الإبداع هو التميز والابتكار وما ليس مألوفاً وهو سمة فكرية إنسانية: المبدعون صانعو الدهشة، وحالات الإهمــــال والتهميش
عبدالفتاح البنوس: الإبداع هو التميز والتفرد والإتيان بالجديد في مختلف مجالات وصنوف الميول والهوايات والمواهب والفنون والعلوم
زياد العنسي: الإبداع هو الابتكار في شتى مجالات الحياة الإنسانية، وهو ناتج عن موهبة ما، أو حاجة ما، أو فكرة ما
يحيى جحاف: بلادنا تمتلك مخزوناً كبيراً من الحالات الإبداعية التي فرضت نفسها على المشهد الثقافي محلياً وإقليمياً
بشير المصقري: إعداد صيغ المبدعين تحتاج في المقام الأول إلى التخلص من محمولات الماضي من صراعات طائفية وفئوية
بكيل المحفدي: الإبداع سمة فكرية إنسانية تتسم بها الشعوب، وترتقي برقي أبنائها وبمستوى إبداعهم في شتى المجالات
بلال قايد: الكتابة الإبداعية والفنون الأخرى هي الوجه الآخر للدمار الموجود، وهي من تجعلنا نحتمل الحياة رغم التهميش
د.اسماعيل النجار: المبدعون هم أولئك الذين يضعون بصمة واضحة لخدمة الإنسانية
ثابت القوطاري: صناعة المبدع تستلزم استعداداً داخلياً ذاتياً ومحفزاً خارجياً
صدام كعبابي: الإبداع هو ما كان جديداً كلياً في كينونته، وما ليس مألوفاً بمضمونه
ذكر أن الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني قد قال في إحدى الجلسات الأدبية مع عدد من الأدباء العرب في بغداد، وكان الحديث يدور عن الإبداع والحداثة والسرد الشعري، قال: إن الإبداع هو الدهشة لظاهرة غير مألوفة ومفاجئة، وقد أدهش الحاضرين حين قدم أثناء حديثه هذا رؤية سليمة للشعر جديرة بالمتابعة لينتفع منها الجيل الحاضر والأجيال القادمة.
وبالمقابل، نضع هذا التساؤل خلال الاستطلاع التالي أمام عدد من المبدعين والمثقفين: ما هو الإبداع من وجهة نظرهم، وكيف يمكننا أن نصنع المبدع ونحافظ عليه، المبدع الذي سيضع لنا الدهشة غير المألوفة والمفاجئة، وما المغريات التي يجب أن نقدمها له ليواصل إبداعه ويواصل إبداعاته لنشر العلم والمعرفة والتنوير في المجتمع:
استطلاع/ خليل المعلمي
التميز والتفرد
بداية يقول الكاتب والصحافي عبدالفتاح علي البنوس: الإبداع هو التميز والتفرد والإتيان بالجديد في مختلف مجالات وصنوف الميول والهوايات والمواهب والفنون والعلوم، وهناك من عرّفه بأنه خلق النجاح من العدم والوصول به إلى أعلى درجات التميز، ولا يعني ذلك أن يقتصر الإبداع على تقديم الجديد فحسب، فقد يأتي من خلال تطوير وتحديث القديم وإبرازه في قالب جديد بسمات ومدلولات وفوائد جديدة، ويتجلى ذلك من خلال الجوانب المتعلقة بالتراث والموروث الشعبي والفلكلوري الفني بمختلف مجالاته الغنائية والانشادية والشعرية والأدبية، حيث تبرز ملكات الإبداع وتتجلى في اللمسات الجديدة التي تم الوقوف عليها وإبرازها والتي كانت غائبة عن الكثيرين، ولا يقتصر الإبداع على الجوانب الفنية والأدبية، فالإبداع شامل وما نشاهده اليوم من قدرات فائقة في التصنيع الحربي يعد ضرباً من ضروب الإبداع والتميز، وما نشاهده من إبداعات وابتكارات أفرزتها مسابقة المبتكر اليمني التي نظمتها وزارة الصناعة والتجارة أيضاً يندرج ضمن صور الإبداع اليمني المتنوع الذي يأتي في ظل الظروف المعقدة التي يعيشها الوطن.
