الحياد صفة المنافقين والمحايد يتعرض لسخط الله

العلامة عدنان الجنيد: لم تشهد اليمن عبر التاريخ أي صراعات مذهبية

 

 

الوهابية تدعو إلى التباغض وهي تيار دخيل على المجتمع
الأنظمة العميلة حولت إعلامها إلى خصم للقضية الفلسطينية

يشير العلامة عدنان الجنيد في الجزء الثاني من هذا الحوار إلى أن بعض الدول العربية والتي دخلت تحت العبائة الاستكبارية قد كشفت عن حقيقتها وأصبح تطبيعها مع العدو الإسرائيلي أمراً علنياً ومكشوفاً بل وحولت وسائل إعلامها إلى خصم للفلسطينيين، بينما دول الممانعة والمقاومة سعى الاستكبار العالمي مع أدواته في المنطقة إلى إشعال الحرب فيها كاليمن وسوريا.
وأشار العلامة عدنان الجنيد إلى أن ما يقوم الاستكبار من إثارة الصراعات والحروب وإشعال الفتن وتغذيته للإرهاب في كل بلد إسلامي الهدف منه حرف البوصلة عن القضية المركزية.. وفيما يلي الجزء الثاني من الحوار:
الثورة/

ما هو موقف علماء الشافعية والصوفية من العدوان على اليمن ؟
– يجب أن نعلم أن التصوف منهج سلوكي وليس مذهباً فقهياً، فأنت قد تجد شافعياً صوفياً وحنفياً صوفياً وزيدياً صوفياً وجعفرياً صوفياً ….وهكذا فعلماء الصوفية في اليمن أغلبهم شافعية..
وهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام من حيث موقفهم من العدوان على اليمن:
القسم الأول : وهم أصحاب التصوف الجهادي وهؤلاء ضد العدوان ولهم نشاط بارز في الميدان وتحركهم معروف وكل يوم يزدادون توسعاً بين أوساط الصوفية.
القسم الثاني: وهم ضد العدوان ويصرحون لخواصهم بذلك لكنهم لا يريدون أن يظهروا ولا أن يصرحوا عبر وسائل الإعلام بسبب خوفهم إما على مصالحهم وإما خوفهم من أن يلحق بهم ضرر سواء بأنفسهم أو بممتلكاتهم، فالبعض لهم ممتلكات في المناطق التي يسيطر عليها الدواعش.
القسم الثالث : وهم المحايدون ويعتبرون هذه الحرب فتنة والأفضل السكوت ويتبعون منهج السلامة ويزعمون أنهم يقتدون بالإمام الحسن وبالفقيه المقدم الذي كسر السيف، حسب زعمهم.

هل يقبل الحياد أمام هذا العدوان وجرائمه المروعة ومجازره الوحشية ؟
– لا يقبل بل يعتبر خذلاناً للحق وتدعيماً للباطل وتثبيطاً عن الجهاد في سبيل الله سيما إذا كان أصحاب الحياد من أهل العلم.
فلا حياد بين الحق والباطل ولا بين الخير والشر ، فإما أن تكون مع الحق أو أن تكون مع الباطل..
ويعلمنا القرآن الكريم أن الوقوف على الحياد بين الحق والباطل والإمساك بمنتصف العصا في الصراع بينهم صفة المنافقين كما جاء في قوله تعالى : ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً…﴾.
وقوله تعالى :﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ﴾.
فالحياد في الصراع بين الحق والباطل أو بين الظالم والمظلوم يعتبر ضمن الوقوف مع الباطل لأنه يخذل الآخرين عن الوقوف مع الحق وتأييده..
كذلك المحايد أمام هذا العدوان قد يتعرض لسخط الله ولعنه، لأنه يرى المنكر ولا ينكره والله تعالى ما لعن بني إسرائيل إلا لأنهم كانوا يرون المنكر ولا ينكرونه ولا ينهون عنه قال تعالى :﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
فالله تعالى ما أخبرنا عن بني إسرائيل إلا لكي لا نقع فيما وقعوا فيه فيحل علينا ما حل بهم من السخط واللعن الإلهي.
ومن الأدلة -أيضاً- على وجوب التصدي للعدوان وعدم المحايده قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ ولم يقل هم يسكتون ويحايدون بل لابد أن ينتصروا لأنفسهم ولشعبهم ولوطنهم..
والله إن مجزرة واحدة فقط من المجازر التي ارتكبها العدوان في حق شعبنا تجعل أي مسلم يتحرك وينشط ضد هذا العدوان ولو حتى بالكلمة فكيف لو كان هذا المسلم يمنياً ويرى هذه المجازر بأم عينيه، فكيف لا يصحى ضميره ويقوم بالواجب وبالمهمة التي أنيطت به بالجهاد في سبيل الله سواء بالفعل أو القول أو بما يقدر عليه لأن الجهاد وسيع بسعة ساحة الصراع..
وهناك أدلة كثيرة من القرآن الكريم وكذلك من السنة توجب على كل مكلف أن يتصدى للعدوان إن المحايدة والسكوت عن العدوان يعد تفريطاً وخزياً وعاراً … نكتفي بما ذكرناه.

