مذبحتا وشحة والجوف
عبدالرحمن مراد
بعد أيام من مذبحة وشحة – التي استنكرها كل العالم في سابقة غير معهودة حتى من اطراف محسوبة على العدوان نفسه – ها هي طائرات العدوان تقترف ذنباً جديداً في الجوف وبنفس الأسلوب والطريقة .
كان اليمنيون يذكرون آل سعود بمذبحة “تنومة ” و”سدوان ” في تظاهرات وفعاليات ثقافية من باب العظة لعلهم يرجعون وقد أصبنا بالذهول ونحن نرى إصرار الخلف على ممارسة ذنوب السلف وبنفس التوحش والغباء , وكأنهم يقولون لنا نحن نقوم بمهام بعينها فهذه المذابح في اليمن هي امتداد لتاريخ طويل من القتل الذي رافق مسيرتنا وتاريخنا فالتاريخ يذكر مذابح قرية الشعيبة ومذبحة عشيرة آل سالم ومذبحة الطائف التي بلغ تعداد الضحايا فيها خمسة عشر ألفاً ومذابح القصيم وغير كل تلك المذابح، فتاريخ آل سعود تاريخ قتل ودمار وما يزال يمتد هذا التاريخ من سلفهم إلى خلفهم ولا يمكن فصل ما يحدث في اليمن عن ذلك المنهج .
لقد كانت “داعش ” هي التعبير الأمثل عن هذا النظام , فالدموية التي ظهر عليها وبها داعش تتسق اتساقا فكريا مع آل سعود لذلك وجدوا في داعش غريزة الإشباع التاريخية فكان القتل والدمار وطمس المعالم الحضارية والتاريخية ليس في اليمن وحسب بل في العراق وفي سوريا وفي أفغانستان وفي الكثير من البلدان , ديدن داعش هو ديدن آل سعود منذ حاولوا طمس الآثار الإسلامية في مكة والمدينة بداية القرن العشرين , وتحديدا في عام 1926م لولا احتجاج العالم الإسلامي حينها لهدمت صوامع وبيع كان يذكر فيها اسم الله .
“داعش ” و ” القاعدة ” أدوات استخبارية كان النظام العالمي وما يزال يدير من خلالهما شؤونه وحركته في التوازن السياسي والاقتصادي بين الشرق والغرب وهما تشكلان الامتداد الفكري للوهابية وخرجت هذه الأدوات من تحت بشت آل سعود وعاثت في الدنيا فساداً وقدمت الإسلام في صورة هي من أبشع الصور في عالم تعددت مستوياته الحضارية .
لقد قلنا مرارا أن آل سعود وغيرهم من مشايخ الخليج ليسوا أكثر من حراس على آبار النفط وتستخدمهم بريطانيا قديما وأمريكا حاليا في إدارة المصالح للمستعمر القديم / الجديد , فالتاريخ خاتلنا ومكر بالعرب كل المكر فهم في وهم الحرية والسيادة وفي وهم الاستقلال لكن حقيقة الأمر العرب ليسوا أحرارا وليسوا أسيادا على أرضهم وما يزال المستعمر القديم هو من يدير تفاصيل اللعبة في الشرق الأوسط الذي استعمره قديما بدليل أن إيطاليا حاولت أن تثبت وصايتها على ليبيا وبريطانيا تحاول إدارة اللعبة في عدن وفي التاريخ الحديث وجدنا السعودية خاضت لعبة حركة التوازن بين الشرق والغرب وكانت جزءا مفصليا في نكسة حزيران لصالح إسرائيل بدليل أن بريطانيا لم تخرج من عدن إلا بعد اطمأنت على السيطرة على مقاليد اللعبة وضمنت مصالحها في مضيق باب المندب وحركة الملاحة الدولية عن طريق ربيبتها السعودية .
اليوم السعودية ومشيخة الإمارات تقوم بذات الدور القديم في المنافذ البحرية ومضيق باب المندب دون معنى لمن يسمون أنفسهم شرعية وصدقوا كذبة عودة الشرعية إلى اليمن وقد لاحظنا الكثير من الذين صدقوا كذبة عودة الشرعية من السياسيين والإعلاميين كيف يكشف الكثير منهم عن تفاصيل اللعبة ويعتذر لليمن وأهله ويبدي استعداده لمحاكمة وطنية عادلة تكفيراً منه عن شعوره بالذنوب والخطايا في حق الوطن وأهله .
فالمملكة في عدوانها على اليمن لا تكاد تخرج عن النسق التاريخي فهي تقف ضد أي حركة تحرر وتحاول أن تفرض هيمنتها لكنها في عدوانها الأخير على اليمن فقدت كل أدواتها ومفردات سيطرتها ولم تعد قادرة على استعادة اللحظات التاريخية ولا أراها إلا تكتب قصيدة رثائها بنفسها، فاليمن تجاوزت الشروط الموضوعية للهيمنة وهي ترسم قيمتها الوجودية بدماء أطفالها وأشلاء رجالها.. ويبدو أن معركة الاستقلال قد طالت.. لكنها الآن أصبحت حقيقة موضوعية لا يمكن تجاوز حقيقتها الواقعية..
لقد قالت حركة الواقع في وشحة وفي الجوف أن النظام السعودي أصبح فاقدا للبوصلة وهو يتخبط فما يكاد يخرج من مأزق أخلاقي وتقني وفشل عسكري واستخباري حتى يقع في غيره، في حين تثبت الأيام والوقائع أن صنعاء أكثر سيطرة على مقاليد اللعبة العسكرية والسياسية وفي ذلك بلاغ كبير للناس لو كانوا يعقلون , إذ كيف لبلد يتعرض للقصف والدمار والحصار منذ أكثر من خمسة أعوام وتكون له كل هذه المقدرة في الردع وتوازن القوى في المجالين العسكري والسياسي وبكل ذلك السمو والتفوق الأخلاقي .
فنحن اليوم نجد في شبكة التواصل الاجتماعي حركة تبدل في وعي الناس وفي تصوراتهم فالقيمة الكبيرة التي كان عليها المواطن السعودي أصبحت مفقودة وحضر بدلاً عنها الشعور بفقدان القيمة والانكسار في حين نجد اليمني ترتفع قيمته ويزيد معناه سمواً وعلواً وهو يجد العالم يتحدث عنه بتباهٍ منقطع النظير ويفخر بقدراته القتالية وبصموده وكاد البعض أن يرى في اليمني بطلا أسطوريا قل نظيره في عالمنا المعاصر، وفي ذلك بيان للناس فالمرء حيث يضع نفسه فمن وضعها مواضع الهوان عاش في الهوان ومن وضعها مواضع العزة والكرامة لا يعيش ألاّ عزيراً كريماً.
صحيح تضحياتنا كبيرة ولن تكون مذبحة وشحة ومذبحة الجوف آخر المطاف لكن المآسي التي شهدناها على مدى أعوام العدوان لن تزيد أهل اليمن إلا إصرارا على تحديد موقعهم الفاعل على خارطة الوجود الإقليمي والدولي وهم قادرون على ذلك بتوفيق من الله .