رمضان شهر القرآن و أحب الشهور إلى الله

 

استقبال شهر رمضان المبارك يكون بالتسابق إلى فعل الخير والسمو بالأرواح، والارتقاء بها
شهر رمضان الكريم نستقبله خلال الأيام القليلة بالفرح بقدومه والاستعداد لإحياء أوقاته بالذكر والتسبيح والأعمال الصالحة

إن هذا الشهر العظيم يترك في نفوسنا الكثير من النفحات الإيمانية والمعاني الإنسانية الفريدة التي يتسابق فيها كل المسلمين لاغتنام الأجر.. فأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار .
اليوم نستعرض مع كوكبة من العلماء والمرشدين كيف نستقبل هذا الشهر العظيم وكيف نغتنم ساعاته وأيامه وما هي أعظم أبواب الطاعات وأكثر مغانم الأجر التي يتقرب بها العبد لربه.. فإلى الحصيلة:-
استطلاع/ أمين العبيدي

استهل العلامة محمد أحمد الأهدل -خطيب مسجد الإمام الحسين رضوان الله عليه- حديثه بقوله:
شهر رمضان هو شهر الصيام والعبادة، والتسابق إلى فعل الخير، وهو شهر السمو بالأرواح والارتقاء بها عن كلّ ما يلوثها ويكدرها وعن كل ما يعارض مفهوم التراحم والحب بين المسلمين الذين هم بالأصل “كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الجسد بالسهر والحمى” كما قال الرسول صلوات الله عليه وعلى آله.
وأضاف الأهدل بقوله: على المسلمين في كل بقعة من الأرض أن يستقبلوا هذا الشهر الذي هو من أعظم الشهور، كل في مجال عمله بتقوى الله بمعنى التقوى فعلى التاجر أن يختار أجمل بضاعته ويعطيها بأقل الأرباح وعلى العامل أن يتقن عمله وهكذا حتى يصلح حال الناس وكذلك بعد رمضان يستمروا على ما هم عليه من فعل الخير وتذكر الآخرة والعمل ابتغاء مرضاة الله بكل أساليب الحياة وطرقها المشروعة.
فالله تعالى قد شرع الصيام في هذا الشهر المبارك ليطهّر به أراوح العباد وكان آل البيت والصالحون رضي الله عنهم من هذه الأمة يفرحون اشد الفرح بقدوم شهر الخير وكانوا يدعون الله طيلة ستة أشهر أن يبلغهم رمضان وطيلة الستة الأشهر الأخرى أن يتقبل منهم ما صاموا وقدموا من خير وأعمال صالحة، أما رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه كان إذا دخل شهر رمضان شد مئزره وأيقظ أهله استعداداً للعبادة وفرحاً بها، وأشار الأهدل بقوله: إن رمضان مدرسة إيمانيه لا يخسرها إلا فاشل وخاسر ومغبون في الدنيا والآخرة ..
وأما عن اغتنام كل لحظة من هذا الشهر المبارك وما هي أعظم أبواب الخير والطاعات، فيقول الأهدل: تتنوع العبادات والطاعات والأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد لربه طمعاً في بلوغ ثوابه وكسب رضوانه، فمن أعظم هذه الإعمال وأشدها حبا لله هو الجهاد في سبيل الله ودعم المجاهدين بكل ما يمكن من دعم بالرجال والمال والدعم الحسي والمعنوي وعلينا أن نعلم ان اكبر فتوحات المسلمين كانت في رمضان وأول معركة في الإسلام هي غزوة بدر الكبرى التي كانت في رمضان فما من خير أعظم من الجهاد في هذه الأيام وهذا الشهر الذي هو من أحب الشهور إلى الله..
وأشار العلامة الأهدل إلى أن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب أخيك المسلم في تفقد حاجته، فقد قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن من بات شبعاناً وجاره جائع وهو يعلم” وقال عليه الصّلاة والسّلام: (أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفعُهُمْ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ، أو تَكشِفُ عنهُ كُربةً، أو تَقضِيَ عنهُ دَيْنًا، أو تَطرُدَ عنهُ جُوعاً ولَأَنْ أمْشِيَ مع أخِي المسلمِ في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ من أنْ أعتكِفَ في المسجدِ شهْراً، ومَنْ كفَّ غضَبَهُ، سَتَرَ اللهُ عوْرَتَهُ، ومَنْ كظَمَ غيْظاً، ولوْ شاءَ أنْ يُمضِيَهُ أمْضاهُ ، مَلأَ اللهُ قلْبَهُ رضى يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أخيهِ المسلمِ في حاجَتِه حتى يُثْبِتَها لهُ، أثْبتَ اللهُ تعالَى قدَمِه يومَ تَزِلُّ الأقْدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ لَيُفسِدُ العملَ، كَما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ).
