الرؤيــة الوطنيـــة.. التحدي الأكبر
*محمود عبدالقادر الجنيد
“إن التضحيات التي قدمت في مواجهة العدوان أفضت إلى استعادة القرار السياسي والتحرك في إطار الحضارة والهوية الإيمانية للاستفادة من المقومات والقدرات التي تميز اليمن عن غيره من البلدان”.
لقد عاش اليمن لفترة طويلة وهو يُدار بواسطة الأزمات وحاولت أنظمة دول العدوان بكل الوسائل تفكيك الشعب اليمني والسيطرة على قراره ومقدراته حتى شنت عدوانها الذي انكسر أمام صمود وبسالة الأبطال في الجبهات، ونحن اليوم نعيش مرحلة غير المراحل السابقة تماماً فنحن نخوض تحديات كبيرة وبدأنا نشعر بالثقة بالنفس وبدأنا نسير في صياغة رؤانا دون آية وصاية أو تدخلات خارجية بينما كل الاستراتيجيات التي كانت تفرض علينا في المراحل الماضية كانت عبارة عن توجهات دولية وتوجهات للبنك الدولي والدول المانحة بينما نحن الآن نخطط وفقاً لرؤية وطنية خالصة ولا توجد أي تدخلات خارجية ولذلك مثلما تحققت الكثير من الإنجازات في تطوير منظومة السلاح الجوي والقوة الصاروخية والطيران المسير بأياد يمنية فنحن قادرون على خوض معركة البناء والتنمية وبنفس العزيمة والإرادة وبقدرات وأياد يمنية.
لذلك كان إطلاق القيادة السياسية للرؤية الوطنية في هذه المرحلة ضرورة فرضتها جملة من المؤثرات الداخلية والخارجية وعلى رأسها العدوان واستهدافه كافة المقدرات والإمكانيات الاقتصادية، فالرؤية الوطنية عبارة عن مشروع وطني وخارطة طريق لبناء الدولة اليمنية الحديثة وتُمثل البداية الحقيقية للنهوض بالوطن في كافة المجالات وتجاوز التحديات التي فرضها العدوان والحصار، وقد تضمنت الرؤية الوطنية 12 محوراً شملت المصالحة الوطنية ونظام الحكم والتنمية والاقتصاد والتعليم والصحة والأمن والدفاع وأيضاً مجال التنمية الإدارية.
وقد حرص المكتب التنفيذي للرؤية الوطنية على تأهيل كافة القيادات الإدارية سواء شاغلي الوظائف العليا أو الوحدات التنفيذية على كافة المستويات المركزية والمحلية خصوصاً حول مفهوم التخطيط الاستراتيجي القومي وأهميته في تنفيذ الرؤية الوطنية.
فتحوُّل مؤسسات الدولة نحو اعتماد التخطيط الاستراتيجي القومي سيحقق نقلة نوعية في تبني الاستراتيجيات الطموحة وأهداف التنمية المنشودة كأهم مرتكز للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة.
وتحقيق التخطيط القومي الاستراتيجي يتطلب وجود مفاهيم متكاملة في المجالات السياسية والاقتصادية، والثقافية والعسكرية إلى جانب مفاهيم الأمن القومي وأمن الإنسان بما يساهم في تحقيق التناغم والتكامل للنشاط الوطني.
ويعد التخطيط الاستراتيجي إحدى أهم أدوات الإنجاز الحقيقي خلال المرحلة الراهنة لاستشراف المستقبل ومواجهة التحديات التي تتطلب التعاطي معها لبناء رؤى وخطط استراتيجية فعالة تحقق للمؤسسة والمجتمع ما يصبوان إليه.
إن الآثار السلبية والتداعيات الناتجة عن تحديات المرحلة الراهنة تتطلب من الجميع استشعار المسؤولية في المساهمة الفاعلة والالتفاف حول مضامين الرؤية الوطنية للخروج من الأزمة الناتجة عن العدوان والحصار ويجب أن يدرك الجميع أن جملة التحديات التي تواجهها بلادنا اليوم كبيرة والرؤية الوطنية تمثل خارطة طريق للتغلب على هذه التحديات.
فالظروف التي يمر بها اليمن جراء العدوان والحصار الاقتصادي تتطلب تكاتف الجهود وتكاملها بما يحقق التقدم والوفاء لدماء المرابطين الذين يُسطرون أروع صور التضحية في سبيل الدفاع عن عزة واستقلال وسيادة اليمن، وأن ما تقوم به مؤسسات الدولة المركزية والمحلية من مهام وواجبات في عمليات البناء يمثل الرديف للانتصارات التي يحققها أبطال الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات، وما يقوم به العاملون في مؤسسات الدولة من جهد لتحقيق الصمود المؤسسي والصمود الاقتصادي لا يقل أهمية عن المعركة العسكرية، فكل مؤسسات الدولة اليوم أمام تحد حقيقي ومعركة مصيرية للإنطلاق نحو التنمية المنشودة.
