمحافظة على مكانته كقوة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي كما يخيل له، ولأغراض اقتصادية ومالية وعسكرية.
بل وصلت درجة الوقاحة وانعدام الحياء والأخلاق إلى عرض قوى العدوان والأمم المتحدة إيقاف صرف نصف راتب الموظفين مقابل الإفراج عن السفن النفطية، وله من وراء ذلك أهداف خبيثة، فهو في الأصل يتمنى أن يحصد من تشديد حصاره أوضاعاً كارثية إنسانية في المجالات الصحية والمنتجات الزراعية المحلية والمياه وغيرها، ولكنه لا يجرؤ على أن تصل الأوضاع إلى مرحلة الخطورة، لإدراكه يقينا أن اليمن إذا دخل بداية مرحله الخطورة في المجالات المشار إليها سيرد بما يزلزل منشآته العسكرية والحيوية ذات العلاقة بالتمويل العسكري وبأضعاف عمليات الردع الكبرى.
وإدخال العدوان سفينتين نفطيتين- أو ثلاث – ما هو إلا ذر للرماد على العيون لعدم تغطيتها الاحتياجات المطلوبة لحياة الناس – منذ تشديده الحصار- ليس ذلك لدوافع إنسانية، بل لاضطراره صاغرا مكسورا وخوفه من ضربات جوية أكثر فتكا وتدميرا من عملية توازن الردع الرابعة.
وفي كل الأحوال فالرد الرادع بالضربات الهجومية الجوية وغيرها ضد هذا العدوان لإنهاكه وإهلاكه واجتثاثه ونظائره في المنطقة هي استراتيجية ثابتة للقيادة الثورية والسياسية لما فيه الحفاظ على الدين ونصرته ووحدة الأمة وأمنها.
لا أعتقد أن هذه الحرب ستنتهي بقوة المنطق والمفاوضات مع هكذا عدوان تكمن في روحيته العدائية المطلقة لكلمة الحق، بل ويحاربها بمنهجية يهودية صهيونية ماسونية محكمة وباسم الإسلام.. في نظري لن يرفع هذا العدوان حصاره ولن يوقف عدوانه سلميا، هذا العدوان لا يبرم اتفاق سلام ما إلا في الأوضاع التي تجبره على ذلك وليس بنية السلام الحقيقي، فتاريخه وحاضره يشهدان بذلك، عدوان مشبع بالإجرام والفساد والصد عن سبيل الله، بينما تاريخ وحاضر اليمنيين الأحرار يثبت أنهم دعاة للسلام ، لأن الله سبحانه وتعالى وصفهم بأنهم من خير عباد الله، وفي نفس الوقت هم أهل حرب ضد المعتدي، كونهم البأس الشديد أنصار الحق، هل استطاع تحالف العدوان تحت قيادة النظام الصهيوني السعودي بحروبه وحصاره أن يصل إلى أهدافه المشؤومة ؟ أم باتت الدائرة تعصف لإزالة هذا النظام الظلامي ؟.
لم يفشل العدوان في الوصول إلى أهدافه الشيطانية فحسب، بل صنعت القوات المسلحة اليمنية تحولا استراتيجيا بتغيير المعادلة من وضعية الدفاع إلى الهجوم نتيجة لولاء وطاعة الأحرار والأوفياء لتعليمات وتوجيهات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي نصره الله، نتيجة الإرادة الصادقة والإيمان العملي بمبادئ الهوية الإيمانية، نتيجة تطوير منظومات سلاح الجو والبحر والبر وإصابتها الأهداف بدقة عالية، نتيجة تقوى الله والثقة بالله والتوكل عليه التي أثمرت الإدارة الحكيمة الرشيدة في قيادة الجبهات، نتيجة المهارة والكفاءة القتالية العالية لإخواننا المقاتلين في سبيل الله، نتيجة إحكام الخطط العسكرية التكتيكية والاستراتيجية، نتيجة الوعي والتماسك والانسجام بين قيادات القوات المسلحة والجنود الأوفياء والأحرار، ونتيجة الإيمان بنصرة القضية والدين والإخلاص للشعب، وغيرها من العوامل اللازمة لنصرة المشروع الإسلامي.
