تقاسم الأطباء رسوم العمليات والخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية.. جريمة وفساد

عبدالرحمن علي الزبيب
الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية يفترض أنها مجانية لجميع أفراد الشعب بدون تمييز ولا استثناء باعتباره حقاً إنسانياً ودستورياً، حيث نص الدستور اليمني في المادتين ( 55و56) على:
المــادة(55): الرعاية الصحية حق لجميع المواطنين وتكفل الدولة هذا الحق بإنشاء مختلف المستشفيات والمؤسسات الصحية والتوسع فيها وينظم القانون مهنة الطب والتوسع في الخدمات الصحية المجانية ونشر الوعي الصحي بين المواطنين.
المــادة(56): تكفل الدولة توفير الضمانات الاجتماعية للمواطنين كافة في حالات المرض أو العجز أو البطالة أو الشيخوخة أو فقدان العائل كما تكفل ذلك بصفة خاصة لأسر الشهداء وفقا للقانون.
والواقع مخالف لنصوص الدستور بشكل كبير جداً حيث يتم فرض مبالغ مالية كبيرة على المواطنين للحصول على الخدمات الطبية وإجراء العمليات الجراحية في المستشفيات الحكومية، وبدلاً من تطبيق نصوص الدستور والتوسع في الخدمات الصحية المجانية يتم العكس من ذلك برفع ومضاعفة رسوم الخدمات الصحية ليس من أجل رفد الخزينة العامة بالإيرادات، بل من أجل تقاسم رسوم العمليات الجراحية وجميع الخدمات الطبية ويتم تجنيبها في صناديق المستشفيات الحكومية وصرفها بشكل مباشر في مخالفة للقانون الذي يوجب توريدها للخزينة العامة وعدم صرفها بشكل مباشر.
بسبب هذا الخلل يقبع الآن في منازلهم عشرات الآلاف من المرضى يكابدون آلام المرض، والبعض يموت في منزله، لعدم قدرته على دفع رسوم العمليات الجراحية اللازمة له، لعدم قدرته على دفع رسوم الفحوصات والخدمات الطبية والأدوية بالرغم من أن الدستور يؤكد على مجانيتها ولكن من يلتزم بالدستور في وطني؟!
نحن لسنا ضد تحسين أوضاع الأطباء والكوادر الطبية المساعدة لهم، ونؤكد أن على الدولة مسؤولية الاهتمام بهم ورفع مستواهم ومنحهم أراضٍ ومساكن مجانية على حساب الدولة ورفع مرتباتهم ومستحقاتهم المالية ليتفرغوا للقيام بواجباتهم الدستورية والقانونية في تقديم الخدمات الطبية وإجراء العمليات الجراحية لجميع أفراد الشعب في كافة المحافظات مجاناً وفقا للدستور، وقطع أي مبررات غير قانونية لا يبرر انخفاض مستحقات الأطباء وتحولهم إلى مقاولين لأوجاع المرضى.
يعود تقاسم الأطباء لرسوم العمليات الجراحية والخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية إلى قبل حوالي 15 عاماً تقريباً، حيث قدَّم الأطباء مطالبة بإضافة بدل مالي في كشف الراتب لرفع مرتباتهم وتم الاجتماع مع رئيس الوزراء في حينه إذ تم مناقشة الموضوع من كل الجوانب وخلصوا إلى الاتفاق على مخالفة القانون والدستور، وبدلاً من إضافة نسبة محددة في رواتب الأطباء مثلاً 50% من الراتب الأساسي وإضافتها لهم في كشف الراتب لتحسين أوضاعهم وتحفيزهم على أداء أعمالهم تم مخالفة الدستور واختراع كارثة خطيرة وتحميل المواطن الفقير دفع مبالغ للأطباء وتخصيص نصف الرسوم تقريباً لصالح الأطباء يتم تجنيبها في المستشفيات وصرفها لهم بشكل مباشر في مخالفة للدستور والقانون والنظام المالي الرسمي.
