عمليات الردع.. دليل قوة تتنامى
محمد أحمد المؤيد
أتذكر عندما كنت بصدد الدراسة الجامعية حدث حينها أنني تقدَّمت للدراسة في كلية الهندسة جامعة صنعاء ولم يحالفني الحظ في الحصول على مقعد فيها , فتوجهت صوب كلية اللغات وحزت بفضل الله على مقعد في قسم الإنجليزي بعد أن اجتزت اختبار القبول بجزئيه التحريري والشفهي , طبعا ًدخلت كلية اللغات وكلي تفاؤل ورغبة في تلقِّي العلم عبر ذلك الصرح التعليمي الشامخ وهو الأمر الذي يعني أنني قد بدأت في الدراسة الأكاديمية , وهذا جعلني أكثر اصراراً وتحدياً رغم الخوف الذي بدا يكتنفني بسبب دخولي في طريق يبدو جديداً عليّ الغموض هو سيد الموقف.
طبعا ًلم يخب ظني في سبب الخوف والذي تأكد لي فعلاً حينما اكتشفت عدم حصولي على معرفة أولية عن اللغة الإنجليزية إلا بشيء قد لا يحتمل على أقل الأحوال ضغط المواد الإنجليزية في الترم الأول وكيفية مجاراة مستوى زملائي والفلسفة الزائدة والمفرطة حد التعجيز (بالنسبة لي ولمستواي) عند أساتذة المواد , حينها لا أخفيكم أنني توقفت عن الدراسة الجامعية ثلاث سنوات على التوالي , وذلك كامتعاض مني وعدم رغبة في هذا المجال الذي لا يروق لطبعي ورغبتي , وتخيلوا عدم الالتفات لموضوع العودة للدراسة من عدمه أو حتى دراسة المعوقات والعراقيل التي تحول دون رجوعي للتعليم الجامعي أو ما هي الحلول الجزئية التي قد تساعدني في إيجاد أدنى فكرة أو سبب قد يحفزني على العودة للدراسة ويوجد الرغبة ولو بشيء بسيط طيلة تلك الفترة.
وظللت على نفس الشرود ملتهياً مع صخب الحياة وحاجياتها , حتى جاء أحد أهلي وأصدقائي وهو يدرس في نفس المجال ونفس الكلية إلا أنه في القسم الموازي وأنا كنت في القسم العام , حينها حثَّني على الدراسة كوني في القسم العام وهو وغيره يدرسون في القسم الموازي , والذي يكلِّفهم مبلغاً مالياً لا بأس به يدفع للجامعة , عندها وجدت فكرة تدعم عودتي للدراسة ولكن بشكل غير مقنع إلى حدٍّ نهائي , ولكنني أخذته كخيط للعودة لتلقي العلم والدراسة ثم ننظر ما الذي يمكن أن نقرِّرْ إزاء الاستمرار من عدمه , رجعت وبدأت في الأسبوع الأول ومع إحساسي بعظم الورطة التي أصبحت فيها مع هذا المجال , غير أن تلك الساعات التي استغرقتها في الذهاب والحضور للجامعة جعلتني في الأسبوع التالي أحسب مدى الساعات والوقت والمال الذي راح عليّ في الحضور للدروس والمحاضرات , ورأيت أنه مادام وقد تخطَّيت الأسبوع وتعبت فيه , فهذا دليل على مرور الأسبوع تلو الآخر حتى أنتهي من الترم الأول , حينها وضعت لنفسي حداً للاستمرار من عدمه باجتياز الترم من عدمه فإن نجحت استمررت وإن أخفقت غيَّرت وجهتي وأمري إلى الله , وفعلاً نجحت بفضل الله واجتزت الترم , ولكن نجاحي لم يكن إلا بعد توفيق الله لي واجتيازي لكل العراقيل والمنغصات والعوائق التي واجهتني حينها بروح رياضية ورضا تام , سواء في فهم القواعد أو حفظ الكلمات أو مجاراة شرح الدكتور للمادة باللغة الإنجليزية وعلى أساس أننا فاهمون ما معنى أن يقول 100 % , وصدقوني في بدايتها لم أكن أفقه إلا ما ندر.
ومع ذلك لم ينته الترم الأول إلا وقد تعديت نصف الضروريات لإتقان اللغة (والحمد لله) , وبعدها جاء الترم الثاني واجتزته بحمد الله , وهكذا ,حتى أتممت الدراسة الجامعية بفضل الله والتي كانت السنة الرابعة هي السنة التي أحسست فيها معنى أنني تعلمت وتعبت وكافحت وسهرت وبحثت عن المعلومة ومن يفهّمني لها , حتى أنني كنت لا أتوانى ولا أمتنع عن إحضار أو الذهاب لأي زميل قد يفيدني بكلمة أو طريقة بها أتعلم مادة أو درساً ما رغم أنّ هذا الأمر مجهد جدا ًخاصة مع انشغال الزملاء كل في حال سبيله , وهذا بعد توفيق الله , فكانت السنة الرابعة والأخيرة هي السنة التي تعلَّمت فيها معنى الاصرار والإنجاز قبل أن أفرح بمدى ما وصلت إليه من ثقة بالنفس وهدوء وحسن تعامل مع كل المواد وفي جميع الاختبارات حتى نلت الشهادة ” والحمد لله على توفيقه “.
