“الصليف”: معالم تاريخية وأثرية مهملة.. ومقومات سياحية بحاجة للإهتمام


تعد مديرية الصليف الساحلية من أهم وأقدم مديريات محافظة الحديدة وذلك لما تتمتع به من موقع جغرافي متميز وحضور تاريخي شاهد على الدور الذي لعبته هذه المديرية وأبناؤها لمواجهة العديد من حملات الغزو البريطاني والبرتغالي في بدايات القرن المنصرم .. ويعد ميناء الصليف هو أحد الموانئ التي اعتمدت عليها الدولة اليمنية قبل وبعد ثورة سبتمبر .. فالميناء كانت محطة مهمة لاستقبال البضائع التي تحملها السفن الآتية من جنوب شرق آسيا والهند وباكستان ليتم إنزالها في الصليف ومن ثم يتم إرسالها إلى الدول العربية القريبة لبيعها .. كما أن مديرية الصليف تعد من أغنى المناطق بمناجم الملح والجبس والذي اكتشف في بدايات القرن الماضي وأصبح له حضوره العالمي ..
إلا أن مديرية الصليف اليوم لم تعد كما كانت قبلة للتجار ومركزاٍ للمخزون من الملح والجبس فأبناؤها يعانون اليوم من غياب الخدمات وإهمال الدولة وإقفال شركة إنتاج وتصدير الملح والجبس والتي أغلقت بسبب إهمال الدولة وعبث الفاسدين وتآمر الناهبين على مناجمها التي تعرضت للسطو..
على بعد ما يقرب من 80 كيلو متراٍ من مدينة الحديدة عاصمة المحافظة وعلى الخط الساحلي شمالا تقع مديرية الصليف والتي هي عبارة عن شبه جزيرة حيث والمياه محيطة بالصليف من 3 اتجاهات ويزيد .. كما أن ما يميز الصليف هو قربها من جزيرة كمران أو ما كانت تعرف سابقا بجزيرة ( قمران ) بمسافة تقدر بـ 3 أميال بحرية ذلك الموقع الجغرافي المهم الذي جعل من الصليف مركزاٍ تجاريا ومحطة تحكم  بحري  كما يبلغ عدد سكان الصليف 7 آلاف نسمة يتوزعون على قراها مثل ( قرية بني حسين وقرية الصليف عاصمة المديرية وقرى بني سالم والجبل ورأس عيسى (وهي المنطقة التي يوجد بها أنابيب النفط الممتدة من مأرب) إضافة إلى قرى أخرى على طول الشريط الساحلي التابع لمديرية الصليف ..
وجود الصليف على الخط البحري  وامتلاكها لميناء بحري هو الأقدم على الإطلاق جعلها مستهدفة من كل الحملات الغازية على اليمن والتي كانت تعتبر أن مديرية الصليف وأبناءها حجر عثرة أمام دخولهم إلى البلاد ففي العام 1915م – 1333هـ استهدفت مدافع الاحتلال البربطاني قرى الصليف بكاملها وأصابت البشر والمساجد والقرى إصابات مباشرة ونتيجة لذلك القصف الكثيف الذي تعرضت له مديرية الصليف في حينها نزح الكثير من أبنائها إلى المناطق الجنوبية في مدينة الحديدة مثل الدريهمي والمنصورية وبيت الفقيه والتي ما زال فيها قرى تعرف إلى الآن بقرى الصليفيين .. وهي نسبت إلى أبناء الصليف التي استوطنوا فيها ..
لم يكن  ذلك الاستهداف هو الوحيد لهذه المنطقة فقد تعرضت الصليف لحملات آخرها كان أقواها  ما حصل في 22 من شعبان 1335هـ الموافق 1917م من قبل القوات البريطانية والتي كانت تتخذ من جزيرة كمران موقعاٍ عسكريا لها تستهدف من خلاله وبشكل دائم منطقة الصليف ..