كيف غيبت القضية الفلسطينية من المنابر المسجدية والإعلامية ؟
– منذ نكبة 1948م ولعقود طويلة كانت القضية الفلسطينية من أهم القضايا العربية والإسلامية سياسياً وإعلامياً وكان الاهتمام بها كقضية محورية ومركزية تمثل الهم المشترك للعرب خاصة وللمسلمين عامة ولكن لأسباب دولية وإقليمية عربية ومحلية أدت إلى تراجعها وتغييبها وخروجها من دائرة الاهتمام التي عهدتها منذ العقود الطويلة السابقة.

وما يهمنا هنا هو تغييبها في الجانب الإعلامي، كيف ولماذا؟
إن ما يقوم به الاستكبار العالمي وأدواته في المنطقة من إثارة الصراعات والحروب وإشعال الفتن وتغذيته للإرهاب في كل بلد إسلامي وبالأخص في المنطقة العربية كل ذلك كي يحرف البوصلة عن المسلمين إلى قضايا أخرى وينسوا قضيتهم المركزية …
أضف إلى ذلك أن بعض الدول العربية والتي دخلت تحت العبائة الاستكبارية قد كشفت عن حقيقتها وأصبح تطبيعها مع العدو الإسرائيلي أمراً علنياً مكشوفاً بل وحولت وسائل إعلامها إلى خصم للفلسطينيين بينما دول الممانعة سعى الاستكبار مع أدواته في المنطقة إلى إشعال الحروب فيها كسوريا واليمن.
وكل هذا ساعد في تغييب القضية الفلسطينية من المنابر الإعلامية ناهيك عن المنابر المسجدية.

ماهي العوامل التي أسهمت في تحصين الوعي وتغذية التلاقح الفقهي والفكري في اليمن بين الزيدية والشافعية حتى أصبح أنموذجاً فريداً في التعايش والتصالح والتسامح؟
– للإجابة على هذا السؤال لا بد من مقدمة صغيرة ثم نردفها بالجواب إن اليمن كانت تحتضن أربعة مذاهب : المذهب الزيدي: وهو أول المذاهب دخولاً إلى اليمن والذي ساعد في ظهوره هو الإمام الهادي الذي وفد إلى اليمن في القرن الثالث الهجري واستقر في صعدة ، وكان انتشار المذهب الزيدي واستقراره في شمال اليمن (المناطق العليا) ثم يليه المذهب الحنفي وكانت المناطق السفلية وتهامة من شمال اليمن يسودها هذا المذهب، وقبله المذهب الإسماعيلي ويقطن أصحابه وأتباعه في جبال حراز وبعض المناطق الوسطى وقد واجهوا معارضات ومضايقات كثيرة عبر الزمن.
وأما المذهب الشافعي فقد ظهر في اليمن في بداية القرن الخامس الهجري ثم توسع مع دولة بني رسول وانتشر في أوساط الناس انتشارا واسعاً مما جعل الناس يستبدلونه عن المذهب الحنفي في المناطق السفلية من شمال اليمن، وأما جنوبه لا سيما حضرموت فقد كان المذهب الإمامي هو أول من دخلها ، أدخله الإمام أحمد بن عيسى المهاجر في أوائل القرن الرابع وهو مذهب آبائه وأجدادهـ وفي نهاية القرن الرابع بدأ المذهب الشافعي بالظهور والتوسع حتى ساد حضرموت إلى يومنا هذا ، وهكذا أصبح المذهبان البارزان والأكثر انتشارا هما الزيدي والشافعي ، ومن يستقرئ تاريخ اليمن والدول التي حكمتها فلن يجد أي صراع أو حروب مذهبية مثل ما جرى من حروب مذهبية في غيرها من الأمصار، وأما الحروب التي كانت بين بني رسول وبين الأئمة الزيدية إنما كانت لأسباب سياسية لا مذهبية بل جميع الحروب التي حدثت في اليمن كانت سياسية فقط.