وعن صناعة المبدع يقول البنوس: بإمكاننا صناعة المبدعين من خلال إنعاش الأنشطة والمعامل في المدارس والتي تساعد على اكتشاف المواهب، من خلال توجيه أصحابها نحو المجالات التي يميلون إليها، من هنا البداية ومن ثم العمل على تنظيم وإقامة المسابقات في مختلف مجالات الإبداع والكفيلة بإبراز المبدعين ونشر إبداعاتهم المختلفة وتسليط الضوء عليها، وتقديم الدعم والتشجيع لهم لمواصلة مسيرة الإبداع قدماً نحو الأمام من خلال رصد الجوائز التشجيعية كما هو الحال في جائزة رئاسة الجمهورية مع مراعاة التوسع لتشمل كافة المجالات، فقد تبدع مدرساً، ومهندساً، وطبيباً، وشاعراً، ومثقفاً، وأديباً، وسياسياً، وخطيباً، ومبتكراً، ومزارعاً، ومقاتلاً، وقد يكون الإبداع فردياً، أو جماعياً، فالإبداع الفردي مثلا يتجسد في إبداعات المنشد المتألق عيسى الليث، والمهندسة المبدعة ريهام المختاري مبتكرة جهاز الغسيل الكلوي، ومن الإبداع الجمالي عملية نصر من الله البطولية التي نفذها أبطال الجيش واللجان الشعبية، والإبداع الكروي لمنتخب الناشئين وتأهلهم إلى نهائيات آسيا.
ويضيف: لضمان استمرارية الألق والوهج الإبداعي لدى المبدعين ينبغي الحرص على ديمومة دعمهم والعناية والاهتمام بهم، وتوفير البيئة والأجواء المشجعة والمحفزة على الإبداع والتميز، وهذا لن يتأتى إلا من خلال إنشاء صندوق خاص بدعم الإبداع والمبدعين والموهوبين في مختلف المجالات، بحيث يمثل الحاضنة الآمنة والداعمة لهم، بحيث يعمل هذا الصندوق على استيعاب المبدعين وظيفيا، وتسويق نتاجاتهم الإبداعية والترويج لها، والعمل على إقامة المعارض والمهرجانات التي تعرض فيها إبداعاتهم، بالتنسيق مع الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة ذات العلاقة، بحيث يلمس المبدع ثمرة إبداعه ومحصلة الجهد الذي بذله منذ بداية تولد الفكرة في ذهنه، مروراً بمراحل التنفيذ وصولاً إلى اللحظة التي يكتمل فيها العمل الإبداعي في صورته النهائية، حيث يشكل له ذلك الحافز والدافع للمضي قدما في هذا الجانب والبحث عن الجديد.
وعندما يتوفر الاهتمام والدعم والتشجيع تتفجر ينابيع الإبداع والتميز، ونخلق أجواء المنافسة في أوساط الموهوبين من الجنسين للوصول إلى النجاح والشهرة والتميز، والكفيلة بتحسين المستوى المعيشي، والإسهام في خدمة الوطن والعمل على رقيه وتطوره في مختلف المجالات.
غير المألوف بمضمونه
أما الشاعر صدام كعبابي فيقول: يختلف كثيرون على تعريف الإبداع وأرى أن الإبداع ما كان جديداً كلياً في كينونته، وما ليس مألوفاً بمضمونه، وهو في الغالب ليس ابتكاراً لشكل جديد من الأشكال وإنما تجديد لما هو موجود.
ويرتبط هذا التطور بتطور الفكر الإنساني ويتأثر المبدع بالمحيط الذي يحيا به، وبأمهات الكتب التي أطلع عليها، وقد يتحول هذا التأثر إلى سياج يحيط بإبداع المبدع فيصبح إبداعاً ميتاً ليس فيه روح، ولا يحرك الحس الإنساني “المتلقي” وبالتالي يفقد أثره ورسالته.
والمشكلة الحقيقة التي تواجه الإبداع في بلادنا والكثير من البلدان العربية، هو تعصب المتعصبين للماضي أو لما هو متاح وموجود، وهم بذلك ايضاً داخل السياج الذي تحدثت عنه، لا يمكنهم رؤية أكثر من حدود المكان ولا يدركون ماهية الزمان الذي يحيون فيه لأنهم لا يملكونه.
أما عن الإشكاليات التي تواجه المبدعين فليس فقط في عدم الاهتمام، إنما أكثر من ذلك عدم النظر إلى إبداعهم وتحاشيه، واستخدمت هذه اللفظة، لأن التحاشي هو لما قد يمكن أن يسلب منك اهتمامك رغماً عنك.. وكلامي هذا قد يثير حفيظة البعض إذ أن المبدعين ليسوا في واجهة الواقع إلا قلة، خاصة في وجود مواقع التواصل الاجتماعي وحالة التضليل الكبير الذي أحدثته.