ورغم فرض القوات اليمنية معادلة جديدة مازال العدوان السعودي لم يسلَّم بالمشروع الإسلامي، مازال بغبائه المركَّب وغطرسته يعيش حالة الغفلة والوهم بأنه قوة عظمى أعظم من قوة الحق، ولم يدرك بغروره أنه يعيش حالة انفصام، لم يدرك أنه مهما امتلك من سلاح متطور فهو في نهاية المطاف ضعيف عسكريا وميدانيا، فحالة الضعف الذاتي كامنة في عمقه، تنقلت إليه جيلا بعد جيل من أسلافهم، منذ عصيانهم نبي الله موسى عليه السلام عندما رفضوا أن يدخلوا المدينة وقالوا “ادخل أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون” فحالة الضعف الذاتي وحب الدنيا كامنة في بني إسرائيل وحتى الوقت الحاضر، وليس جميعهم فالمؤمنون منهم قليل.
وأسلوب ترامب المذل لنظام العدوان السعودي يؤكد أنهم ليسوا أحرارا، ويؤكد أن الذلة والمسكنة راسخة في روحية النظام السعودي المتوارثة من بني إسرائيل الفاسقين، ولا ترى هذا العدوان قويا سوى الأنظمة والمنافقون والدواعش التابعون الموالون له، بينما من يسير على خط الله يرى هذا العدوان ضعيفا، لذلك يستحيل أن يصل العدوان إلى أهدافه المشؤومة في بلادنا وأمامه جنود الله الأنصار المجاهدين لنصرة الحق وفق استراتيجية دفاعية وهجومية يمنية منظمة على أساس الاقتداء بالمنهجية الجهادية والقتالية للقائد الأعظم محمد رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم.
إن خاصية الضعف الذاتي كامنة في روحية القيادات الإخوانية والمنافقين الخونة، نتيجة السير في ذات خط الأعداء، وهو الخط المعاكس لخط الله، هذه الخاصية هي قاسم مشترك لأعداء الله ذوي العقائد الدينية المنحرفة، بمعنى أن مضمون المعتقدات الدينية المنحرفة للعدوان السعودي اليهودي (التوراة اليهودية المحرفة) لا تختلف عن المعتقدات الدينية المنحرفة للعناصر الإخوانية الوهابية الإصلاحية ومشتقاتها (العقائد الوهابية المحرِّفة لتفسير وتأويل القرآن الكريم)، فهما إذن وجهان لعملة واحدة، وعلى قاعدة واحدة هي العداء المطلق لكلمة الحق في كتاب الله التي جاء بها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وجاء بها رسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم للجن والناس كافة، ويستخدمون لأجل غاياتهم الشيطانية كل أنواع الإرهاب وأبشع وسائل الإجرام ضد من يجاهد في سبيل كلمة الحق.
ومجزرة آل سبيعيان في مارب هي إحدى نماذج الإرهاب التي نفذتها دواعش حزب الإصلاح الوهابي لرفع هذه الأسرة الأبية شعار الصرخة، للوقوف مع كلمة الحق الملزمة على كل مؤمن، للوقوف مع القيادة الثورية والسياسية لتحرير مدينة مارب، ولا يقف ضد مبدأ الحق ومشروع الحق (المشروع الإلهي الخاتمي) إلا الأعداء من أهل الكتاب وإخوانهم المنافقون وذوو الفكر الضلالي الشيطاني الإرهابي المتغلغلة في روحيتهم ثقافة الغزو المستقاة من السياسة الكهنوتية الصهيونية الوهابية السعودية الماسونية. لذلك كان الرد الطبيعي العادل والواجب هو الداعي القبلي لمساندة الجيش واللجان الشعبية للأخذ بالثأر والوقوف ضد العدوان وعملائه، وقد عزز الداعي القبلي المشرِّف وحدة الصف للقبائل اليمنية وعلى رأسها الأحرار من قبائل محافظتي مارب والجوف.
هذه المواقف القبلية التاريخية وما قبلها منذ أكثر من خمس سنوات تخيف العدوان السعودي بدرجة كبيرة، خصوصا أنها تتزامن مع الجهاد في الله لنصرة المشروع الإسلامي، والمشروع الإسلامي بالنسبة للعدوان يعني حرباً وجودية، وهو ما يفسر استماتة نظام الجارة الخبيثة طوال تاريخ علاقتها الدموي مع بلادنا بإذكاء نار الحرب والثأر القبلي وتصفية العلماء الأتقياء، وجريمتا تنومة وسدوان وغيرهما من أساليب الهيمنة والسيطرة والتطويع والغزو الفكري، ليبقى اليمن على الدوام فقيرا ضعيفا مفككا.
