لم تقتصر سياسات “مملكة آل سعود الوهابية” على تشويه الإسلام من خلال الثقافة التكفيرية التي عملت على نشرها في كل أقطار العالم، واستغلال المقدّسات الإسلامية لصالح بقاء الأسرة الحاكمة (آل سعود) التي تعمل لحساب المملكة المتحدة (بريطانيا) في سدة الحكم؛ لتستمر الحرب على الأمة، بل تجاوزت ذلك إلى تنفيذ كافة القرارات التي تأتي من الغرب، وتسخير تلك المقدسات لخدمة الإمبريالية التوسعية على حساب أبناء المنطقة، وإن كان ذلك مشروعاً حمله رجل مخابرات بريطاني إلى مؤسس المملكة قبل أكثر من 300 سنة.
الثورة /عبدالقادر عثمان
خلال السنوات الأخيرة التي شنت –وما تزال– فيها السعودية عدواناً على اليمن ظهرت بكل قبحها بعد أن داس نظامها الحاكم على كل القيم والأخلاق الإنسانية، بالقدر الذي تجاوز فيه ارتكاب الجرائم بحق الأطفال والنساء، إلى أن وصل به الحال حد الصد عن سبيل الله ومنع مساجد الله من أن يقام فيها الذكر وحرمان المسلمين من أداء مناسك الحج في البقاع الطاهرة التي يحاول تدنيسها بممارساته السيئة يوماً بعد آخر، متخذاً من وباء كورونا عذراً في ذلك، على الرغم من السماح لأي شخص بزيارة البارات والمراقص في أي وقت وفي أي مكان.
ضالة بريطانيا
في كتاب “مذكرات مستر همفر.. رجل المخابرات البريطاني في البلاد الإسلامية” للجاسوس البريطاني الذي عرف باسم “محمد عبد الله همفر”، يقول الجاسوس “إنه وبعد عودته من العراق إلى لندن في منتصف القرن الثامن عشر، التقى بسكرتير وزارة المستعمرات البريطانية وبعض أعضاء الوزارة وأطلعهم على معلومات وجدها عن زعيم ديني يدعى “محمد بن عبد الوهاب النجدي” يمكن أن يكون الضالة التي تبحث عنها الوزارة في مشروعها التدميري للدين الإسلامي الذي سيمكّن المملكة المتحدة من السيطرة على البلدان العربية وبلدان غرب آسيا”.
يضيف همفر في مذكراته “أن السكرتير أعطاه وثيقة من 50 صفحة تتضمن استراتيجية مدروسة لتحطيم الإسلام، وقد كان عليه أن يتوجه إلى العراق مرة أخرى لإكمال الشوط الأول مع ابن عبد الوهاب الذي اشترط على رجال المخابرات الحصول على الدعم بالمال والسلاح وحمايته من الحكومات والعلماء الذين لا بد أن يهاجموه بكافة السبل، وكان من بين الشروط أن تجعل له الوزارة إمارة ولو صغيرة في أطراف بلاده “نجد”، وقد قبلت الوزارة.
قرآن جديد
كان على ابن عبد الوهاب تنفيذ خطة الوزارة بدقة -حسب ما ذكر همفر- وهي خطة تضمنت “تكفير كل المسلمين وإباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم، إلى جانب هدم الكعبة باسم أنها آثار وثنية ومنع الناس من الحج وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم، وهدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد، إضافة إلى السعي لخلع طاعة الخليفة، ومحاربة أشراف الحجاز بكل الوسائل الممكنة، وكذا نشر قرآن فيه التعديل الوارد في بعض الأحاديث من زيادة ونقصان، ونشر الفوضى والإرهاب في البلاد حسب ما يمكن”.
يقول همفر أيضاً “محمد عبد الوهاب وعدني بتنفيذ الخطة السداسية، إلا أنه قال: إنه لا يتمكن في الوقت الحاضر إلا من تنفيذ بعضها، وهكذا كان، وقد استبعد أن يقدر على هدم الكعبة عند الاستيلاء عليها، كما استبعد قدرته على صياغة قرآن جديد، خوفاً من العثمانيين، وقد قبلت العذر منه”، لأن الواجب على همفر كما أخبره السكرتير أن يبذر البذرة وستأتي الأجيال القادمة لتكمل الطريق.
نشأة السعودية
وبعد سنوات، وبالتحديد عام 1744م تمكنت وزارة المستعمرات البريطانية من جلب محمد بن سعود إلى جانب عبد الوهاب وهمفر وفرضت التعاون بينهم ليستولوا على قلوب الناس وعقولهم، وكانت الوزارة تزود الدولة التي كونتها في نجد، واتخذت من الدرعية عاصمة لها بالمال وتضع لها الخطط فيسير ابن سعود وابن عبد الوهاب وفقها، على حد قول همفر.