ويضيف: وفي هذا الجانب أتفق تماماً مع كلام أدونيس الذي يقول: “أكبر أكذوبة فنية الشيء الذي يسمونه الجمهور، فنياً لا معنى له، وأنا أقيس تدني الشاعر بمدى جماهيريته، بعدد ما يكون عنده جماهير سيكون دليلاً بالنسبة لي على تدني شعره، فنزار قباني جماهيره حجاب كبير على شعره، وجماهير نزار قباني لا تحب الجميل في شعره، وإنما تحب المبتذل والعام والمشترك، وهذا الشيء ينطبق على محمود درويش، وعلى جميع الشعراء وعليَ، وإن الجمهور لا يحب إلا المبتذل والسطحي، والعام والمشترك، والذي لا معنى له في الأخير، ولا قيمة له “، ويقول محمود درويش أيضاً “على الشاعر عدم البحث عن جمهور إنما عن قراء “.
ويؤكد بالقول: أنا أجزم أنه في الوقت الذي سيتم فيه الاهتمام بالمبدعين ستكون بداية التغيير وبداية نهضة ليس فقط في الشأن الثقافي إنما في جميع جوانب الحياة، فالمبدع قد يكون مثقفاً أو معلماً أو فناناً أو سياسياً أو مهندساً، والاهتمام بهم يكون في الإيمان بإبداعهم وبما يقدمونه من رسالة وهذا وحده سيأتي بكل شيء آخر.
إظهار الشيء من العدم
أما الأديب ثابت القوطاري فيقول الإبداع، مصدر أبدع، وهو مصطلح يحمل بعداً فلسفياً جميلاً، وهو إظهار الشيء من العدم، والإبداع لا يختص بمجال بعينه، فهو يتجاوز حقل الأدب والثقافة والفن ويكاد يشمل جوانب الحياة المختلفة، وأنشطة الإنسان المتعددة عندما يقوم بإظهار شيء متميز ومختلف وغير مألوف على نحو من الإبداع، محدثا لفتة إليه على نحو من الدهشة، والمبدع هو المتجاوز للواقع السائد، والبيئة المحيطة، مخترقا الزمن والمكان معاً.
ويضيف: صناعة المبدع ليس بالأمر السهل فهو يستلزم استعداداً داخلياً ذاتياً أولاً، ومحفزاً خارجياً ثانيا، فالرعاية والاهتمام قد لا تصنع المبدعين إذا لم يكن هناك استعداد داخلي ذاتي لديهم، وفي ذات اللحظة الرعاية والاحتواء مطلوب لصناعة المبدعين، بل أن تظهر مبدعا من العدم لهو الإبداع عينه، ولا يتأتى هذا إلا بوجود وتفعيل الجهات الرسمية والخاصة والقيام بالعمل على نحو من النضج والاكتمال، لأن الصدفة لا تصنع مبدعاً -من وجهة نظري- مع الاستمرار في المتابعة والدعم والتقييم وإتاحة الفرص، ووضع الخطط والبرامج من ذوي التخصص، لاسيما وأن المبدع ثروة بشرية يمكن توظيفها في مجالات الحياة المختلفة تعود فائدتها على المبدع، ومجتمعه، وبلده.
مخزون إبداعي
ويؤكد الكاتب والأديب يحيى جحاف بالقول: للإبداع معانٍ كثيرة، لكن العقل مركز الإبداع كله لأنه مركز التفكير لدى الإنسان وسر من أسرار التفوق في ميادين الحياة ويمكن صاحبه من كشف سبل جديدة في عملية التطوير والتغيير، والمبدع هو المنشئ والمحدث الذي لم يسبقه أحد في أي عمل جديد.
لذلك يمكننا القول بأننا معشر اليمانيين قد بلغنا درجة كبيرة من الإبداع بل قد فقنا بإبداعاتنا كثير من الشعوب، ولكي تظل هذه الإبداعات في نمو وتطور لا بد من رعاية المبدعين والأخذ بأيديهم حتى يصلوا إلى المراتب الأمامية بكل ثقة واقتدار وهذا لا يتم إلاّ من خلال قيام الهيئات والجهات المسؤولة بمسؤوليتها في النهوض بالمشروع الثقافي على كل المستويات كونها من الظواهر الحضارية وأدوات التواصل الفكري والثقافي بين الشعوب وتنمية قدرة الأفراد على الإبداع من خلال المزيد من المعرفة والوعي، وبلدنا فيها مخزون كبير من الحالات الإبداعية التي فرضت نفسها بقوة في المشهد الثقافي محلياً وإقليمياً وأصبحت هناك أسماء لها حضور لافت بالرغم أنها لم تحظ بأي دعم أو رعاية من أحد، بل تمكنت بمعاناتها أن تكون حاضرة وفي مجالات مختلفة لتكون المعاناة هي الطريق الوحيد لصنع الإبداع..