وقد كشف أرشيف التاريخ عن نهضةُ صناعية نشأت مابين القرنين السابع عشر والثامن عشر في تهامة في مجال التنجيم واستخراج مادتي الملح والجبس وذكر المؤرخ الإيطالي ج-دانتي  في كتابه “العربية ليست السعيدة” أن خط السكة الحديدي الذي ربط اللحية والمنيرة بمنطقة القبا وميناء الصليف كان من أعظم الخطوط.. الأمر الذي أدى إلى تطور التجارة وازدهارها في القرى والمناطق المحيطة بها وظل ذلك النمو الاقتصادي بعد الثورة في تنامُ مستمر حتى أن شركة إنتاج وتسويق الملح والجبس كانت تمول مشاريع المؤسسة العامة للنفط وشركة النفط بعشرات الملايين من الدولارات
حين تغرق مهنة الصيد
لا يعرف أبناء الصليف من ممارسة الأعمال منذ ما يزيد على قرن سوى مهنة الاصطياد والتي تعتبر المهنة الأساسية التي ورثوها عن الآباء كما هو الحال مع أغلب المناطق الساحلية في محافظة الحديدة .. لكن عملية الاصطياد لأبناء الصليف تتمحور بشكل مركز على ( الجمبري والحبار ) وهي من الأسماك البحرية غالية الثمن والمتواجدة في المياه القريبة من المديرية ولهذا يعد الصيادون في الصليف من أكثر الصيادين بيعاٍ لأسماك الجمبري والحبار إلا أنه وبسبب ما يتعرض له البحر الأحمر ( كما يقول صيادوا الصليف ) من عملية جرف مستمر من قبل السفن الأجنبية العملاقة والتي عمدت على الإضرار بالأسماك وجرفه الأمر الذي أدى للقضاء على كثير من المخلوقات البحرية والتي كانت فيما سبق يمتلئ بها البحر الأحمر لكنها اليوم قلما توجد..
كما أن الدولة هي الأخرى ما تزال غائبة عن الاهتمام بأبناء الصليف من الصيادين ودعمهم وتوفير الاحتياجات الخاصة بعملية الاصطياد .. ناهيك عن أن الجمعيات السمكية هي الأخرى لا تقوم بدورها في دعم هؤلاء الصيادين والذين يتحولون إلى طوابير البطالة بمجرد أن تطال الأعطال قواربهم البحري ..
مناطق أثرية ومتنزهات طبيعية
ربما لا يعرف الكثيرون عن الصليف وما تمتلكه من معالم أثرية ومعالم طبيعية لا توجد في أي منطقة في اليمن فمديرية الصليف أو جزيرة الصليف كما يحلو للبعض تسميتها يوجد بها العديد من الكهوف وأشجار المنجروف الخالبة للعقول ومناطق تندر في غير الصليف .. ففي مديرية الصليف يوجد أكبر مناجم الملح والجبس والتي اكتشفت في بداية القرن المنصرم بجوار تلك المناجم كما يوجد فيها قلعة عثمانية قديمة يقال إنها بنيت في نهاية القرن الثامن عشر في الحملة العثمانية الأولى .. كذلك يوجد بجوار هذه القلعة فنار عثماني قديم يعني بإرشاد المسافرين في البحر لتزويدهم بالمؤن .. وفي شمال الصليف وعلى أطرافها يتوزع أمامك أشجار المنجروف الجميلة في ساحل (حرفة) والذي هو عبارة عن لسان بجري ممتد بمسافة طويلة وسط البحر .. ساحل الحرفة يوجد به كهوف عديدة لم يكتشف البعض منها أو إلى أين يؤدي .. كما يوجد في الصليف منطقة تعرف ( غْب كنوة ) وهو مركز ومرفأ طبيعي لإصلاح السفن التقليدية (الصنابيق – الجلبات – الفيبرات البحرية ..) وعلى الطرف الجنوبي من عاصمة المديرية وعلى الشريط الساحلي توجد منطقة رأس عيسى وهي المنطقة التي يتم تصدير النفط منها وهي منطقة تتميز بمياه البحر النظيفة وشاطئها الجميل ولذا فهي تستهوي الكثير من محبي الغوص .. ومناطق أخرى كثيرة ومواقع أثرية ومعالم تاريخية لم يتسع لنا الوقت لزيارتها ..
