عالم واحد

 

أحلام الدميني

مما لا شك فيه أن ما حدث بعد الثورة الصناعية التي حصلت في العالم بعد الحربين العالميَّتينِ الأولى والثانية، تسبب في حرب بيولوجية خفية، لم يكن العالم على علم بآثارها ونتائجها، ما جعله لم يخطط لمعرفة ماهي الآلية الضامنة لعودة الإنسانية والطبيعة إلى وضعهما المفترض والطبيعي للتعايش بينهما.
فظهرت نهضات صناعية وتكنولوجية مختلفة في كل المجالات، جعلت الإنسان يسابق الزمن ولكن دون اهتمام شامل بنتائج وآثار تلك الثورات الصناعية والتكنولوجية المتقدمة، فشهدنا ظواهر كونية كثيرة من خسوف وكسوف، وزلازل وبراكين وأعاصير وفيضانات، وأمراض وأوبئة، ومؤتمرات دولية متعلقة بالاحتباس الحراري والمناخ، إلى أن وصلنا إلى ظهور فايروس كورونا الذي لم يمهل البشرية والإنسانية، حتى تقوم بالتفكير والتخطيط والتنفيذ، وحتى تكون على استعداد تام لأخذ الاحتياطات الاحترازية والوقائية، والتدخل في الوقت المناسب للحدّ من انتشاره، وإيقاف آثاره القاتلة، وهو الوضع الذي نعيشه اليوم – للأسف – في أغلب بقاع الأرض.
لذلك كلما كانت العلاقة بين الطبيعة والبشرية، بمفهومها الإنساني، سَوِيَّةً حافظ كلٌّ منهما على الآخر. ومن الآليات والوسائل لتحقيق ذلك:
– عودة الشعوب إلى ممارسة الزراعة بالوسائل والطرق الحديثة عبر منظومة الطاقة المتجددة المختلفة، وغير الملوثة (شمسية، وهوائية، ومائية….الخ).
– ومن ذلك أيضا ما يتعلق بأخذ المعلومة من المتخصصين في هذا الوباء، سواء كانوا علماء أو مراكز أبحاث، أو أطباء، أو جهات رسمية في منظومة متكاملة بينت عند ظهوره- وبعد انتشاره في مختلف دول العالم- أننا أمام أبحاث عميقة، وتفاصيل ونقاش عالمي متعدد الأبعاد، بغية الوصول إلى علاج فعّال للمصابين بالفيروس، ولقاح يمنع انتشاره وتفشيه، وبالتالي فكلما كانت هناك فرق متخصصة ومؤهلة سواء من الجهات الرسمية أو الغير الرسمية، توحدت الرؤية حول التوعية بمخاطره، والوقاية منه، وسبل علاج المصابين به.
وقد بينت مؤشرات من مختلف دول العالم أن عامل الوعي والالتزام من قبل الشعوب كان له الدور الحاسم في الحد من عدد الإصابات؛ فحيثما كان هناك تنسيق ميداني من فرق مؤسسية ومجتمعية وشبابية في كل المحافظات والمديريات والأرياف، استطاعت الدولة بكافة أجهزتها المختلفة تحقيقَ الوضع الصحي المناسب والسليم؛ بترتيب وضعها الداخلي، وصياغة تصور متكامل ودقيق لمكافحة المرض، بعكس ارتباك بعض الدول، وانهيار قراراتها في تدبير جوانب حيوية مختلفة، اقتصاديا واجتماعيا….، ما جعل وباء كورونا يتفشى فيها، ويزهق الكثير من الأرواح، ويحدث نُدُوبا وجُرُوحا لن تندمل بسهولة.
لذلك، فالاستفادة من التجارب الإيجابية لبعض الدول في مواجهة الوباء ستفرض على كل شخص، كل مواطن ومواطنة، الحرص على مصلحة الوطن والمحافظة على مصلحة الأجيال القادمة في مواجهة أي حالة كساد أو ركود أو انهيار لقطاعات الدولة وأجهزتها المختلفة، فالمسؤولية هنا فردية وجماعية معا، وهي فرض عَيْنٍ لا فرض كِفَايَةٍ.
كل ما سبق ذكره من تحليل يجعلنا أمام ضرورة تخطيط مستقبلي مبكر لما بعد كورونا، والتي بينت أن المعيار الحقيقي للبشرية هي فطرتهم الإنسانية وليست توجهاتهم وأفكارهم وانتماءاتهم السياسية أو المذهبية أو المنطقية…
لذلك، كلما تم الاهتمام ببناء الإنسان، شكلا ومضمونا، توصلنا إلى الفطرة الإنسانية السليمة مع الطبيعة، التي تجعلنا نحن سكان الكرة الأرضية ملتزمين بالتوجُّه نحو المستقبل النظيف، والنقي من التدخلات البشرية المفرطة في عالم العولمة والتكنولوجيا الصناعية، ومن هذا المنطلق سنجد أن إنشاء أي نظام صحي شامل، سيكون له تأثير كبير في تقليص كل ما ترتب عليه من تراكمات وآثار ونتائج للأوبئة والأمراض في الماضي والحاضر، ليستحق كل إنسان حياة صحية إيجابية وجيدة تجعله يقدر قيمة الإنسانية والصحة للجميع.
ومن هنا نستطيع أن نبني اقتصادنا الوطني مستقبلا بناءً على تقييم شامل لما حدث للإنسان والطبيعة، لنستطيع أن نكون دولة متقدمة وعصرية دون ضرر بالإنسان والطبيعة؛ الأمر الذي يجعل ما تقوم به الدول، من برامج للحماية والأمان الاجتماعي، ناجحا ومتكاملا دون مضاعفات أو زيادة في نسبة الأمراض والفقراء والمحتاجين…الخ، وبذلك تتشكل لدينا شبكة ضمان اجتماعي تراعي مقومات ومعطيات وظروف كل دولة وشعب، وتظهر حلول جذرية تمنح الجميع الحقوق المدنية المتكاملة لحياة كريمة تليق بكرامة كل إنسان في أي مكان وزمان في العالم، ونكتشف أن حقيقة طاقة ومرض كورونا أنها ليست إلا فشلا بشريا وعالميا لما يقوم به الإنسان أمام الطبيعة، وتعكسه الطبيعة أمام الإنسان، ليقف العالم أمام إصلاح نفسه من الداخل.

قد يعجبك ايضا