»مخرج 7« دراما سعودية لتمرير التطبيع مع إسرائيل

المسلسل محاولة لتدجين المجتمع الإسلامي وخلق وعي زائف بقضايا الأمة
تصور حكاية (مخرج 7) النفع الاقتصادي من الانفتاح وبناء العلاقات مع الصهاينة
السعودية تقدم القضية الفلسطينية كحجر عثرة أمام تقدم وتطور الأمة العربية
يدفع مسلسل (أم هارون) للتعاطف مع المحتلين من خلال تصويرهم كأقلية مضطهدة في المنطقة

الثورة / عبدالقادر عثمان
تبدو الدراما الرمضانية لهذا الموسم في أدنى مستويات انحطاطها في مختلف شاشات البلدان العربية، خاصة مع تأثيرات فيروس كورونا الجديد الذي ضرب العالم في مرحلة مهمة من العام، وهي التي ينهمك فيها أبطال الشاشات من مخرجين ومنتجين وممثلين في العمل لإخراج مسلسلات يجري عرضها في الشهر الكريم وتلقى إقبالاً كبيراً من الجماهير، ربما ارتفع منسوبه هذه السنة مع الحجر المنزلي للناس في شتى دول العالم العربي.
هذا العام، لم تتجاوز الدراما عتبة الكوميديا المبالغ فيها بشكل غير لائق، واختفت فيه التاريخية والدينية، بيد أن نوعا آخر من المسلسلات جرى تمثيلها وعرضها، ليس لتحقيق الرفاهية ومناقشة قضايا اجتماعية أو تصحيح مفاهيم مغلوطة لدى الناس، إنما لتمرير رسائل سياسية خبيثة تهدف إلى تهيئة الرأي العام لتقبّل مشاريع التطبيع الجديدة مع الكيان الصهيوني والتخلي عن القضية الفلسطينية وتناسيها والوقوف إلى جانب الإسرائيليين لحمايتهم والتعايش معهم على حساب الفلسطينيين.
استراتيجيات لا تمل أيادي الاحتلال في المنطقة من استخدامها وتكرار رسائلها بغية تدجين المجتمع وتفريخ العقول وصناعة وعي زائف خاصة أن الصحوة العروبية الإسلامية الأخيرة، التي شملت بلدانا كثيرة كاليمن وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان، حالت دون مرور صفقة القرن، الهادفة إلى سلب الفلسطينيين الأرض مقابل المال، بالشكل الذي جرى التخطيط له، ولذا فإن أفضل وسيلة لتمريرها هو تحويل الظالم إلى ضحية عن طريق الدراما الرمضانية التي ينبغي أن تؤثر على جيل عاطفي وعلى قدر ضئيل من الوعي النضالي وليس عنده معرفة بطبيعة المشروع الاستيطاني.
فإلى جانب المسلسل الكويتي «أم هارون» – الذي يوهم المتابعين بالتاريخ والتعايش المشترك بين المسلمين واليهود، كما روج لذلك مؤخّرا عبر قنوات المملكة، ويصوّر المحتلين كأقلّيات دينية مضطهدة تعيش معاناة لا مثيل لها حتى تلك التي يعيشها الفلسطينيون؛ من أجل تلميع صورتهم داخل المجتمعات العربية، وتحويلهم من الكيان المحتل إلى الأقلية الضعيفة التي تحمل الفكر والوعي والإبداع وتقدّم الخير للناس – يأتي المسلسل السعودي «مخرج 7» ليقدم الكوميديا لتلميع رؤية السعودية للتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني.
