أحبوا الله ورسوله فأحبهم الله ورسوله

اليــمنـيــون.. أوائــــل الفضـــــــائل وخير أمة أخرجت للناس

ناصروا رسول الله يوم طردته قريش من دياره وكانوا قاعدة الدولة الإسلامية
حملوا راية الإسلام، والفتوحات، وقوّضوا الإمبراطوريات.. نشروا الإسلام في الشرق والغرب وأفريقيا وجنوب شرق آسيا

ثمة حقائق لا يمكن بأي حال المرور عليها باعتبارها واحدة من عابرات الحياة دون التوقف عندها والتأمل فيها، هي حقائق تقوم على معطيات ذات قدر كبير من التأثير وتوجيه مجرى الأمور إلى مسارات مستقيمة لا يمكن حرفها، النسق التاريخي يؤكد ذلك، التجارب الحياتية تؤكد وتنبئ عن ذلك، ولنا في نهايات الباطل والظلم والضلال في ما يسرده التاريخ شواهد يهتدي بها الحكماء، ويزيغ عنها المتكبر.. وحين تؤكد المدونات التاريخية باختلاف منابعها على أن مكانة اليمنيين في الإسلام كانت استثنائية جدا ومتميزة جدا فإن هذا الفرح الذي يعيشه اليمنيون اليوم لا يبدو بغريب أو يتعارض مع الواقع، فاليمن الذي أمكن له أن يبني الحضارات قبل آلاف السنين، فخبر الحياة واستطاع تطويع مخزونها لخدمة الإنسان، من التلقائي أن يتعاطى بحكمة مع أي وافد من الثقافات والأحداث والمتغيرات ذات التأثير على مسارات الحياة.
وهكذا كانت حكاية اليمنيين مع الإسلام ليس فقط مع ظهور الدين الإسلامي على يد رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما قبل ذلك بكثير، من عهد إسماعيل والملكة بلقيس.
بذرة الدين كانت في نفوس اليمنيين كما الحكمة كانت من صفاتهم، ومن هنا جاء استقبالهم لمبعوث رسول الله إليهم لدعوتهم إلى الإسلام راقيا وحكيما، الأمر الذي منحهم المكانة والمنزلة العظيمة في الدين، كيف لا وقد كان أهل اليمن “الناصر والحامي للنبي صلى الله عليه وعلى آله يوم طردته قريش وشكل هؤلاء القاعدة التي بنيت على أساسها الدولة الإسلامية والتي أقامها النبي صلى الله عليه وعلى آله في المدينة”.
يفسر الباحث حمود عبدالله الأهنومي حالة استقبال البشير لدخول أهل اليمن الإسلام حين سجد لله شكرا بأنها “حالة فرح مخصوصة لم تُعهد ولم تُعرف في حالات أخرى، الأمر الذي يجعل الحدث ذا أهمية بالغة في تاريخ الإسلام”.
ولم يبالغ القائل بأن الله قد اعز اليمنيين بالإسلام كما اعز الاسلام بهم.

