لا يزال اليمنيون على حبّهم له وارتباطهم به
الإمام علي عليه السلام.. الحكيم الذي خاطب عقول اليمنيين فاحتل المكانة في قلوبهم
جاءهم مبعوثا من رسول الله فارتبطوا به حباً وإيماناً وتسليماً في الله عزَّ وجل ورسوله وآل بيته
الباحث الأهنومي:ارتباط اليمنيين بالامام علي لم يكن على أساس عصبوي وإنما لتمثيله الإسلام كأفضل نموذج
العلامة الراعي:الارتباط بالإمام علي نابع من أن أهل اليمن أهل إيمان والإمام علي رأس الإيمان
اتفقت جميع مرويات التاريخ على أن إعلان جميع قبيلة همدان الدخول في الإسلام في يوم واحد على يده دليل على طريقةٍ مثلى تجسَّدت بحسن خلق، وحسن تعامل، وحسن أسلوب، مكّن الإمام علي عليه السلام مبعوث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إقناع أهل اليمن على الاستجابة لدعوة رسول الله لهم للدخول في الإسلام.
قال البراء بن عازب رضي الله عنه وقد كان في سرية الإمام علي عليه السلام: لما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له فصلَّى بنا الفجر، فلما فرغ صفنا صفَّا واحدا ثم تقدَّم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأسلمت همدان كلها في يوم واحد ، وكتب بذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما قرأ كتابه استبشر وابتهج وخرَّ ساجدا ثم جلس فقال: “السلام على همدان، السلام على همدان” ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام فكان تمسكهم بعرى الإسلام على يد الإمام علي (عليه السلام)، وصار هذا أكبر العوامل لصيرورتهم علويين مذهبا ونزعة.
وفي ظل هذه النزعة ضحوا بأنفسهم ونفيسهم بين يدي الأمام علي (عليه السلام) في حروبه.. يقول الباحث حمود عبدالله الأهنومي: ومنذ ذلك التاريخ، حظي اليمنيون باهتمام من رسول الله، واحتل النبي (ص) والإمام علي (ع) مكانة كبرى في قلوبهم، بنى اليمنيون للإمام علي كرم الله وجهه مسجداً سُمي “مسجد علي” مكان البيت الذي نزل فيه، وإلى اليوم يحتفي اليمنيون بذكرى دخولهم الإسلام، ويفخرون باستعراض تاريخهم المشرِّف في حمايتهم وتأييدهم للدعوة النبوية.
وجاء في وصف علاقة اليمنيين بالإمام علي كرم الله وجهه انه “ذاب اليمنيون حبا وإيمانا وتسليما في الله عز وجل ورسوله وآل بيته، ومن منطلق علمهم الإيماني ومعرفتهم بالسنن الإلهية هاهم متولون الله ورسوله وأعلام الهدى من آل بيته باذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، آخذون على عاتقهم نصرة دين الله، مقيمون ومعظمون لشعائر الله، وما هذه الاحتفالات بالمناسبات الدينية إلا نتيجة لذلك العمق الإيماني المحب لله ولدينه ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم.”
رغم صغر سنة
يقول الباحث حمود الأهنومي: لقد مكث عليه السلام في اليمن شهورا كثيرة مكّنته لأن يقوم بالدور المفترَض به والمطلوب منه، وهو تعليم الناس بأحكام الله، وإرشادهم إلى دين الله، وتعليمهم الفرائض والسنن، والقضاء بينهم، وهو الأمر الذي كان قد خاف الأمام علي عليه السلام أن لا يُوَفَّق إليه عند إرساله، لأنه سيأتي إلى قوم – على حد قوله – “هم أسنّ مني” كما في بعض الروايات، وفيه إشارة إلى التفوُّق اليمني في مجال القضاء، لخلفيتهم الحضارية حتى أن أمير المؤمنين هاب أن يقضي بينهم، ولهذا دعا له رسول الله بتثبيت قلبه، ونصحه بأن لا يحكم للخصم حتى يسمع من الخصم الآخر.
وقال الأهنومي: لقد روى عن الأمام على عليه السلام أن يهوديا سأله في اليمن عن أوصاف رسول الله فبيَّنها له وهو على المنبر، فوجدها اليهودي مطابقة لما معه من الكتب التي تبشِّر به، فما كان منه إلا أن أعلن إسلامه، ثم كان يأتي عليا عليه السلام فيعلِّمه القرآن، ويخبره بشرائع الإسلام.