«مخرج 7» للمؤلف خلف الحربي، ومن بطولة ناصر القصبي (نجم طاش ما طاش) وراشد الشمراني وإخراج أوس الشرقي، يتحدث عن تغييرات المجتمع السعودي في عهد بن سلمان، عبر قضايا اجتماعية وسياسية، تقدّم حلقاته القضية الفلسطينية على أنها عبئاً على المجتمعات العربية وأن الفلسطينيين لا يستحقون الوقوف معهم ضد إسرائيل بل العكس مناسب، وموهماً متابعيه بعادية الأمر وضرورة الانفتاح على تلك العلاقات التي يمكن أن تعود بالنفع على الاقتصاد والثقافة وسواهما، تجلى ذلك من خلال حديث طفل سعودي – في المسلسل – لوالده عن علاقته الافتراضية عبر التواصل الاجتماعي، مع شاب إسرائيلي، وهو ما أحدث صدمة بدابة الأمل للأب، الذي حاول الاستيضاح ممن حوله ليكتشف أن الجميع مقتنع بعاديّته، خاصة والأم تبدو غير آخذة للأمر بمحمل الجد، بل تعتبر تسلية.
يقدّم المسلسل أيضاً الأخت على أنها وحدها ضد إسرائيل دون أن يشاركها أحد موقفها؛ لكأن موقف النضال من أجل قضايا الأمة المصيرية بات شاذا في مجتمعات حداثية تدّعي إيمانها بالحريات وتعيد الحقوق لمن توهم المشاهد بأنهم أصحابها، وهي رسائل خطيرة تنعكس بشكل سلبي على وعي المشاهد، خاصة في بلدان الخليج التي أنفقت حكوماتها مليارات الدولارات لحلحلة المواطنين من قيمهم وأخلاقهم تحت مسمى الترفيه، أما الجدّ فيظهر متحمساً للعلاقة مع الكيان الصهيوني، الذي يراه أفضل حتى من الفلسطينيين، بل يتبنى موقفاً من القضية الفلسطينية على أنها سبب سوء أحوال العرب، والفلسطينيون لا يحترمون من يقف معهم كما لا يشكرونه، ولذا فالإسرائيلي بإمكانه تقدير الجهود وهو أحق بالوقوف إلى جانبه.
لطالما روّجت السعودية لما ادعت أنه «الخطر الإيراني» على المنطقة العربية، كما استثمرت القضية الفلسطينية وقدّمت نفسها مدافعا عنها، ومصوّرة المحتل الإسرائيلي في لباس الملائكة الحامين للإسلام وشبه الجزيرة، لكن هذه المرة تجاوزت ذلك إلى ما هو أكبر من وهم الخطر الإيراني وكشفت عن وجهها القبيح بكل صراحة، وألقت بتلك الادعاءات في مكبّ النفايات، وأصبحت تقدّم القضية الفلسطينية كحجر عثرة في طريق نماء وتطوّر وتقدّم الأمة العربية.
لقد كرّست السعودية كل جهودها من أجل خدمة العدو الصهيوني، وهي اليوم تتبنى موقفه وتساهم بأموال العرب في تنفيذ استراتيجيات التخدير والتأثير من خلال الخطاب البصري المقدّم عبر شاشات الهاتف والتلفزة، وصناعة الدراما والسينما التي يمكن أن تعيد بناء المواقف والآراء بما يخدم سياسة المحتل ويروّج لأفكاره الخبيثة الساعية إلى الإقرار بوجوب التطبيع مع الكيان الصهيوني من منطلق الوهم الذي يمكن تسميته بـ «الهولوكوست الجديد»، والوصول بالحال إلى التبرؤ من القضية الفلسطينية ومن ثم التخلي عن الدين والهوية والكرامة.
لعل أفضل حل في الوقت الراهن، هو الابتعاد عن تلك السموم التي تنفثها شاشات أمراء وملوك النفط، والانشغال بما يساعد على ترسيخ الوعي الحقيقي وتعزيز الهوية، كمراجعة تاريخ فلسطين والجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحق أبناء الأرض، ومواجهة حملات التضليل الممولة عبر وسائل إعلام المخابرات، واستغلال رمضان في التزوّد بمعرفة الله وطاعته والمداومة على قراءة القرآن الكريم، الذي حذّرنا الله فيه من الانخراط في ما أراده لنا أعداء الأمة، وكشف لنا حقيقة ما يجري من حولنا، وأمرنا بمواجهة حروبهم بمثلها، وهذه محطة يجب أن ينطلق من خلالها صنّاع الدراما المقاومة لمواجهة هذا التزييف والتضليل بدراما حقيقية تعالج كل الاختلالات التي صنعتها الحرب الناعمة للأعداء في مجتمعاتنا.

قد يعجبك ايضا