أوائل الفضائل
إذ كان اليمنيون حالة استثنائية فهم أهل البلدة الطيبة، استحقوا هذه المكانة لما اتصفوا به من فضائل والمناقب والمحامد والمكارم ما شهدت به الأخبار عن النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأهل اليمن حسب رصد العلماء والمؤرخين: أول من أجاب إبراهيم عليه السلام حين أذن بالحج، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، قال تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27].
وكذلك كان تبّع اليماني هو أول من كسا الكعبة، وأول أهل اليمن إيماناً بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه، فقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: ” بلغنا أن تبعاً أول من كسا الكعبة الوصائل فسترت بها”. ثم كساها الناس من بعده إلى يومنا هذا.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه قال: أقبل تبع يفتتح المدائن حتى نزل المدينة وأهلها يومئذ يهود فظهر على أهلها، وجمع أحبار اليهود فأخبروه أنه سيخرج بمكة نبي يكون قراره بهذا البلد اسمه أحمد، وأخبروه أنه لا يدركه، فقال تبع للأوس والخزرج: أقيموا بهذا البلد، فإن خرج فيكم فآزروه وصدقوه، وإن لم يخرج فأوصوا بذلك أولادكم، وقال في شعره:
حُدِّثتُ أن رسول المليـ
ك يخرج حقاً بأرض الحرمْ
ولو مُدّ دهري إلى دهره
لكنت وزيراً له وابن عمّْ
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا تبعاً؛ فإنه كان قد أسلم).
وأخرج ابن عساكر عن بكار بن عبدالله قال: سمعت وهب بن منبه يقول: “نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس عن سب أسعد وهو تبع. قلنا: يا أبا عبد الله، وما كان أسعد؟ قال: كان على دين إبراهيم”.
ومن سوابق أهل اليمن: أنهم أول من جاء بالمصافحة، فعن أنس بن مالك قال: لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة).
ومن فضائلهم كما جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم: “أهل الإيمان، وهي درجة أعلى من الإسلام” قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (جاءكم أهل اليمن هم أرق أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية).
وعن أبي مسعود قال- وأشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده نحو اليمن: (الإيمان هاهنا – مرتين).
ومن الفضائل أن أهل اليمن هم أهل الفقه والعلم، كما في الحديث السابق: (والفقه يمان)، والمقصود بالفقه: الفهم الشمولي للإسلام وليس المصطلح الفني عند المتأخرين.
ومن الفضائل أن أهل اليمن هم أهل الحكمة والإصابة في القول والفعل، كما في الحديث السابق: (والحكمة يمانية). والحكمة معناها: ما منع من الجهل والجفاء، والحكيم من منعه عقله وحلمه من الطيش، وقال بعض العلماء: “الحكمة الإصابة لما يرضي الله وما يحبه، وترك ما يسخطه ويكرهه، ولا ينال ذلك إلا برقة القلب وصفائه، فمن كان أصفى قلباً فإنه أحسن إدراكاً وأشد إصابة”.
قال ابن رجب رحمه الله: ” وقال ابن مسعود: (إنكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه، كثير خطباؤه)، فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح، ومن كان بالعكس فهو مذموم، وقد شهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأهل اليمن بالإيمان والفقه، وأهل اليمن أقل الناس كلاماً وتوسعاً في العلوم، لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك. وهذا هو الفقه والعلم النافع”.
وكفى بهذه منقبة بعد الإيمان بالله؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة 269].
ومن فضائل أهل اليمن أنهم من أهل الخشوع ورقة القلوب والشفقة على المخلوق، والطاعة والانقياد في الحق كما في الحديث السابق: (جاء أهل اليمن هم أرق قلوباً والين أفئدة).
ومن فضائلهم أنهم يحبون الله ويحبهم الله، وأنهم أشداء على الكفار أرقاء على المؤمنين.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة 54].
وقيل لما نزلت هذه الآية أومأ رسول الله إلى أبي موسى فقال: هم قوم هذا.
ومن فضائل أهل اليمن أنهم من أسرع الناس استجابة للحق وبعداً عن الاستكبار عنه؛ فقد استجابوا لدعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام برسالة، ولم يلق منهم رسول الله محاربة وصداً. وجاءت وفودهم أفواجاً مسلمين من غير إكراه ولا رهبة.
عن ابن عباس قال: بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة إذ قال: (الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله وجاء الفتح، وجاء أهل اليمن قوم نقية قلوبهم، لينة طاعتهم، الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية).
وعن أبي هريرة قال: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح…) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين افئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية).
ومن فضائل أهل اليمن أن رجالهم خير الرجال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الرجال رجال أهل اليمن..)، ومن فضائلهم: أن أعمالهم الصالحة أعظم من أعمال غيرهم، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه سيأتي قوم تحقرون أعمالكم إلى أعمالهم، قلنا يا رسول الله، أقريش؟ قال: لا، ولكن أهل اليمن)، ومن فضائل أهل اليمن أنهم جيش الإسلام وجنده البواسل في كل زمان، فقد كانت لهم أيادٍ بيضاء في الفتوحات الإسلامية في حياة رسول الله وبعد موته في فتوح العراق والشام وبلاد الترك وأفريقيا والأندلس وأوروبا حتى وصلوا إلى أبواب فرنسا، وما زالت معالمهم في إسبانيا شاهدة على آثارهم، فمن ذلك: أن غالب أهل معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون على الفرس وكانت بوابة فتح فارس من اليمن، وفي معركة نهاوند أيضاً أبلوا بلاء حسناً، وفي معركة بلاط الشهداء كذلك، وغيرها.
فعن أبي امامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز و جل استقبل بي الشام وولى ظهري لليمن، وقال لي: يا محمد، جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقاً، وما خلف ظهرك مدادا).
ومن الفضائل أيضاً أن أهل اليمن هم أهل الأمانة والشريعة، وبلادهم حظيت بدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما في البخاري: (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا). قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ قال: (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا ).
وأهل اليمن هم من خيار أهل الأرض، فجبير بن مطعم رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطريق مكة قال: (أتاكم أهل اليمن مثل السحاب خيار من في الأرض).
ومن الفضائل أنهم أول الناس شرباً من حوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة. فعن ثوبان أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم).
قال النووي رحمه الله: “معناه: أطرد الناس عنه غير أهل اليمن؛ ليرفض على أهل اليمن-أي: يسيل عليهم- وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه؛ مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام والأنصار من اليمن، فيدفع غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي صلى الله عليه وسلم أعداءه والمكروهات”.
والتاريخ يوثق لنا ذكر تلك الملكة الصالحة ملكة سبأ بلقيس رحمها الله التي استجابت لنبي الله سليمان عليه السلام، وأسلمت معه لله رب العالمين، وسخرت ملكها في خدمة الدين الحق الذي دعاها إليه سليمان عليه السلام، ويوثق أن أهل اليمن هم أصل العرب ومنهم تحدرت قبائلها، ومنهم قبيلة جرهم التي نزلت بمكة وتزوج منهم إسماعيل عليه السلام فجاءت من ذريته قريش، وخرج من قريش محمد عليه الصلاة والسلام.