ويعلِّق الباحث “هذا الدور الإرشادي والقضائي المتميِّز والأداء الجيد حربا ودعوة وقضاء بالإضافة إلى الأخلاق العظيمة التي كان عليها عند الحرب مع أعدائه، حيث كان يرُدُّ ما يأخذه الجيش من أموال أناسٍ مسالمين، ويحفظ حرمتهم، وكان يطبِّق معهم مبادئ الإسلام ومُثُله العليا في أخذ الصدقات والرفق بهم، والإحسان إليهم، أدَّى كل ذلك إلى شغف اليمنيين الذين عرفوه به.
صدق الامتثال
يقول مفتي الجامع الكبير العلامة عبدالله الراعي “ارتباط اليمنيين بالإمام علي نابع من أن أهل اليمن هم أهل الإيمان والإمام علي رأس الإيمان، انظروا إلى قادتنا، انظروا إلى عظمائنا، إلى منهجنا الذي يتجه إلى الإمام علي، وأنظروا الطرف الذي يناوئ أو يتقوَّى بالكافر انظروا من أئمته، هم من شاقق المسلمين، من فرّق بين المسلمين، من خرج يقتل الأبرياء طمعا في الكرسي.. اليمنيون ارتبطوا بقضية الايمان، ونفس الرحمن ماهو إلا من قبل اهل اليمن، فكفاكم فخرا يا أهل اليمن انتم أهل العز وأهل التاريخ الخالد لا مثيل لمجدكم فلا تغيبوه، معدن الرجل اليمني لا مثيل له أبدا.”
لا يزال الشعب اليمني على حبِّه وارتباطه بالإمام علي كرَّم الله وجهه، مواليا بصدق امتثالا لما أمر الله به ..يورد الكاتب زيد البعوة في هذا السياق شيئاً عن خلفية هذا الامتثال متجسدا بيوم الولاية الذي كان في السنة العاشرة للهجرة ويذكر انه “في يوم الغدير خاطب رسول الله صلى الله عليه وآله المسلمين قائلاً: أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.”
الارتباط الذي بادل به الإمام علي اليمنيين وثَّقه في كثير من المواقف ولا يزال أهل اليمن يرددون تلك الكلمات الشعرية العميقة التي افردها لتأكيد علاقته وحبّه لليمنيين، كيف لا وهم الذين استقبلوا المهمة التي أرسل لها من قبل رسول الله بروح إيمانية حكيمة، كيف لا وهم من ناصروه في “صفين” وكانوا خير المناصر لثوابت الله.
ادخلوا بسلام
يقول الباحث الاهنومي: هذا التعلَّق وهذه العلاقة بين الإمام علي واليمنيين، والعكس، لم تكن على أساس عصبوي، ولا على أساس محاباة، بل نتيجة انطلاقتهم القوية في الإسلام، ونتيجة تمثيل الإمام علي للإسلام كأفضل نموذج؛ ولهذا جاء وصفهم في كلام الإمام علي عليه السلام كما ورد في ذلك الشعر:
لهم تعرف الرايات عند اختلافها
وهم بدأوا للناس كل لحامِ
رجال يحبون النبي ورهطه
لهم سالف في الدهر غير أيامِ
هم نصرونا والسيوف كأنها
حريق تلظى في هشيم ثمامِ
لهمدان أخلاق ودين يزينها
وبأس إذا لوقوا وحد خصامِ
وجد وصدق في الحديث ونجدة
وعلم إذا قالوا وطيب كلامِ
متى تسعفنهم أوتبت في ديارهم
تبت ناعماً في خدمة وطعامِ
فلو كنت بواباً على باب جنة
لقلت لهمدان ادخلو بسلامِ.
وأنشدهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ايضا:
نادَيتُ هَمدانَ وَالأَبَوانُ مُغلَقَةٌ
وَمِثلُ هَمدانَ سنّى فَتحَةَ البابِ
كَالهُندُوانِيُّ لَم تُغَلِل مَضارِبُهُ
وَجهٌ جَميلٌ وَقَلبٌ غَيرُ وَجّابِ
يقول القاضي احمد الضيعة “إن سر ارتباط اليمنيين بالإمام علي هو لأنهم أحبوه وأحبهم، فحين أرسل الرسول صلى الله عليه وآله الإمام علي إليهم، نجح الإمام علي بأسلوبه وحكمته في إقناعهم فأسلموا طواعية.. أسلوبه هذا كان هو أسلوب النبي المصطفى، ولهذا أسلمت همدان عن بكرة أبيها دون حرب أو صدّ.