 وعلى الرغم مما تمتلكه هذه المنطقة من ثروة أثرية وتاريخية وموقع جغرافي بحري إلا أن الدولة ما تزال غافلة كما يقول أبناء هذه المنطقة في الاهتمام بتلك المواقع والاستفادة من مديريتهم في الجانب السياحي لتصبح مقصداٍ للسياحة الداخلية والخارجية الوافدة في حال تم الاعتناء بها .. فهي تمتلك من المقومات السياحية ما لا تمتلكه أي منطقة أخرى ناهيك عن موقعها البحري والقريب من جزيرة كمران والتي ( كما يقول الأهالي ) تصلحان أن تكونا منطقة سياحية مشتركة ..
بل إن الدولة وكما يقول الأهالي لم تكلف نفسها النزول لمعرفة هذه الآثار والمعالم وتاريخها كون ذلك يعد جزءاٍ مهماٍ من عمل الدولة والتي يناط بها معرفة الإرث التاريخي للمناطق ..
الكهرباء دخان ولا خدمة
على مقربة من منطقة الصليف وخاصة منطقة رأس عيسى بمسافة تصل إلى حوالي عشرة كيلو مترات تقع محطة رأس كثيب وهي المحطة التي يتم من خلالها تزويد العديد من المحافظات بالطاقة الكهربائية عبر التحكم المركزي .. وبالرغم من أن هذه المحطة وغيرها من الخدمات التابعة للدولة مثل مصافي النفط بنيت على أراضي المواطنين الذين لم يعوضوا حتى اللحظة ومع ذلك فالمواطنون في منطقة رأس عيسى والعديد من مناطق الصليف لا يزالون محرومين من خدمة الكهرباء فهم لا يعرفون من محطة رأس كثيب سوى أعمدة الدخان التي تتصاعد ليلا ونهارا لتصيب مياههم بالأوساخ وأشجارهم بالمخلفات .. كما يرون تلك الكابلات الخارجة من وسط منطقتهم لتصل إلى مناطق أخرى في محافظة تبعد عن المحطة بمئات الكيلوا مترات بينما هو ما زالوا يرزحون في الظلام الدامس ليلا ويكتون بطقس حار نهارا ..
وبالرغم من المناشدات والرسائل وحتى الاعتصامات التي ينفذها أبناء منطقة رأس عيسى ( مديرية الصليف ) إلا أنه لم يستجب لمطالبهم أحد .
ويستغرب الأهالي عن صم الدولة آذانها لمطالب هؤلاء بالرغم من وجود المحطة في إطارهم ربما كما يقولون لأنهم ليسوا ممن يقطعون الطريق أو يعتدون على المصالح العامة كما يفعل البعض ..!!!
مشاريع متعثرة
المياه في المديرية هي الأخرى ما تزال تمثل إحدى المشاكل التي يعاني بسبب غيابها أبناء منطقة الصليف ففي الوقت الذي لا تزال فيه العديد من أحياء الصليف  عاصمة المديرية محرومة من توصيل المياه بسبب عدم قيام الدولة بتوصيل الشبكة إليها منذ عقود  من الزمن . وفي المقابل ما تزال العديد من المناطق والقرى التابعة للصليف تعاني غياب خدمة المياه كما هو الحال في منطقة الضبراء والتي يضطر أبناؤها للبحث عن المياه في مناطق بعيدة أخرى وذلك لعدم عمل الشبكة منذ تركيبها قبل عشر سنوات ..
كما أن المديرية ما تزال بحاجة ماسة إلى تأهيل شبكة الكهرباء المتهالكة في عاصمة المديرية وإيجاد مولدات خاصة لتوفير الكهرباء خاصة وأن أبناء المنطقة لا يرون الكهرباء إلا في المساء ولوقت محدود وهم على هذا الحال منذ عشرات السنين ..
ناهيك عن أن المنطقة برمتها بحاجة إلى خزانات مياه تعنى بحفظ المياه كما هو الحال في منطقة الجرب والتي يشكو أبناؤها من غياب تلك الخزانات ويضطرون إلى شراء المياه بمبالغ مالية ولمسافات طويلة ..
