الثورة /حمدي دوبلة
المواجهات الدامية التي تشهدها عدن ومختلف المناطق الخاضعة لسيطرة العدوان على اليمن من حين لآخر بين الفصائل والادوات التابعة لقطبي التحالف العدواني سواء في الرياض أو أبوظبي تكشف بشكل علني زيف وأكاذيب هذا التحالف الشيطاني حول دعمه للشرعية الزائفة والحفاظ على أمن واستقرار ووحدة اليمن ولا تكاد هذه المعارك الطاحنة بين مرتزقة السعودية والامارات تهدأ حتى تندلع من جديد ومعها تتكشف المزيد من الاهداف الحقيقية والاطماع الجلية التي تدفع بالرياض وأبوظبي إلى مواصلة العدوان الوحشي على اليمن وشعبه لخمس سنوات تم خلالها استهداف كل مقدرات الوطن أرضا وإنسانا.. ويبدو من خلال الدعم الكبير والعلني الذي تقدمه الامارات لمليشيات ما يسمى الاحزمة الامنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يمارس الانفصال عمليا- كما يقول محللون سياسيون أحد أبرز الاهداف الاستراتيجية الحقيقية التي دفعت نظام ابوظبي إلى المشاركة في تحالف العدوان وهو تقسيم اليمن وبث الفرقة بين ابنائه والسيطرة على مقدراته وثرواته.. ويؤكد محللون سياسيون أن تشجيع الإمارات علناً على انفصال الجنوب وتغذية الاقتتال الداخلي بين فصائل المرتزقة يوضح إلى حد كبير الأهداف الإماراتية من وراء حضورها القوي في تحالف العدوان على اليمن..
أكذوبة الشرعية
عمدت الامارات عبر مسؤوليها البارزين خلال الفترة الماضية على السخرية والازدراء من ما يسمى شرعية الفار هادي على الرغم من مشاركتها في العدوان على اليمن تحت يافطة استعادة ودعم تلك الشرعية المزعومة بل وراح المسؤولون الاماراتيون يطالبون ادواتهم في مليشيات الانتقالي الانفصالية والعنصرية بترحيل أبناء المناطق الشمالية من المحافظات الجنوبية، مؤكدين أن ما اسموه استقلال جنوب اليمن أمر ضروري للأمن القومي العربي والخليجي على حد زعمهم، وهو ما تجسد في ارض الواقع على شكل ممارسات عنصرية بغيضة ضد المواطنين من ابناء الشمال الذين تعرضوا للقتل والتعذيب والترحيل القسري بصورة علنية وتحت انظار من يدًعون حرصهم على وحدة اليمن و أمنه واستقراره وسكينته العامة.. ولم يتورع المسؤولون الاماراتيون ومنهم ضاحي خلفان المسؤول الامني البارز في نظام الامارات عن الدعوة العلنية الى إنهاء “شرعية الفار هادي وحكومة المرتزقة التي تتبعه ” معتبرين ذلك “العلاج الحقيقي لاستقلال جنوب (اليمن)،” وأشار خلفان في إحدى تغريداته الشهيرة الى انه “من حق الجنوب أن يرحّل أبناء الشمال في ظل الاعتداءات التي يقوم بها الشمال على مدن الجنوب “حسب زعمه .
ويؤكد المحللون السياسيون والمتابعون للشأن اليمني أن خلفان وغيره من المسؤولين الاماراتيين لا يعبِّرون بهذه المواقف عن آراء أو رغبات شخصية تخصهم، إذ أن طريقة إدارة الأمور في النظام الاماراتي معروفة ولا يوجد ما يمكن تسميته معارضة أو حتى رأي مخالف للسياسة العامة للدولة، وبالتالي تعبِّر تصريحاتهم عما تريده أبو ظبي وهو انفصال جنوب اليمن.
أهداف واضحة ونوايا قديمة
الدعم الاماراتي المعلن والصريح لمساعي ومخططات تقسيم اليمن وفرض انفصال الجنوب وإنشاء مليشيات مسلحة لتجسيد ذلك على الواقع لا يمكن اعتباره كما يقول محللون سياسيون وليد اللحظة أو نتيجة لوجود خلافات مع المملكة السعودية كما قد يعتقد البعض وذلك لسبب بسيط هو أن أي تحول استراتيجي كبير في السياسة بشكل عام لا يتم هكذا بين ليلة وضحاها وإلا لما كانت الترتيبات الفاعلة على الأرض الآن موجودة..
