في أجواء اجتماعية مفعمة بالحماس والطفولة البريئة: صيام الأطفال في شهر رمضان ظاهرة سنوية لا تغيب في كل بيت

 

صيام الأطفال نهار رمضان ليس على وجه التكليف والوجوب وإنما على وجه التحبيب والترغيب
لا مانع من تشجيع الأطفال على الصيام حتى ولو يوم غير كامل وصولا إلى صيام اليوم كاملا عند سن البلوغ
لا يحبب صيام الأطفال الأقل من سن السابعة وفقا لأطباء التغذية العلاجية

لفت انتباهي ذلك الحرص والاهتمام الذي نلاحظه لدى الأطفال ذكورا وإناثا مع بداية حلول شهر رمضان الكريم من كل عام عندما يحرصون على منافسة الكبار في صيام أيامه غير مبالين بمشقة الجوع والعطش ، ومما لاشك فيه أننا عشنا هذه المرحلة ويلمسها الآن كل شخص في لبيت لدى أطفاله .. الحماس والاهتمام بالصوم الذي لحظته لدى براءة ابنتي وهي في سن العاشرة من عمرها مع صديقاتها من بنات الجيران وهن يعددن كل يوم مائدة الإفطار الجماعية شد انتباهي وقررت أن أحرر مادة صحفية عن هذه الظاهرة البريئة ، ما حكمها وأثرها النفسي والإيماني على الأطفال مستقبلا وانعكاساتها الاجتماعية والصحية.. فإلى التفاصيل:-
الثورة / أحمد المالكي