فيما سبق يلخِّص الجاسوس البريطاني حكاية نشأة المملكة السعودية الوهابية التي اتخذت من الدين مطية لنشوئها بدعم وتحكم غربي، ولتسخَّر المقدسات الإسلامية لتنفيذ ودعم سياساتها مع من حولها من الشعوب الرافضة لتوجهاتها المنحرفة، وقد أثبت التاريخ أن الخطة البريطانية التي حملها همفر وقام عليها ابن سعود وابن عبد الوهاب قد سارت في الطريق المرسوم من قبل الوزارة، وحملتها الأجيال الوهابية من بعدهما حتى اليوم.
شهادة التاريخ
في عام 1220 هـ الموافق 1806م احتل عملاء بريطانيا مكة المكرمة، ونفذوا حملة هدم للقبور والقباب، وكانوا يطبلون ويغنون ويشتمون القبور وساكنيها من الصحابة، وبعد عام من ذلك هدم الوهابيون قباب المدينة المنورة بما فيها قباب البقيع، ونهبوا ذخائر الحجرة النبوية من أموال وجواهر، وفرضوا الهيمنة الوهابية على المنابر والقضاء، كما منعوا الناس من زيارة قبر الرسول محمد (صلوات الله عليه وعلى آله).
وفي عهد عبد العزيز -مطلع القرن الماضي- ارتكب السعوديون مجزرة بحق الحجاج اليمنيين في “تنومة” بمنطقة عسير وذلك في العام 1341هـ الموافق 1921م، وراح ضحيتها ثلاثة آلاف حاج، حسبما يذكر الباحث حمود بن عبد الله الأهنومي في كتاب يوثق المجزرة، وفي العام 1979م احتل الضابط في الحرس الوطني السعودي جهيمان العتيبي مع مجموعة من التكفيريين الحرم المكي لنصف شهر، ونتج عن ذلك تدخل عسكري لقوات غير مسلمة اقتحمت صحن الكعبة واندلعت معركة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 5 آلاف بينهم على الأقل 3 آلاف حاج كما كشف تحقيق تلفزيوني لقناة الجزيرة مؤخراً.
كورونا.. أقبح من ذنب
تلى تلك المجازر انتهاكات سنوية بحق الحجاج وزوار بيت الله راح ضحيتها الآلاف منهم سنوياً، من بينهم الحجاج الإيرانيون في أكثر من حادثة، أما ما يتعلق بالصد عن الكعبة فقد فرضت السعودية في كثير من المرات سياسة منع بعض البلدان من الحج، كان من بينها “اليمن ومصر والشام وإيران والمغرب العربي والعراق” منذ احتلال الوهابيين الحجاز، وتكرر الفعل مع الحجاج السوريين والليبيين والقطريين والكويتيين حسب هوى آل سعود ومتى أرادوا ذلك، وبناء على طبيعة علاقاتهم مع البلدان.
وفي هذا العام اتخذ آل سعود من فيروس كورونا عذرا لمنع فريضة الحج، فما إن أعلنت سلطاتهم الصحية عن اكتشاف أول حالة إصابة حتى بادروا إلى إغلاق الحرم المكي والمسجد النبوي أمام العباد، كما أغلقوا كافة دور العبادة الموزعة على أقطار بلاد نجد والحجاز، في الوقت الذي فرضوا فيه حظر تجوال استمر شهرين، قبل إعادة تطبيع الحياة وإلغاء الحظر على كافة المرافق والمؤسسات والأماكن العامة من “مقاهي ومطاعم وبارات ومراقص” أدخلتها السياسة الحداثية لولي عهد المملكة محمد بن سلمان، بينما بقي الحظر على الحرمين قائماً، ولم يكن بمقدور الناس أن يتخيلوا أن يستمر ذلك الحظر لكنه وصل حد إلغاء الحج لكافة البلدان، ولكن هذه المرة دون الخضوع لطبيعة العلاقات الدولية مع المملكة.
مؤتمر التفريخ الوهابي
هذا الإلغاء يأتي بعد أن عملت السعودية -على المدى البعيد -على إفراغ هذه الفريضة من معناها.. يقول الباحث الأهنومي في مقال سابق في “الثورة”: إن سياسة السعودية تقوم على استراتيجية إفراغ الحج عن محتواه، وأهدافه، وغاياته.. ويشير الباحث هنا إلى أن الحج باعتباره المؤتمر الأعظم للمسلمين سياسياً ووحدوياً وثقافياً واجتماعياً يقوم على وجوب إعلان البراءة من المشركين، أو التنديد بسياسات أمريكا، وهذا ما لجأت السعودية لمنعه، بل “سخَّروا منابر الحرمين وقدسيتها في قلوب المسلمين لتحقيق أهداف هذا المشروع الاستعماري، وحوَّلوا هذا المؤتمر الأعظم من مؤتمر لوحدة المسلمين إلى مؤتمر للتفريق بينهم، وتكفيرهم، وتضليلهم وتبديعهم، وقتلهم”.
وهكذا أرادت الوهابية تفريخ الحجاج لخدمة السياسات الغربية، لكن الصحوة الإسلامية أنبأتها بما قد يعيق مشروعها فعمدت إلى توقيف المؤتمر الأعظم ولديها المزيد.