لكن السبب غير المعلن لدعم أبوظبي انفصال اليمن يعود إلى طموحات الإمارات الإقليمية التي لا تتناسب مع إمكانياتها الجيوسياسية، ويشير المحللون السياسيون إلى أن المهندس وراء تلك الطموحات هو ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد الذي وضع تلك الطموحات موضع التنفيذ على كل الجبهات، وفي هذا الإطار جاء الاشتراك الإماراتي في تحالف العدوان الذي دعت إليه السعودية لإعادة ما تسمى الشرعية إلى اليمن .
وهذه الطموحات الاستراتيجية للإمارات لها عدة جوانب منها الجانب التجاري ،ولتحقيقه باشرت ابوظبي منذ وقت مبكر من عمر العدوان على اليمن وبمجرد سيطرة قواتها المحتلة على مناطق الجنوب باشرت في تدريب وتسليح فصائل مسلحة من الجنوب والهدف كان واضحاً ومعلناً وهو ضمان تواجد إماراتي ثابت ودائم في تلك المنطقة لضمان السيطرة على باب المندب..
هذا الهدف استراتيجي وجاد تماماً وسعت أبوظبي لتحقيقه ليس فقط من خلال الاشتراك في التحالف العدواني على اليمن ولكن أيضاً من خلال التنسيق مع مصر والحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية وإنشاء قواعد لوجستية وعسكرية في الصومال وإريتريا لضمان التواجد على جانبي مضيق باب المندب الذي لا يقل أهمية عن مضيق هرمز..
ولكي تتحقق هذه الاستراتيجية بشكل كامل كما يؤكد محللون وخبراء عسكريون- رأت ابوظبي ضرورة تعزيز نفوذها وسيطرتها على جنوب اليمن، وتمثلت الرؤية الإماراتية في دعم سياسيين يمنيين من الجنوب وإنشاء ميليشيات يمنية جنوبية أصبحت الآن معروفة بقوات الحزام الأمني، أما أبرز رجالات الإمارات فهم عيدروس الزبيدي الذي كان محافظاً لعدن وأقاله الفار عبدربه هادي في أبريل 2017م وهاني بن بريك وزير الدولة الذي أقاله هادي أيضاً في نفس الوقت..
وكان رد الإمارات على إقالة الفار هادي الزبيدي وبن بريك حاسماً وواضحاً وقتها، حيث تم الإعلان عن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الزبيدي ونائبه بن بريك، وتم الإعلان عن تشكيل قوات الحزام الأمني بقيادة بن بريك والمضي قدما في ممارسة الانفصال عمليا في انتظار الوقت المناسب لإعلان الانفصال رسميا وتحقيق أحد أبرز الاهداف الإماراتية الاستراتيجية التي رسمت بدقة من قبل نظام ابوظبي ومنذ اللحظات الأولى لمشاركتها في العدوان على اليمن..
ويجمع محللون ومراقبون على أن السبب الحقيقي للعدوان على اليمن ليس دعم الشرعية وهو ما أكدته أحداث السنوات الأربع الماضية بل لأسباب واستراتيجيات من قبل الامارات والسعودية، فمن الجانب السعودي يتمثل الهدف في طموح محمد بن سلمان في أن يحقق انتصاراً ساحقاً في اليمن يعزز موقفه في أن يصبح خليفة لأبيه، أما الامارات فقد دخلت الحرب برؤية استراتيجية واضحة وأهداف محددة تتحقق الآن بالفعل ولو على حساب دماء اليمنيين وزعزعة استقرار المنطقة برمتها.
فضيحة دولية وأكبر كارثة إنسانية
مع طول أمد الحرب العدوانية على اليمن وتحولها لفضيحة دولية ووقوع أكبر كارثة إنسانية في القرن الحالي زادت الضغوط دولياً، فإذا بالإمارات تقرر الانسحاب الشكلي بعد أن حققت كل أهدافها الاستراتيجية تاركة محمد بن سلمان الذي استغله ولي عهد أبوظبي “كحصان طروادة” لدخول جنوب اليمن وتحقيق استراتيجيته من السيطرة على باب المندب، وحيداً مهزوماً.
تلك هي الأسباب التي دفعت الإمارات للمشاركة في العدوان على اليمن وهي نفسها الأسباب التي دفعتها للانسحاب الصوري بعد أن جهزت رجالها من مرتزقة الجنوب لضمان الانفصال تحت قيادة تدين لـ أبوظبي بالولاء التام كي تضمن وجوداً دائماً وثابتاً في مضيق باب المندب.