محور ارتكاز لأدوات التطور
فيما يشير الأديب بشير المصقري إلى أن الإبداع هو محور ارتكاز لأدوات التطور وبه تستطيع المجتمعات والشعوب تسجيل حضور نوعي بين الأمم وفي سياق التنافس المفتوح على تحقيق الوجود الإنساني والثقافي فوق أديم الأرض.. فإذا ما وجد الابداع والمبدعين وجدت خارطة الوعي البنّاء الذي يُمكن هذا المجتمع أو ذلك الشعب من صناعة مضامين حياة يعمها السلام والوفاق، فالأخيران هما شرطان أساسيان لمواكبة الأمم المزدهرة ولإيجاد تبعات من قبيل الرُقي والتقدم والتأثير المباشر على خلق ظروف ثقافية وفكرية واجتماعية ممهدة الطريق للنمو والتطور المنشود.
ويضيف: إن صناعة المبدع عملية معقدة نوعا ما ولا تتوافر ظروفها إلاّ في ظل حالة هدوء وسلام واستقرار، كما أن إعداد صيغ المبدعين تحتاج في المقام الأول إلى التخلص من محمولات الماضي فيما يتعلق بالصراعات التي تشكلت بفعل فئوي أو طائفي أو جهوي أو جيوسياسي، ويعقب ذلك التبرؤ من العُقد الاجتماعية المتكلسة في مهاد متخلف لا يصالح الفكرة الجديدة الذاهبة للتسامح والمؤمنة بالتعايش كفكرة نبني عليها توجهاتنا الإبداعية..
ويضيف: أن خلق الإبداع وصناعة المبدعين مهمة شاقة تحتاج مدد إنساني واعي بطبيعة الوجود وحالاته المتعددة الأجناس والهويات والألوان والأعراق.. فإذا ما فهمنا المهمة سنجد البيئة القابلة الإبداع ومن ثم تأتي مهمة الاهتمام بالمبدعين وكيفيات دعمهم وتمكينهم من اكتشاف أغوار ذواتهم وتوجيه نتاجاتهم الإبداعية لإفادة من يحايثونهم من البشر ..
الإبداع هو الابتكار
ويؤكد الفنان التشكيلي المبدع زياد العنسي أن الإبداع هو الابتكار في شتى مجالات الحياة الإنسانية، وهو ناتج عن موهبة ما، أو حاجة ما، أو فكرة ما، شريطة أن تكون مرتبطة بإحساس داخلي نابع من قدرات قوية مكتسبة من عدة عوامل (الإلهام- التجربة- الممارسة- المعرفة).
أما عن صناعة المبدعين، فهناك مقولة شهيرة مفادها أنه يمكننا أن نصنع طبيباً، ويمكننا أيضاً أن نصنع مهندساً ماهراً، ولكن لا يمكننا أن نصنع فناناً أو مبدعاً، وهذه فعلا حقيقة مفادها أن الإبداع أو المبدع هو ذلك الشخص الملهم الموهبة، ولذلك يجب الاهتمام ورعاية الموهوبين في مختلف تخصصاتهم ومهاراتهم وتوجهاتهم ، من خلال اكتشافهم واكتشاف قدراتهم منذ السنوات الأولى لهم، ومن ثم متابعتهم ورعايتهم ودعمهم بالكثير من احتياجاتهم ( خاصة تلك التي ستساعدهم على الاستمرارية والتطور والنضوج أو الاحتراف)، ثم تأتي المرحلة التالية وهي اظهارهم واظهار مواهبهم وإبداعاتهم لمجتمعهم والعالم.
ويضيف: كذا يجب دعم المبدعين منذ بداية اكتشاف مواهبهم وقدراتهم، ومن ثم الاستمرار في دعمهم بصورة مستمرة لضمان استمراريتهم كل في مجال تخصصه وموهبته (هناك الكثير من المبدعين تركوا وتخلوا عن إبداعاتهم بسبب غياب الجهات الداعمة، وذهبوا للبحث عن أعمال أخرى بعيدة جداً عن مواهبهم وقدراتهم).