ومن الأعمال الصالحة التي تشرح القلوب وتزيد من الإيمان زيارة الأرحام والمرضى والجرحى الذين فقدوا أجزاء من أجسادهم في سبيل أن تعيش أنت وأنا في أمان وتقديم الدعم النفسي والمعنوي لهم فقد ورد في الحديث القدسي: (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يومَ القيامةِ: يا ابنَ آدمَ مرِضتُ فلم تعُدْني، قال: يا ربِّ كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أنَّ عبدي فلانًا مرِض فلم تعدْه، أما علمتَ أنَّك لو عدتَه لوجدتني عنده؟ يا ابنَ آدم استطعمتُك فلم تُطعمْني، قال: يا ربِّ وكيف أُطعِمُك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أنَّه استطعمك عبدي فلانٌ فلم تُطعِمْه، أما علمتَ أنَّك لو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي، يا بنَ آدمَ استسقيتُك فلم تَسقِني قال: يا ربِّ كيف أسقِيك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلانٌ فلم تَسقِه، أما إنَّك لو سقَيْتَه وجدتَ ذلك عندي).
واختتم الاهدل حديثه بالقول: على الأغنياء أن يحسوا بجوعهم في نهار رمضان بإطعام الفقراء والإحسان إليهم، ففعل الخير يقي مصارع السوء والصدقة تطفئ غضب الرب وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ينفق نفقة من لا يخشى الفقر ولنا في رسول الله قدوة وأسوة حسنة.
أما الأستاذ معاذ عبدالخالق السراجي -خطيب مسجد عبدالله بن مسعود فيقول: نستقبل رمضان الفضيل وكلنا شوق وفرح وسرور، نستقبل شهر القرآن شهر الرحمة شهر المغفرة شهر العتق من النار شهر فيه ليلة أحب وأفضل من ألف شهر عند الله، من حرمها فقد حرم الخير كله، شهر يقول عنه سيد الخلق صلى الله عليه وعلى آله: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
أما عن كيفية استقبال المسلم لهذا الشهر فيقول السراجي: يستقبله المسلم، أولاً: بإصلاح النية الخالصة بأن صيامه وقيامه وفعل الخير فيه لله الواحد القهار وحده لا شريك له ولا ند له .. ثانياً: بترتيب نفسه وجدولة أعماله حتى يستغل كل ثانية ويحرص على تفريغ نفسه إذا أمكن من كل الأعمال الدنيوية ويجعل حياته في رمضان كلها ربانية .. ثالثاً: الحرص على قراءة القرآن بتمعن وتفكر واستشعار عظمة أن الله يخاطبك يا ابن آدم من خلال القرآن العظيم.. رابعاً: العزم والعزيمة النفسية على أن تجعل رمضان محطة لتغيير نفسيتك، بمعنى المدخن يجعل من رمضان فرصة لأن يمتنع عن التدخين ويجعل منه محطة للتغيير وهلم جرا في مختلف الأشياء غير المرغوب بها، فرمضان مدرسة لتغيير النفس للأفضل، فويل لمن لم يدرك رمضان ولم يغفر له.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا حلّ ودخل شهر رمضان المُبارك يحكي لصحابته الطيبين الطاهرين رضوان الله عليهم: (أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مبارَك، فرَضَ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ عليكُم صيامَه، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)وكانَ رسولُ اللهِ إذا رأى الهلالَ قالَ: «اللهُ أكبرُ، اللَّهمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمنِ والإيمانِ ، والسَّلامةِ والإسلامِ ، والتَّوفيقِ لما تحبُّ، وَترضَى ، ربُّنا وربُّكَ اللهُ»..
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن.. ولقد كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
إن رمضان شهر الخير بكل أنواعه، ففيه نزل القرآن واختاره الله ليعود فيه الإنسان لربه فهو محطة سنوية لتطهير النفس والرجوع فيه إلى الله.
وأشار السراجي إلى أن استقبال رمضان يكون بفتح صفحة بيضاء مشرقة مع الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة، فقد كان رسولنا وحبيبنا يتوب إلى الله في يومه سبعين مرة وقيل مائة مرة والله تعالى يقول: :«اِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » وقال الله تعالى :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ»، وقال عز من قائل :«إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا النساء »، وقال سبحانه :« وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ».
وفي ختام حديثه دعا الأستاذ السراجي كل مؤسسات الدولة والتجار والميسورين وأصحاب رؤوس الأموال والصالحين إلى المساهمة في دعم أهلهم وإخوانهم وان يكون في أموالهم شيء معلوم للجبهات ولأسر الشهداء وان يتم تفعيل السلة الخيرية لكل المحتاجين في ارض اليمن وللسائل والمحروم ولو بشيء يسير حتى ولو بشق تمرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، فكل من له مال فليعد به على من لا مال له ..

قد يعجبك ايضا