لسنا بحاجة إلى القول بأن جميع أطراف المصفوفة السياسية والحزبية مطالبة قبل غيرها بالإيفاء بالتزاماتها تجاه الاستحقاقات الديمقراطية باعتبارها استحقاقات للشعب قبل أن تكون استحقاقاٍ لأي طرف حزبي أو سياسي وإذا لم تف أي من هذه الأحزاب بمسؤولياتها فإن المؤسسات الدستورية ملزمة بحكم الدستور والقانون بضبط إيقاع إجراء تلك الاستحقاقات في مواعيدها وأزمنتها دونما التفاتُ لمن يرسمون توجهاتهم على رهانات التعطيل والتقاسم والقفز على قواعد الديمقراطية ومحاولة الالتفاف على إرادة الناخبين في صناديق الاقتراع إذ لا بد وأن يعي الجميع وتحديداٍ أحزاب اللقاء المشترك أنها وإن كانت قد نجحت في جر الحزب الحاكم إلى التوافق معها على تأجيل الانتخابات البرلمانية لعامين متذرعة بالحاجة إلى مزيد من الوقت لإجراء بعض الإصلاحات المرتبطة بتطوير النظام الانتخابي وهو خطأ اعترف به المؤتمر ووعد بعدم تكراره فإن هذه الأحزاب يستحيل عليها الوقوف حجرة عثرة أمام إجراء الانتخابات النيابية القادمة في 27 أبريل 2011م خاصة بعد أن اكتشف الجميع أن ما كانت ترمي إليه هذه الأحزاب من وراء تأجيل الانتخابات التشريعية ليس الإصلاح وإنما الانقلاب على الديمقراطية نفسها وخلق حالة من الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار في البلاد تمكنها من الوصول إلى كراسي الحكم ولو كان ذلك عن طريق السير فوق الأشلاء وبرك من الدماء وهو ما اتضحت ملامحه في تعمد أحزاب اللقاء المشترك نكث وعودها والتنصل من التزاماتها والنكوص عن كل الاتفاقات مع الحزب الحاكم حيال ما يتعلق بتنفيذ اتفاق فبراير 2009م وانسياق هذه الأحزاب إلى إهدار الوقت عبر تكريس كل جهودها في إثارة الأزمات وإشعال الحرائق والفتن والتشجيع على العنف والتحالف مع العناصر التخريبية والانفصالية والخارجين على الدستور والنظام والقانون ليمضي عام كامل وجزء من العام الثاني دون أن يلوح في الأفق أي مؤشر يدل على أن هذه الأحزاب جادة في الجلوس على مائدة الحوار لتنفيذ ما اتفقت على تنفيذه مع الحزب الحاكم. وأمام إمعان أحزاب المشترك في مخطط التعطيل وانكشاف أمر هذا المخطط الذي يهدف إلى الانقضاض على الديمقراطية والالتفاف على استحقاقاتها لم يعد هناك من خيار أمام المؤسسات الدستورية للدولة سوى المضي في الإعداد والتحضير للاستحقاق الانتخابي القادم والمتمثل في إجراء الانتخابات لكون الديمقراطية حقاٍ للشعب أصلاٍولا يجوز لأحد التلاعب بهذا الحق أو تعطيله أو تحويله إلى أداة للابتزاز أو المساومة أو وسيلة للحصول على مكسب سياسي أو حزبي أو شخصي أو ذاتي خاصة بعد أن اتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود وظهر كل طرف على حقيقته وتأكد الجميع أن من يتحالفون مع عناصر التخريب والانفصال ويدافعون عن اللصوص والقتلة وقطاع الطرق ويوفرون لهم الغطاء الإعلامي ويدفعون بهم إلى محاولة زعزعة الأمن والاستقرار وإقلاق السكينة العامة هم أنفسهم من يعدون العدة لقضم الديمقراطية والانقلاب عليها ولذلك هم يربطون بين سقوط الديمقراطية وسقوط النظام السياسي دون أن يستوعب هؤلاء المغفلون الذين تجردوا من أي حس وطني أنه لاهم ولا غيرهم قادرون على النيل أو المساس بالديمقراطية ونهجها الحضاري وأنه وكما فشلت المؤامرة التي استهدفت المنجز الوحدوي عام 1994م وسقطت تلك المؤامرة تحت أقدام الشعب اليمني الذي وقف صفاٍ واحداٍ في وجه عناصر الارتداد الانفصالية ملقناٍ إياها درساٍ قاسياٍ وموجهاٍ لها الصفعات المؤلمة لتولي هاربة على أدبارها تلاحقها الخيبة والخزي والعار فإن هذا الشعب الوفي لوحدته وخياره الديمقراطي ومكاسب ثورته العظيمة “الـ26 من سبتمبر والـ14 من اكتوبر” لن يسمح لأي كان بالتمادي على الاستحقاقات الديمقراطية وتعطيل مساراتها وأول من سيتصدى لهؤلاء منú أعداء الديمقراطية هي تلك الجموع من قواعدهم الحزبية التي تشعر اليوم أن أحزابها قد سْرقِتú من قبل شلة متنفذة لا تهمها سوى ذواتها ومصالحها الضيقة والأنانية. ولا شك في أن هذه القواعد الحزبية تتحفز لاستعادة أحزابها من تلك الشلة النفعية التي حولت أحزاب المشترك إلى مجرد دكاكين سياسية للمتاجرة بقضايا الوطن مما أفقد هذه الأحزاب قدرتها على التعاطي مع نسيجها الوطني وفق فلسفة وطنية وحضارية تنأى بها عن الانعزال والتقوقع في دائرة مغلقة كما هو حالها اليوم بعد أن قذف بها أولئك المتنفذون والمصلحيون إلى مهاوي الاضمحلال والضياع وواقع يطفح بالإحباط والفشل وأنات الموت السريري. والثابت أن اليمن تمضي نحو خوض الاستحقاق الديمقراطي القادم في الـ27 من ابريل 2011م معززة برصيد كبير من التحولات والإنجازات الديمقراطية الكبرى التي حققتها على مدى عقدين من الزمن شهد فيهما هذا الوطن نقلات تنموية واقتصادية وسياسية واجتماعية كانت أشبه بالمعجزات إن لم تكن مستحيلة وهي نقلات نوعية تتحدث اليوم عن نفسها ولا ينكرها إلا جاحد أو مكابر أو حاقد. وسواء شاركت أحزاب المشترك أو لم تشارك في الانتخابات القادمة فإن الانتخابات ستجرى في موعدها ومن لا يلتحق بقطار الديمقراطية سيفوته هذا القطار فيجد نفسه معزولاٍ عن المشهد السياسي المتطور وعاجزاٍ عن تطوير نفسه وتجديد خطابه واستشراف ملامح المستقبل وعاقبة ذلك ستكون وخيمة على كل من رضي لنفسه التقوقع في خانة المغفلين الذين لا ينظرون إلى أبعد من أنوفهم.