القادر على الإنتاج
ويقول الدكتور إسماعيل محمد النجار عن الإبداع الأدبي: كلمة المبدع عامة تطلق على كل ذي ملكة عقلية وروحية واجتماعية وقادر على الإنتاج بشكل عام والأدب خاصةً، فكل إنسان يستطيع التفوق وينجز الجديد بتميز وإيجابية لخدمة الفرد والمجتمع يستحق هذه الصفة، والمبدعون أولئك الذين يضعون بصمة واضحة لخدمة الإنسانية، والإبداع قد يكون فنياً أو رياضياً أو هندسيأ، أو في مجالات أخرى، ويصل الإنسان لهذه الصفة إذا تمكن من تطوير قدراته ومواهبه بطريقة مبتكرة ليطلق عليه هذا التوصيف بلا تردد، والمبدعون يختلفون عن غيرهم لما يمتلكون من مواهب وقدرات متميزة في التفكير والإنتاج، وعطاءاتهم غير مسبوقة وغالباً ما يندر هؤلاء الأفراد.
ويضيف: ومن تجارب التاريخ والأمم التي تصدرت قيادات عالمنا الراهن يرجع لهؤلاء الأشخاص الفضل لإيصال بلدانهم ومجتمعاتهم للمراتب العليا والمتطورة بما فيها الإبداعات الأدبية مثل الرواية والشعر والنقد، وكذلك الفنية كالمسرح والفن والفنون التشكيلية كافة وفن الخط وكذلك في المجالات العلمية.
ويضيف: ولاشك أن الأمم المتقدمة استوعبت وفهمت أن المبدعين هم حجر الزاوية في تقدم الدولة والمجتمع، ويرجع تخلف الدولة والمجتمع لعدم الاهتمام بالإبداع والمواهب وخاصة الدول المتخلفة، والمجتمعات الفقيرة إبداعياً لا تتميز ولا تتطور ويسودها الجهل والتخلف، وقد منحت الدول المتطورة أو المجتمعات المستوعبة لمبدعيها امتيازات كبيرة جداً للمبدعين وتمكنت من استثمار قدراتهم ومواهبهم، كما حدث في الدول المتقدمة علمياً وحضارياً، وإذا تطرقنا للأديب المنتج دون أن يكون لإنتاجه وجه من وجوه الإبداع فإن ذلك يعتبر نوعاً من المغالطة والتشويه لقيم الابداع الأدبي.
ويشير الدكتور النجار إلى عدد من القضايا الهامة التي لا بد أن يأخذ بها المبدع، فعادةً ما يكون أدب المبدع بعيداً عن الالتزام ما دام الإبداع يتعلق بالموهبة القادرة على الإنتاج الإبداعي، أما الالتزام الأخلاقي فلا علاقة له بالموهبة لأنه مكتسب والأديب يضع نفسه طواعية أو مختاراً في سلوكه الاخلاقي أو ثوابت القيم، دون تغليب الذات أو ارتباطاته ومصالحه، وتجرد المبدع تضحية حيث يضع كل إنتاجه في بوتقة المجتمع، وأن التزامه الذاتي بقواعد القيم والأخلاق تعطي للإبداع البعد الإنساني وتعبر عن سليقته، والالتزام الأخلاقي لا يقيد الأديب ويحول دون القدرة على الإبداع وتوجيهها الوجهة الصالحة إذا استثنينا قيود الشرع والقوانين المقيدة للحريات الشخصية والتي تطغى على مصالح المجتمع وتقود للفوضى والإباحية وتجتاح الحدود الأخلاقية التي اعتادها البشر منذ خلقهم الله جلت قدرته.