وبعد هذه المقدمة يمكن الصول حول هذه العوامل:
العامل الأول: الذي أسهم في تحصين الوعي وتغذية التلاقح الفقهي والفكري بين المذهبين (الزيدي والشافعي) يتمثل في عدم محاولة أي مذهب فرض مذهبه على الآخر وعبر تاريخ اليمن تجد الكثير من الأئمة والحاكمين كانوا يعينون قضاة أهل كل مذهب من مذهبهم ومناطقهم.
العامل الثاني: محبة آل البيت – عليهم السلام – والتقارب المذهبي في عدد من المسائل الفقهية.
وإليك توضيح ذلك :
إن الإمام الشافعي كان من أكبر المتفانين بحب أهل البيت عليهم السلام وهو الذي حث على الصلاة على الآل في التشهد وهو القائل:ـ
يا آل بيت رسول الله حبكم
فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنكمُ
من لم يصل عليكم لا صلاة له
وهو القائل ــ أيضا ًـ :
إن كان رفضاً حب آل محمد
فليشهد الثقلان أني رافضي
إلى غير ذلك من أبياته الشعرية التي تنم على تشيعه ومحبته للعترة الطاهرة عليهم السلام ومن يقرأ كتابه الأم فسوف يجد آراء كثيرة يتفق بها مع المذهب الزيدي مثل التثويب في صلاة الفجر (الصلاة خير من النوم) فهي لم تصح عنده.
وكذلك أذان الجمعة يرى أنه أذان واحد فقط إلى غيرها من الآراء التي يتوافق معها بالمذهب الزيدي وكثيراً ما كان يقول : ” إذا صح الحديث فهو مذهبي”…
العامل الثالث: انفتاح فقهاء المذهبين على بعضهما سواء في التلقي من خلال تلقي علماء كل مذهب من الآخر، أو الفتوى المرنة التي تتضمن ما هو معتمد لدى المذهب الآخر.
العامل الرابع: وحدة دور العبادة بين الطرفين فلا توجد مساجد خاصة بكل مذهب كما هو الحال في عدد من الدول.
العامل الخامس: وحدة الزي الشعبي لدى المنتمين لكلا المذهبين بخلاف بقية الدول حيث يتميز علماء كل مذهب بزي عن علماء المذهب الآخر.
العامل السادس: الاندماج الاجتماعي من خلال علاقات المصاهرة والزواج والتي كانت تتم بين المنتمين للمذهبين دون أي إشكالية.
العامل السابع: التقارب السياسي والذي تجسد في مطلع التسعينيات بتشكيل حزب الحق والذي ضمت هيئته التأسيسية كبار علماء الصوفية والزيدية في اليمن ..
وغيرها من العوامل التي جعلت من المذهبين أنموذجاً فريداً في التعايش والتصالح والتسامح..
هذا ونجد بحمد الله تعالى أن شقة الخلاف بين الشافعية والزيدية قد انتهت أو تكاد تنتهي فلا تمر الأيام إلا والخلافات تقل رغم التشويه الذي كان يواجهه المذهب الزيدي من قبل ذلك التيار الوافد الدخيل على اليمن مؤخراً والذي يسمى بالتيار الوهابي المنسوب إلى المذهب الحنبلي وهو تيار مدعوم بأموال طائلة من المملكة العربية السعودية كان يقوم بنشر الكتيبات التي تؤدي إلى نشر التباغض وتكفير أتباع المذهب الزيدي وأتباع المذهب الشافعي من الصوفية وغيرهم لدرجة أنهم كانوا يستخدمون المساجد لبث آرائهم الخبيثة دون خوف أو وجل من الله ومن الناس، ومن يقرأ مذكرات الشوكاني ودرر الحور العين لجحاف فسيجد تفصيلاً كاملاً لما قامت به هذه الفرقة بالقطر اليمني سابقاً ولاحقاً.
ومع هذا التشويه والتعتيم الذي تمارسه هذه الفرقة التكفيرية ضد أتباع هذا المذهب الزيدي إلا أننا نجد في المناطق التي يسودها المذهب الشافعي أناساً كُثر قد تأثروا بالمذهب الزيدي وأصبحوا من أتباعه.
وكذلك العكس ففي المناطق التي يسودها المذهب الزيدي نجد هناك جماعة كبيرة يتبعون المذهب الشافعي والذي زاد في هذا التقارب هو انتشار الكتب الزيدية في أوساط الشافعية وكذلك العكس رغم المحاربة التي كانت تواجهها ومن يقرأ الكتب المعتمدة لدى المذهبين سيجد التوافق كبيراً والاختلاف يسيراً لاسيما في الأمور الفرعية البسيطة كالضم والسربلة.

قد يعجبك ايضا