أعرف أنني قد أطلت عليكم في المقدمة ولكن لأنني أحترم كل من يقرأ حروفي فقد ضربت له مثالاً عن نفسي التي تعزّ عليّ من كل ما في الأرض خاصة وأن هذه خصوصيات شخصية ولكني لم أبخل بها عليكم، على الأقل كونها تجربة عملية وعن صدق في تثقيف نفسي وإياّكم حول ما معنى إنجاز وتضحية ومثابرة واصرار وتفان وما معنى عدم الاستسلام للظروف القاهرة والأسباب المحبطة وغير المواتية أو الملائمة، والذي نفهم وهو الأمر الذي ذكرني موقف الشعب اليمني العظيم والقيادة السياسية الحكيمة اليوم مع بداية أول يوم من العدوان والذي رغم استهداف العدوان (السعوأمريكي) لكل ما من شأنه أن يجهض مشروع بناء دولة يمنية حديثة ومستقلة وعلى جميع المستويات العسكرية والأمنية حتى لكأنه حينها لم يبق مجالاً لنقل أي وسائل آلية أو متحركة للدفاع عن الوطن بجميع مستوياتها بل إلى حد تعمده تعتيم كل ما يحدث وذلك باستهدافه الوسائل الإعلامية التي هي صوت الدولة للمجتمع والتي أهمها المذياع والذي لم يستثن العدوان البربري الإذاعة من الاستهداف وكل الآلات التي تعمل عليها الإذاعة سواء اريلات أو مواقع بث أو حتى مبان , وهذا شيء فعلا ًأدخل الناس في غموض شبه تام عن ما يحدث تحديدا ً في أرجاء الوطن من عدوان ظالم إلا ما حصل بالقرب من وجود الشخص أو ما يتداوله الناس أثناء اجتماعاتهم في العمل أو مقايل القات والمناسبات .
مضت أيام لا بأس بها والكثير يفقد المعلومة والكثير يتنقل في أرجاء الوطن للبحث عن مأمن من هول ما رأى من ضرب بالصواريخ , التي تنهال على العاصمة والمدن اليمنية من طائرات العدوان بشكل هستيري إبان تلك المرحلة الحرجة , والتي لم تستثن أحداً من الآثار الكارثية التي آلمت بالوطن حينها ولم تزل ولكن بوتيرة تبدو شاحبة مع التطورات الرهيبة التي راح الوطن يحملها بفضل الله ثم بفضل سواعد الرجال وعقولهم وعزيمتهم , سواء ًفي الجانب السياسي قيادة وحكومة أو الجانب العسكري والأمني والشعبي، وكل منها يعبِّر عن وحدة متكاملة من العطاء والمثابرة والتطلع للأفضل , واليوم وبحمد الله بعد التعب والعناء والخوف والحذر والحيطة وبعد أن أخذنا بالأسباب وهيأنا الظروف الملائمة للتصنيع والإبداع , كانت عاقبة ذلك خيراً .
إنها لنعمة عظيمة أن نفكر كيف كنَّا في أول أيام العدوان (السعوأمريكي) وكيف نحن اليوم في مواجهته , نعم نحن اليوم بفضل الله أكثر قوة ومنعة , فعمليات “توازن الردع الثلاث” وكذا الكشف عن أربعة نماذج لمنظومات دفاعية جوية جديدة وكذا العمليات الميدانية في المواجهات العسكرية “نصر من الله” و”البنيان المرصوص” وغيرهما من العمليات المشرفة للوطن اليمني وأبنائه الشرفاء الأحرار , كلها تعبِّر عن تنام حقيقي في قوة الردع لدى الشعب اليمني العظيم وقيادته السياسية الحكيمة.
وهذا الأمر يجب أن نضعه نصب أعيننا لأنه علامات حقيقية تدل على تأييد الله ونصره لعباده المؤمنين والمجاهدين المظلومين، فالنصر لن يصير حتى تحسب له مؤشرات ومواقف عظيمة تدل عليه وإلا فلن يحصل , ولأن الله معنا هاهي علامات النصر تحفزنا وتبشرنا وتحذر المعتدين علينا وتقول لهم بالفم المليان: كفاكم غباءً أيها المغرورين بالمال والجاه والمنعة التي ستسقط ذات يوم، والله لن يخلف الميعاد .. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولله عاقبة الأمور