الطفل محمد ابوبكر المعلمي 11 عاما يقول: أنه يصوم كل يوم منذ بداية رمضان وأنه سيصوم الشهر كاملا كما صام رمضان العام الماضي كاملا حتى عيد الفطر، محمد يحرص كل يوم على الاستيقاظ لتناول وجبة السحور ، ويتشارك مع أهله وأسرته وجبة الإفطار كل يوم ، وهو يتلقى التجيع من والده ووالدته على الصيام ولا يجبرونه على الإفطار مطلقا ، ويقول إنه يشعر بالجوع خاصة أول أيام الشهر لكنه لا يفطر حتى يكمل صوم يومه وإن شعر بالجوع أو العطش لأنه تعود على ذلك منذ سنوات ويريد الأجر من الله.
براءة أحمد المالكي في ربيعها العاشر تؤكد على والدتها كل يوم بإيقاظها وقت السحور حتى لا يفوتها الصيام مع صديقاتها التي تتنافس معهن من سيكمل صيام كل يوم ، وهي قبل مغرب كل يوم تعد فطورها الذي ستتشارك به مع الصديقات عند أذان المغرب في فناء المنزل ،وبالتأكيد نحن لانجبر براءة على الصوم ولكننا نشجعها وأحيانا نجبرها على الإفطار خاصة عندما نراها تذبل كثيراً من شدة الجوع.
الطفلة سماء أيوب حميان تسع سنوات تحرص منذ بداية الشهر على الصيام وتنافس جويراتها في إكمال صيام اليوم ، لكنها تقول إنها تصوم إلى العصر في بعض الأيام وفي أحيان كثيرة تجبرها والدتها أو الجدة آمنة على الإفطار وتقول إنها شعرت بالجوع الشديد في أول يوم خاصة في آخر اليوم .
كذلك الطفلة آلاء صالح الحرازي في الثامنة من العمر تقول : إنها تصوم بعض الأيام وتتلقى التشجيع على الصيام من الأهل ، وتقول إنها لا تشعر بالجوع آخر اليوم الذي تصومه وهي تحرص كل يوم على مشاركة صديقاتها في الحارة مائدة الإفطار.
ومن المؤكد أنّ تحمَل مسؤولية الصيام ومشقّته تستوجبُ القدرة والاستطاعة الجسديّة والنفسية؛ لكي يتحقّق المقصد الشرعي من الصيام بشكلٍ عامّ، وصيام الأطفال بشكلٍ خاص، والمهم ألّا يُؤدّي الصوم بالطفل إلى الشدّة وبالتالي ألّا ينفر عن تلك العبادة فيكره تكاليفها،
إنّ الأطفال ليسوا مُؤهَّلين على تحقيق التكاليف والقيام بالصيام على النحو الشرعي التام لقول الرسول -صلّى الله عليه وآله وسلّم- في معنى الحديث الشريف: “رُفع القلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبي حتى يكبر”. الأطفال غير مكلَّفين شرعًا ولكنهم يُؤمَرون بالصوم إذا أطاقوه. حكم صيام الأطفال في رمضان مرهونٌ بدور الأهل في تربية أطفالهم التربية الحميدة والأخلاق الرفيعة، ثمّ التمرين والتعويد على الصيام، وهذا ينطبقُ على بقيّة الأحكام الشرعية والعبادات الواجبة. وبالتأكيد فإنّ عمل الصحابة -رضي الله عنهم- يدلّ على مشروعية استحباب أمر الصبية بالصوم، حيث كانوا يحثّون الصبيان على الصوم الجزئي أو الكليّ للتمرين عليه وذلك إذا أطاقوه، ولأنّ عمل الصحابة يدلّ على التوافق مع أوامر الرسول -صلّى الله عليه واله وسّلم- وتعاليمه، فبالتالي يكون فعل الصحابة -في تعويد الصبيان على الصيام- سُنّة من سنن النبي الكريم.
ومعظم الأمهات تحث أطفالهن على الصيام حتى ولو يوم غير كامل، وهناك من الأطفال من يصرون على الصيام، وفى ظل الحر الشديد، الدكتور طارق الشاذلي – استشاري التغذية العلاجية – لا يحبب صيام الطفل الأقل من 7 سنوات نهائيًا على أن يبدأ بعد ذلك في الصيام لجزء من اليوم حتى يصل إلى صيام اليوم الكامل في سن البلوغ.
ويؤكد الدكتور طارق أن “الله لم يفرض الصيام على الطفل إلا بعد البلوغ وذلك لحكمته بمعرفة جسم الطفل الذي لا يمكن أن يفرض عليه الصيام قبل سن 7 سنوات؛ حيث يجب تعويد الطفل على الصيام بالتدريج من خلال فترات صيام قصيرة، فمثلا يُفطر في الظهر ثم العصر وهكذا، حتى يكون قد اعتاد الصيام يومًا كاملا عند بلوغه، والذي يكون تقريبًا في سن 12 سنة”.
ويشرح الدكتور طارق السبب في ذلك قائلا:
“هناك بعض الأسر يأخذها الحماس وتفرح بأطفالها الذين يصومون، لكن من الناحية الجسدية فهو مجهود كبير خاصة في ظل الحر الشديد؛ حيث يفقد على إثره كمياتٍ كبيرةً من المياه في العرق والبول وهو في سن نمو لم تكتمل أعضاؤه لتتحمل، وهو ما يمثل خطورة على صحته”.