والخطة المرحلية الأولى للرؤية الوطنية خطة تأسيسية لمرحلة البناء المقبلة وتنفيذها هو المعيار الحقيقي لأداء الحكومة خلال العام 2020م.
ويجب على الوزارات في هذه المرحلة التفاعل بإيجابية في إعداد الخطط الخاصة بتنفيذ المرحلة الأولى من الرؤية الوطنية والتحرك الجاد من قبل الوزراء للبدء بالتنفيذ الفعلي لمضامين خطة الصمود والانعاش الاقتصادي، كما يجب على الوزراء الإشراف المباشر على الوحدات التنفيذية التي تم تشكيلها في الوزارات والموكل إليها تنفيذ الخطة المرحلية الأولى التي يتوجب إنجازها وفقاً للبرامج الزمنية المحددة لها.
ويجب على مؤسسات الدولة التعاطي والتنفيذ الإيجابي لكل المبادرات والمشاريع ومتابعة ورصد وتقييم الخطة وأنشطتها في إطار تعزيز مسار التحول الذي يتطلع إليه الشعب اليمني، وضرورة توسيع المشاركة وتوحيد نماذج المتابعة والرصد والتقييم بما يكفل الأداء المتميز في التنفيذ وتحقيق افضل النتائج.
وهناك آلية خاصة لمتابعة ورصد وتنفيذ الخطة المرحلية الأولى على اعتبار أنها الزامية لكل مؤسسات وقطاعات الدولة وليست اختيارية.
ويجب أن يكون العقل الجمعي في الدولة في حالة اتساق وتكامل وبناء مستمر لقدرات القيادات التنفيذية والإدارية والقيادات العليا لتحسين المعرفة وتنمية المهارات وبناء منظومة تدعم التحول نحو آفاق المستقبل.
ولدى وحدات السلطة المحلية مساران لتنفيذ الخطة المرحلية (الأول) تنموي يتعلق بالمشاريع و(الآخر) اجتماعي يستنهض المجتمع ويعزز من الصمود والتماسك المجتمعي من خلال عدد من الأنشطة والفعاليات.
ولقد أعطينا الأولوية في تخصيص النفقات التشغيلية للجهات شحيحة الإمكانيات بما يتوافق مع حجم نشاطها ويُمكنها من تنفيذ أنشطتها التي وردت في الخطة.
وكان من الأهمية وجود خطة إنسانية تنموية تساعد في تحويل جزء من المساعدات الدولية نحو القضايا التنموية وتعزيز القدرات الإنتاجية وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني.
لذلك عملنا مع الأمانة العامة للمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية على وضع خطة للاستجابة الإنسانية التنموية 2020م تكوَّنت من محورين الأول: قضايا الاستجابة الإنسانية، والثاني: القضايا التنموية، لذلك يجب تنسيق الجهود بين الجهات المسؤولة عن عملية التخطيط الإنساني والتنموي بما يحقق غايات المجتمع وتطلعاته.
وفي الأخير نقول لكل العاملين، قيادات وكوادر إدارية في كل مؤسسات الدولة، إننا اليوم – معنيون أكثر من أي وقت مضى – بالوفاء لهذا الشعب الأبي الصابر الصامد، الذي قدم فلذات أكباده للدفاع عن هذا الوطن. وأمامنا مسؤوليات كبيرة يجب أن نقوم بها، وأن نتحمل مسؤولياتنا بالشكل المطلوب، فشعبنا يتطلع اليوم إلى بناء واقعه، وسيكون المواطن إلى جانب كافة مؤسسات الدولة إذا ما شعر بأن الجميع يعمل لمصلحة الوطن ويعمل لمصلحة هذا الشعب.
ورسالتنا للمواطن اليمني الذي أضحى اليوم أكثر وعياً بالواقع وأكثر وعياً بالمعركة التي يخوضها في استعادة الاستقلال والكرامة والسيادة والمصير، أن يكون هو، بل المجتمع كافة ومنظماته ومؤسساته، هم الرقابة على أداء أجهزة الدولة، وأن يتفاعلوا مع مشروع بناء الدولة، فالشعب هو صاحب الحق في الحصول على الخدمات، وهو الساحة التي تصب في مصلحته المشاريع والخطط المقدمة من كل وزارات ومؤسسات الدولة.
كما نثمن جهود القائمين من المدربين والميسرين وقيادات وكوادر المعهد الوطني للعلوم الإدارية على البرنامج التدريبي لمسؤولي الوحدات التنفيذية في المحافظات الذي يهدف إلى توحيد المفاهيم والمصطلحات الخاصة بالتخطيط الاستراتيجي المدروس الذي اعتمدته الرؤية الوطنية، ونشيد بتفاعل المشاركين من مختلف الجهات وما تمخض عن البرنامج من خطط لتنفيذ المبادرات ومتابعة تقييم عملية التنفيذ.
* نائب رئيس الوزراء لشؤون الرؤية الوطنية – رئيس المكتب التنفيذي للرؤية الوطنية