الملح ثروة نهبت
على طول الطريق الساحلي من اللحية والصليف والمنيرة وحتى بعض المناطق في جنوب مدينة الحديدة المعروفة بمنطقة منظر ينتشر بها مناجم الملح أو أحواضه وعليه يعتمد العديد من السكان في هذه المناطق كمصدر رزق يعيشون عليه هم وأولادهم .. إلا أن  مناجم الملح في منطقة الصليف والتي تعد من أشهر المناجم التي في الجمهورية اليمنية وأكثرها وفرة لهذه المادة كانت سببا في  تأسيس أول شركة لاستثمار الملح الصخري في هذه المنطقة في العام 1952م والتي عرفت حينها باسم شركة ( أملاح الصليف ) وبعد قيام الثورة اليمنية سبتمبر تم العمل على تطوير آليات الاستفادة من هذه الثروة الوطنية فتأسست الشركة اليمنية المصرية لاستثمار الملح الصخري في مناجم القمة واللحية .. وفي العام 1978م صدر قرار جمهوري قضى بإنشاء ( المؤسسة العامة للنفط والثروات المعدنية ) وبهذا تكون مناجم الملح قد أصبحت من الثروات المعدنية .. وسميت باسم شركة انتاج تسويق الملح ..
وبالرغم من الأموال الكبيرة التي رفدتها تلك المناجم والعمال الذين عملوا فيها من أبناء منطقة الصليف طوال عقود من الزمن لم تلق اهتماماٍ من المسئولين في الدولة منذ نهاية التسعينيات حيث تعرضت هذه الثروة بمناجمها الكبيرة والكثيرة للإهمال والتي كان يمكن أن تكون إحدى المصادر المهمة للإسهام في خزينة الدولة بإيرادات تلك الثروة .. كما أن الدولة أيضا أهملت منذ ذلك التاريخي المئات من العاملين في مناجم الملح والجبس .. وفي العام 2004م قامت الدولة بخصخصة شركة إنتاج وتصدير الملح لصالح العمال من أبناء المنطقة والذين كان يقدر عددهم بـ (219) إلا أن تلك الخصخصة التي تعتبر أنها لصالح العمال لم تكن كذلك .. فقد سمحت الدولة للنافذين بالسطو على العديد من مناجم الملح والجبس التي كانت تتبع الشركة وبالتالي آلت إلى العمال وعمد هؤلاء النافذون على الإضرار بالعمال وبشركتهم .. كما أن الدولة عملت على تعيين مسئولين على الشركة من قبلها عملوا على العبث بأموال الشركة بصورة كبيرة وفي الوقت الذي أوصى فيه تقرير لجنة برلمانية نزلت لمعرفة وضع شركة إنتاج وتصدير الملح في العام 2006م بضرورة محاسبة المسئولين عن إدارة الشركة ممن كانوا سبباٍ في تدهور وضعها ووصولها إلى مرحلة العجز فإن حال الشركة لم يتوقف عند هذا الحد بل تجاوز ليتم توقف الشركة بمناجمها عن العمل نظراٍ لتراكم الديون التي على الشركة بالرغم من الإيرادات التي  كانت تذهب إلى جيوب الفاسدين .. ناهيك عن أن عمال الشركة باتوا منذ نهاية 2009م   وحتى نهاية 2011م  بدون رواتب ليتم تدارك الوضع من قبل حكومة باسندوة والتي وجهت بصرف مرتباتهم ليتم معالجة أوضاعهم ..
واليوم يتحسر العمال على مستقبل هذه الثروة التي أضاعها الفساد وتآمر عليها الجميع بما فيهم الدولة التي ارتبطت فيها قيادات ومسئولون بعمليات الاستيلاء على مناجم الملح والجبس في الصليف والمنيرة واللحية ولهذا رأت أن تضحي بهؤلاء العمال البسطاء ..
كل ما يريده أبناء الصليف من الدولة اليوم هو أن تقوم بواجبها تجاه منطقتهم التي ظلت طوال عقود ترزح تحت الإهمال والعبث وغياب المسئولية .. يتمنى أبناء مديرية الصليف أن تتحول مديريتهم إلى منطقة سياحية لما تمتلك من كل مقومات السياحة من موقع جغرافي وآثار تاريخية ومعالم أثرية وثروة اقتصادية تتمثل في تلك المناجم التي يمكن أن تكون رافداٍ أساسياٍ لخزينة الدولة ..

قد يعجبك ايضا