ويضيف: “يجب أن تحرص الأم على تقديم الغذاء المتوازن للطفل الذي يعوضه عن الصيام ويساعده على مقاومة العطش والجوع، ففي الإفطار يبدأ بحبتين من التمر ثم بكوب ماء وطبق صغير من الشوربة، ثم يقوم للصلاة حتى يعطى وقتًا للمعدة لترسل إشاراتٍ للمخ للتهيؤ لاستقبال باقي الإفطار، ثم يتناول بعد ذلك أي نوع من البقوليات كالفاصوليا مع 3 أو 4 ملاعق أرز، وأخيرًا أي نوع من البروتين سواء صدر فرخة أو قطعة لحم في حجم كف اليد، ومن المهم تناول الأسماك في أحد أيام الأسبوع الغنية بالأوميجا 3 “.
ويؤكد الدكتور طارق على أهمية تحكم الفرد في كمية الطعام التي يتناولها فيما بين الإفطار والسحور؛ لكى لا تصيبه التخمة قائلا:
“يستطيع الفرد أن يستغل الصيام في تنظيم طعامه وتقليل كمياته، الأمر الذي لا تعيه بعض الأمهات وتركز على جذب أبنائها بكميات كبيرة من الطعام ظنًا منها أنها تعوضه، لكن في الواقع نجد أن ساعات الإفطار ما بين المغرب والفجر توازى تقريبًا الساعات التي نأكل فيها في الأيام العادية؛ لذا يجب التركيز بعد الإفطار على السوائل، فعلى الأقل يجب شرب 8 أكواب من الماء، أما العصائر فيفضل أن يكون ليموناً أو تمراً هندياً أو كركديها دون سكر، ويجب الابتعاد عن المشروبات الغازية التي لا يستفيد منها الجسم.
وينصح بأنه لا يجب التركيز على الحلويات جميعًا، كما لا يجب أن تحرم الجسم من الحلويات، بل يجب صنع توازن عن طريق تناول الحلويات يومًا بعد يومٍ وبكميات قليلة لا تتجاوز قطعتين قطايف أو قطعة كنافة صغيرة.
ويؤكد أخيرًا أن الصيام يُزيل السموم من الجسم، ويُريح الجهاز الهضمى، كما أنه يزيد قلوية الدم الذي يرفع كفاءة معدل الخلية على الحرق، ونصح في نهاية حديثه الأمهات بعدم دفع الأطفال إلى الأكل أكثر من حاجتهم حتى لا يُصابون بالكسل والصداع والسمنة.
ووفقا لعلماء الدين فإن تكاليف الشريعة الإسلامية لا تَرِد إلا على البالغ العاقل؛ وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَن النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَن الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَن الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أبو داود. لذلك فإن صيام الطفل في نهار رمضان ليس على وجه التكليف والوجوب، وإنما على وجه التحبيب والترغيب، ويبدأ استحباباً من سن السابعة، كي يتدرب على التزام الشريعة والعبادة بالتدريج، حتى إذا ما كبر وبلغ وجد في نفسه الطواعية الكاملة للتقرب إلى الله سبحانه، وابتغاء الأجر والمثوبة.
ومن هنا يعرف الوالدان حقيقة مسؤوليتهما تجاه أبنائها، بتحبيب الصيام إلى نفوسهم، واستعمال وسائل الترغيب التي تعينهم عليه -كالجوائز المادية والدعم النفسي- وتعظيم المشاعر الرمضانية التي يحبها الصغار والكبار، ليكون الشهر الفضيل أحب إليهم مما سواه من الأشهر، وليعلم الأبناء أن الله عز وجل يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، وإنما يناله سبحانه التقوى من عباده، وأن الصيام ليس هو الامتناع عن الطعام والشراب فقط، بل أخلاق حسنة، ومعاملة كريمة، وتحمل للمسؤولية، وعناية تامة بالتربية والتعليم، وبهذا يتحقق المقصد الشرعي في صيام الأطفال.
روى الشيخان البخاري ومسلم عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها -في حديثها عن صيام عاشوراء وقد كان واجباً في صدر الإسلام- قالت: (فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ -أي الصوف-، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ).
فينبغي على الوالدين التوسط في صوم صبيانهم، فلا يكلفونهم ما لا يطيقون حتى يشق عليهم الصوم مشقة بالغة، فيصوم الصبي خوفاً من تعنيف الوالد أو السخرية منه إن أفطر، فتخور قواه حتى يلحقه العنت من ذلك.
وفي الوقت نفسه لا ينبغي إهمال الأمر وفسح أنواع الطعام والشراب لهم في نهار رمضان، بل يراعي الوالدان مقصد الصيام الذي ذكرناه آنفا، ويلاحظان أيضاً بُنْيَة طفلهما وعمره وقدرته على تحمل الصوم، وبناءً عليه يأمرانه إما بإتمام الصوم أو بالفطر درءاً للضرر.
والمهم ألا يؤدي الصوم بالطفل إلى الشدة، وألا ينفر عن تلك العبادة فيكره تكاليفها، ويكون الفهم الخاطئ لحديث (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ) سبباً للعسر والعنت، فقياس الصوم على الصلاة في هذا الحديث مقيد بإطاقة الطفل وتحمل بنيته.

قد يعجبك ايضا