التوجيه الإلهي
أربعون حديثا قالها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تعلي من شأن اليمنيين وتعظم من قدرهم، ولما كان الرسول لا ينطق عن الهوى وان هو إلا وحي يوحى فإن ذلك كان دالا على اصطفاء الله لهم ليكونوا المناصرين لرسوله الحامين لدينه، بل وأزيد من ذلك إن الله قد خصهم بعديد من الآيات وهي مسألة اتفق عليها الأئمة ومن تناقلوا الأحداث منذ بواكير الإسلام، منها اضاف الى ما جاء ذكره سابقا: فعن ابن عمر: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان يمان، وهم مني وإليّ، وإن بَعُدَ منهم المربع، ويوشك أن يأتوكم أنصارًا وأعوانا فآمركم بهم خيرا) رواه الطبراني وإسناده حسن.
وعن أبي مسعود، قال أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده الكريمة نحو اليمن، فقال: (الإيمان ههنا..)
وعن عقبة بن عامر أنه قال إن رجلا، قال: يا رسول الله العن أهلَ اليمن، فإنهم شديدٌ بأسُهم، كثيرٌ عددُهم، حصينةٌ حصونهم، فقال: (لا)، ثم لعن رسول الله الأعجَمين، فارس والروم، وقال: (إذا مروا بكم يسوقون نساءهم، يَحْمِلون أبناءهم على عواتقهم، فإنهم مني، وأنا منهم) رواه أحمد والطبراني.
والحديث يبيِّن فضل اليمنيين وعظيم منزلتهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن الإمام علي عليه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أحب أهل اليمن فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم باليمن إذا هاجت الفتن، فإن قومه رحماء، وإن أرضه مباركة، وللعبادة فيه أجر عظيم)، (إذا هاجت الفتن فعليكم باليمن)، و(إني لأجد نفس الرحمن من ناحية اليمن).
هو الاصطفاء إذن، منذ ما قبل الاسلام ميّز الله اليمنيين واعطى لهم هذه المكانة لما سيكون لهم من دور وشأن كبيرين في الاسلام، كذلك كانوا في نفس رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الذي جعلهم اقرب لما اوحى الله له بشأنهم في نشر الدعوة الاسلامية.. يقول القاضي احمد الضيعة “هو توجيه إلهي ان تكون لليمنيين هذه المكانة والنبي نفذ، الرسول احب اليمنيين لأنهم اهل حكمة وايمان، اسلموا طواعية دون حرب او مناقشة جدلية”.

قد يعجبك ايضا