إن النكف القبلي من خصائص تاريخ القبيلة اليمنية، وهو تجسيد للواحب الديني في وجوب المؤازرة والتضحية بالدم والمال لنصرة المعتدى عليه بالوقوف ضد العدوان، وهو يقوي الجبهة الداخلية ضد العدوان الذي راهن على مليشياته الإخوانية ومرتزقته، وراهن على كثرة المواقع العسكرية المحيطة بمدينة مارب المحمية بطائراته، وبفضل الله وتأييده سقطت المعسكرات تلو المعسكرات – سوى فلول صغيرة من أجزاء محدودة متبقية في مارب والجوف – ومدينة مارب باتت على مقربة وشيكة من تحريرها، فقد أصبح محيط ومداخل المدينة تحت سيطرة رجال المسيرة المجاهدين، عسكريا أصبحت المدينة تحت سيطرة القوات اليمنية، وعمليات الزحف باتت تقترب من إلحاق الهزيمة النهائية بمليشيات الإصلاح الإرهابية وأسيادها، فهي في مأزق لا يحمد عقباه.
وسواء مازالت مليشيات الإصلاح تموَّل وتوجَّه من نظام الشيطان السعودي أو انتقل هذا الدور إلى النظامين التركي والقطري، فهذه الأنظمة ودواعشها على مضمون عدائي واحد ضد الإسلام، ومهما امتلكت هذه الأنظمة ومليشياتها من مال وسلاح، فكيدها ضعيف أمام المشروع الإلهي، ومآلها وما يسمى بالانتقالي والمنافقين والمرتزقة وغيرها من المسميات العميلة المتناحرة فيما بينها مآلها إلى دائرة الخزي والذل، وستذوق هذه الأدوات الضعيفة مرارات الهزائم من الجيش واللجان الشعبية والأحرار حتى تحرير المحافظات والأراضي والجزر المحتلة.
إن قلق العدوان السعودي الأمريكي الشديد من استعادة القوات اليمنة والأحرار من القبائل مدينة مارب وإعادتها إلى حاضنة الدولة يتجلى في الأسباب التالية:
– حتى لا يؤدي إلى إحداث نقلة نوعية كبيرة تضاف إلى الانتصارات الاستراتيجية السابقة لقواتنا اليمنية.
– عودة المدينة إلى حاضنة الدولة بعون الله ستعزز وحدة الصف الوطني والقبلي.
– ستعزز ولاء إخواننا المواطنين في المحافظات الحرة والمحافظات والجزر المحتلة بالقيادة الثورية.
– ستعزز موجات النفير العام للتوجه إلى الجبهات للقتال في سبيل الله، وكذا تعزيز رفد الجبهات بالمال.
– ستعمق الروحية الإنهزامية واليأس من قيادة التحالف وعملائه الإرهابيين والمرتزقة المتناحرين فيما بينه في المحافظات والمناطق والجزر المحتلة.
– ستعزز ثقة إخواننا المواطنين في المحافظات والمناطق والجزر المحتلة بإخلاصهم في العمل الثوري والجهادي تحت قيادة علم الهدى والجيش واللجان الشعبية لتحريرهم من المحتل السعودي الإسرائيلي الإماراتي الأمريكي البريطاني وأدواتهم والرعاع المرتزقة.
– ستقطع يد الاحتلال وأدواته الرخيصة الناهبة للثروات النفطية والغازية من المحافظة والإيرادات الضريبية والزكوية وغيرها من الإيرادات.
– ستحل إشكالية الحصار لناحية المشتقات النفطية والغازية بتوفير نسبة كبيرة منها لتغطية احتياجات المحافظات الحرة وتخفيض أسعارها.
وبعد تحرير مدينة مارب -بعون الله- سيلجأ العدوان إلى السلام المقنع، ليلتف لاحقا ويتحلل من الاتفاق تحت صياغة ما، ليصل إلى أهدافة المشؤومة عسكريا أو غير ذلك من الطرق والأساليب الممكنة له، وسيحاول وبكل وقاحة أن تبقى مدينة مارب تحت سيطرته، وسيظل مستمرا في الحصار واستهداف الأبرياء والأسواق و.. و.. وإن تعهد بذلك، سيطرح مبادرة جديدة ربما من زاوية المساومة لدعم الانفصال وفق حساباته السخيفة، وتأسيسه لهذا التوجه السرابي قد بدا واضحا بدعمه ما يسمى الانتقالي وتحت ما يسمى بالشرعية، وغايته الخبيثة هي تحجيم ووقف العمل الثوري في ظل المسيرة القرآنية وتحت قيادة علم الهدى .. المسيرة نطاقها إلى ما بعد مارب، نطاقها تحرير اليمن والمحافظة على وحدته أرضا وإنسانا من المهرة إلى صعدة والأراضي والجزر التي سلبت عبر مراحل التاريخ.