ومنذ ذلك الاتفاق الأسود والرسوم في المستشفيات الحكومية تتضاعف لتحقيق مصالح الأطباء على حساب المواطن الضعيف الفقير، وتم تقليص هامش الإعفاءات من الرسوم للمواطن الفقير حتى صار من المستحيل إعفاء المواطن الفقير من رسوم العمليات الجراحية والخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية، حتى لو حصل وتم الإعفاء لا يستطيع المواطن الفقير الحصول على طبيب في المستشفى الحكومي لإجراء عملية جراحية أو تقديم الخدمات الطبية له ويتم تقاذفه مثل كرة القدم وكل طبيب يتنصل ويتهرب من القيام بواجبه القانوني والدستوري .
وكلما يطرح هذا الموضوع للنقاش يتم التبرير بأن الرسوم في المستشفيات الحكومية أقل من المستشفيات الخاصة وهذا مبرر غير مستساغ، فالخدمات الطبية ليست مشروعاً اقتصادياً استثمارياً بل هي خدمة وواجب إنساني.
حتى القطاع الخاص والمستشفيات يفترض أن تقدم خدماتها الطبية بمبالغ مخفضة ومعقولة بعيداً عن التجارة والاستثمار، حيث نصَّ الدستور على إلزامية إسهام المجتمع مع الدولة في توفيرها إذ نصت المــادة (32) من الدستور على:
(التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية أركان أساسية لبناء المجتمع وتقدمه يسهم المجتمع مع الدولة في توفيرها).
فلا يبرر رفع رسوم العمليات والخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية ارتفاعها في المستشفيات الخاصة وانفلاتها بشكل خطير حتى خرجت عن إطار هدفها الإنساني وتحولت أمراض الشعب إلى فرص استثمارية وتجارية تستثمرها مستشفيات خاصة لا ضوابط لها ولا محددات لخدماتها الطبية يستوجب على وزارة الصحة القيام بواجبها الدستوري والقانوني وتعزيز الرقابة على المستشفيات الحكومية والخاصة على السواء وضبط أسعار خدماتها الطبية وتحديدها في سقوف محددة ومعقولة بحيث تكون متاحة لجميع أفراد الشعب وإلزام المستشفيات الحكومية بتقديم الخدمات الطبية وإجراء العمليات الجراحية للشعب مجاناً بدون رسوم باعتباره حقاً إنسانياً، وإلزام المستشفيات الخاصة بقوائم سعرية معقولة وموحدة على جميع المستشفيات ومتابعة الالتزام بها وتوضح فيها مبالغ محددة وبسيطة لتلك الخدمات بعيداً عن الجنون والانفلات الموجود حالياً ..
كما يستلزم على وزارة الصحة إلزام جميع المستشفيات الحكومية والخاصة باستقبال جميع الحالات المرضية دون دفع أي رسوم فمن كان في استطاعته يدفعها ومن لم يستطع يتم إعفاؤه منها .
وفتح ملفات تحقيق مع أي مستشفى عام أو خاص يرفض استقبال أي حالة مرضية أو يعطل ويماطل في تقديم الخدمة الطبية لها واتخاذ إجراءات رداعة ضد المتورطين في هذا العمل الإجرامي، بما فيها سحب ترخيص المستشفى الخاص نهائياً ومنع الأطباء المتورطين في هذه الجريمة من مزاولة مهنة الطب وسحب تراخيص عملهم نهائياً كونهم تجردوا من إنسانيتهم وتحولوا إلى مقاولين لمشاريع استثمارية، وتحولت أوجاع ومرض الفقراء إلى وسيلة لابتزازهم وسلب أموالهم وممتلكاتهم ومنعهم من الحصول على الخدمات الطبية إلا بعد دفع رسوم و مبالغ مالية طائلة.
قد يستغرب البعض من هذه المخالفة القانونية في تقاسم وصرف رسوم العمليات والخدمات الطبية، ولكن هذا هو الواقع المؤلم، وعند متابعة سبب ذلك الارتفاع بين كل فترة وأخرى يتم رفع تلك الرسوم ومضاعفتها ويبرر البعض بأن الأطباء شكلوا لجنة في المستشفيات الحكومية وقرروا رفع الرسوم وتلاحظ وجود تفاوت في رسوم العمليات والخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية، فتجدها في مستشفى حكومي بمبلغ، وفي مستشفى حكومي آخر بمبلغ أعلى، وتختلف من محافظة إلى أخرى وحتى في المستشفيات الحكومية في نفس المحافظة.