وتساءل الدكتور إسماعيل النجار: إلى أي مدى يتمكن «الالتزام» في الحد من قدرات الأديب المبدع؟ وهل المجتمع هو من يصوغ هذه القيود ويختارها الأديب طوعياً وعن قناعة لتصبح ذاتية، ولا يستطيع أحد تغييرها أو فرضها عند وجودها، ووضع عوائق تحد من تفكير وإنتاج المبدع لتنعكس على تطور المجتمع أو تخلفه، والالتزام مسألة نسبية وتأخذ بعقلانية فلا تضييق ولا توسيع للمعيار ليفقد المبدع معنى الإبداع، بمعنى جعل الالتزام عاملاً مهيأ لحرية الإبداع وكثير من المبدعين أعطوا البشر السعادة والبهجة في رواياتهم وبعض المبدعين من الكتاب أثاروا استياء المجتمع لعدم الالتزام بالقيود الأخلاقية ليبرز سؤال: هل هذه المواقف سبب لشطب إبداعات حقيقية وذات مدلول؟ وهل يجوز إطلاق أحكاماً بناء على سوء مسلك المبدع لإنكار أعماله أو الإساءة لإبداعاته، فالفصل بين مسلك الأديب وابداعاته مهم ومنطقي ومن المجحف الإنكار أو الإساءة للإبداع ذاته.
ويوضح الدكتور النجار أن من صفات الأديب المبدع التمتع بخاصية جذب الآخرين لما يكتبه، وتلك مهارة لا يمكن أن تتوفر إلا في الأديب الذي يمتلك مهارات الجذب والسحر العقلي، ومن الصفات أيضاً القصد الجميل في الإبداع فالنوايا مقاصد والكتابات بقلوب الكتاب جميلة وحيث ما صحت المقاصد يكون الإقبال في القراءة سمة مميزة في الإبداع تجذب القارئ.
سمة فكرية وإنسانية
الأديب بكيل المحفدي يؤكد أن الإبداع سمة فكرية إنسانية تتسم بها الشعوب.. وترتقي برقي أبنائها وبمستوى إبداعهم.. في شتى المجالات، وبما أن الإنسان اليمني يواكب التطور، ويساهم أيضاً في عملية البناء المجتمعي، فالإبداع هو التميز وهو الخروج عن رتم الملل وابتكار طرق جديدة غير المعهودة، ويتأتى ذلك للإنسان المتعلم والملم والمواكب للحداثة، وعندما يتطور الإنسان ويبدع في عمله بأسلوب متفرد، وهدفه من إبداعه هو منفعة الآخرين.
ويضيف: المبدعون هم فئة من المجتمع ولكنهم متميزون بالإخلاص وبالتميز في مجالات أعمالهم وتطوير أنفسهم لخدمة مجتمعاتهم في شتى المجالات.. ولا يقتصر الإبداع على مجال معين أو مهنة معينة أو فئة معينة.
الوجه الآخر
كما يشير الأديب والشاعر بلال قايد عمر إلى أن الكتابة الإبداعية والفنون الأخرى هي الوجه الآخر للدمار الموجود الآن مادياً ومعنوياً، فهي من تجعلنا نحتمل الحياة رغم التهميش الذي ينالهم من النخبة، ففي الوقت الذي اقفلت في وجوههم الصحف والمجالات المحلية انطلقوا خارجيا يكتبون ويتنفسون ويعيدون الحياة لدواخلهم أولاً وللآخرين ثانياً.
ويضيف: إن الإبداع لا ينمو ولا يترعرع إلاّ في بيئة تساعده وتشجعه، وبلادنا غنية بالمبدعين في شتى المجالات، وكلما بدأ ينمو ويتطور إلا أن هناك من يعرقل هذا الابداع ويقف حجر عثرة أمام المبدعين، ورغم ما يعانيه الإبداع من تجاهل ومن غربة إلاّ أن المبدع يقاوم الاندثار بقوة ذاتية.
وينوه إلى أن وضع المبدع والإبداع في الوقت الراهن يعاني من تغييب متعمد بسبب ظروف الحرب والاقتتال الدائر في جميع مناطق اليمن مع أن المبدعين يحاولون أن يرفعوا قيمة الوطن من خلال الإبداع وتخفيف حدة الخلافات، مبدياً أسفه لعدم وجود صناعة كتاب أو اهتمام بالفنون الأخرى في اليمن، سواء من الدولة أو القطاع الخاص، فالمبدع يظل هو المسؤول الأول في الترويج ونشر الإبداع وهو ما يجعله غير قادر في كثير من الأحيان على الاستمرار في إنتاجه.
ويؤكد على ضرورة قيام الدولة والقطاع الخاص بدورهم في الاهتمام بهذه الجوانب لأنها ما زالت مصدر خصب حتى من الناحية المادية، لأن اليمن فيها الكثير من الإبداع الذي سيعود عليهم بالأرباح، وفي أضعف الأحوال عليهم أن يتركوا المبدع أن يبدع دون أن يضعوا العراقيل أمامه وهو من سيشق طريقه بنفسه.