رفع رسوم العمليات والخدمات الطبية من قبل أطباء المستشفيات الحكومية وبشكل أحادي الجانب خطأ وتعسف ضد المواطن المريض الفقير الذي أوجب الدستور أن تكون الخدمات الطبية مجانية وليست برسوم مضاعفة تحقق فقط مصالح الأطباء المستفيدين من رفع الرسوم لرفع نسبهم غير الدستورية من تلك الرسوم وكلما ارتفعت الرسوم كلما ارتفعت النسب الخاصة بهم.
كما أن هذا الرفع غير دستوري، حيث يوجب الدستور صدور قانون من السلطة التشريعية بأي رفع لتلك الرسوم وأن تصرف الأطباء بهذا الأجراء ورفع الرسوم يجعل منهم مخالفين للدستور ومنتهكين لاختصاصات وصلاحيات السلطة التشريعية، حيث ينص الدستور في المــادة(13) على :
أ- (إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاؤها لا يكون إلا بقانون ولا يعفى احد من أدائها كلها أو بعضها إلا في الأحوال المبينة في القانون، ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم والتكاليف العامة إلا بقانون).
ب- (إنشاء الرسوم وجبايتها وأوجه صرفها وتعديلها والإعفاء منها لا يكون إلا بقانون).
ويجعل الأطباء مرتكبين لجريمة يعاقب عليها قانون العقوبات بالحبس ثلاث سنوات، إذ نصت المــادة (164) من قانون العقوبات على : (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل موظف عام له شأن في تحصيل الرسوم أو الغرامات أو العوائد أو الضرائب أو نحوها طلب أو أخذ ما ليس مستحقا أو ما يزيد على المستحق مع علمه بذلك فإذا استولى على ذلك لنفسه ولم يوردها للخزينة العامة يعاقب بالعقوبة المقررة في المادة (162).
وفي الأخير :
ننظم إلى بلاغ القاضي فهيم الحضرمي بخصوص جريمة رفض الأطباء استقبال ومعالجة الحالات المرضية المشتبة إصابتها بوباء كورونا والذي وجه النائب العام بالتحقيق الجنائي في هذه الجريمة ونأمل توسيع التحقيق ليشمل كافة المخالفات والجرائم التي ترتكب بشكل يومي في المستشفيات الحكومية وفي مقدمتها مقاسمه الأطباء رسوم العمليات والخدمات الطبية ومضاعفتها وتجنيبها في مخالفة للدستور والقانون الذي يؤكد مجانية الخدمات الطبية كاملة ويمنع فرض رسوم غير قانونية أو مضاعفتها بشكل مزاجي وأحادي دون صدور قانون من السلطة التشريعية.
كما نأمل التحقيق في الأسعار الجنونية للخدمات الطبية التي تقدمها المستشفيات الخاصة بسبب غياب الرقابة والمتابعة من وزارة الصحة عليها وعدم تحديد السقوف العليا للخدمات الطبية المقدمة منها وتوحيدها بقوائم سعرية محددة واتخاذ إجراءات رادعة ضد من يخالفها بما فيها سحب تراخيص تلك المستشفيات الخاصة بشكل عاجل ونهائي وإغلاقها وسحب تراخيص مزاولة مهنة الطب عن جميع الأطباء المخالفين لتلك الضوابط.
الأطباء ملائكة الرحمة وليسوا مقاولين لها.. الخدمات الصحية ليست مشاريع استثمارية.. وأوجاع المرضى ليست فرصاً استثمارية لتحقيق أرباح خيالية .. الخدمات الصحية يجب أن تعود إلى أصلها وحقيقتها “خدمات إنسانية مجانية” وإيقاف كل المخالفات والجرائم في القطاع الطبي وفي مقدمتها جريمة تقاسم الأطباء رسوم العمليات والخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية .. فذلك جريمة وفساد.. وهذا بلاغ إلى الجهات المعنية.
* باحث قانوني – اليمن

قد يعجبك ايضا