الأمم المتحدة .. هيمنة نظام القطب الواحد أضعف دورها على مستوى العالم


في مثل هذا اليوم من شهر أكتوبر من كل عام يحتفل العالم أجمع بيوم عيد الأمم المتحدة في ذكرى تأسيسها عام 1945م وبعد مرور (68) عاماٍ على نشأتها يشهد معظم بلدان العالم نزاعات وصراعات عدة و ما نتج عنها من معاناة إنسانية أخفقت الأمم المتحدة في معالجة الكثير منها وشهدت العلاقات الدولية اختلالات كبيرة أدت إلى ظهور الأحلاف العسكرية والتكتلات وحدثت متغيرات على الصعيد العالمي ظهرت من خلاله منظمة الأمم المتحدة عاجزة عن تحقيق السلم والأمن الدوليين في ظل الاضطرابات التي تشهدها عدة بلدان وخير شاهد على ذلك القضية الفلسطينية.
وقد أظهرت الأزمة السورية دليلاٍ إضافياٍ لما تعانيه تلك المنظمة من حالة الضعف والوهن بدليل أن الأطراف المتحكمة بتلك الأزمة لا يزال يقتصر على الدور الروسي والأميركي بينما الأمم المتحدة هي الغائب الحاضر ولا يكاد يكون لها دور يذكر.
لقد دفع قيام الحرب العالمية الثانية بالدول المتحالفة ضد ألمانيا إلى التفكير في إيجاد منظمة دولية جديدة تحل محل عصبة الأمم المتحدة التي انهارت حال اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 – 1944م) حيث تبلورت فكرة الأمم المتحدة إثر عدة اجتماعات عقدت أثناء الحرب كان أبرزها اجتماع واشنطن عام 1942م والذي ضم 26 دولة متحالفة تعهدت حينذاك مواصلتها الحرب ضد دول المحور تلا ذلك إعلان موسكو في تاريخ 30 أكتوبر 1943م حيث اتفق وزراء خارجية الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وأعلنوا تعهدهم ببذل الجهود بهدف إنشاء منظمة دولية شاملة تقوم على أساس السيادة والمساواة بين كل الدول المحبة للسلام وتكون مفتوحة العضوية لكافة الدول الكبيرة والصغيرة من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
واستمرت المشاورات بين الحلفاء لبلورة فكرة إنشاء المنظمة الدولية وفي عام 1944م دعت الولايات المتحدة الأمريكية لعقد مباحثات حول الموضوع نفسه بمشاركة بريطانيا والصين والاتحاد السوفيتي وتمت مناقشة صيغة مشروع الميثاق العتيد لهذه المنظمة ووضعت مسودة له وتم توزيعها على دول الحلفاء وفي مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945م تم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة من قبل 51 دولة وإعلان ميلاد الأمم المتحدة المنظمة العالمية الدولية في 24 أكتوبر 1945م وتنتمي إلى الأمم المتحدة اليوم كل دول العالم تقريباٍ إذ يبلغ عدد أعضاء المنظمة الدولية 193 بلداٍ.
وعندما تصبح الدول أعضاء في الأمم المتحدة فإنها توافق على القبول بالالتزامات المنصوص عليها في ميثاق المنظمة ويعتبر معاهدة دولية تحدد المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية وللأمم المتحدة وفقاٍ للميثاق أربعة مقاصد هي :
1- صون السلم والأمن الدوليين.
2- تنمية العلاقات الودية بين الأمم.
3- تحقيق التعاون على حل المشاكل الدولية وتعزيز واحترام حقوق الإنسان.
4- جعل هذه الهيئة مركزاٍ لتنسيق أعمال الأمم.
وللأمم المتحدة ستة أجهزة رئيسية تقع مقار خمسة منها في المقر الرئيسي للأمم المتحدة بنيويورك وهي : الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية والأمانة العامة أما مقر الجهاز السادس وهو محكمة العدل الدولية فيقع في لاهاي بهولندا.
لقد تكونت الأمم المتحدة أو نشأت نتاج تفاعلات دولية أبرزها و جود الصراعات والحروب والتنافس السياسي بين الوحدات الدولية من قبل الدول المنتصرة التي كانت تعيش في تلك المرحلة وفاقاٍ على ما يبدو أنه كان مرهوناٍ بالمصالح المشتركة في تلك الحقبة وقد غطى هذا الوفاق على كل خلل وتباين المواقف والمصالح داخل المنظمة ولكن اختفاء هذا الوفاق كان مع بداية مرحلة يمكن اعتبارها فاصلة في تاريخ الأمم المتحدة والمتمثلة في الحرب الباردة بما حملته من صراع بين المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والذي تجسد على أرض الواقع عدة مظاهر من قبيل سياسة الاستقطاب والتسابق نحو التسلح وإنشاء الأحلاف العسكرية لحركة المد الشيوعي.
كان لهذا كله تمظهر داخل المنظمة الأممية عبر استغلال امتيازات المقاعد الدائمة وحق الفيتو الذي تم استعماله من طرف القوى المتصارعة لإيقاف مجموعة من مشاريع القرارات التي لا تخدم مصالحها هذا الوضع الذي ساد داخل المنظمة كان له انعكاس كبير على أدائها لعملها وإنجازها للمهام الملقاة على عاتقها مما أدى إلى حالة من الجمود داخلها وعدم التفعيل الكامل لنظام الأمن الجماعي وهو النظام الذي منحت فيه أجهزة المنظمة خصوصاٍ مجلس الأمن الدور الأساسي في مهامه حيث منحت له الأجهزة صلاحيات وسلطات قانونية تم تدعيمها بوسائل مادية لتمكينها من ردع وقمع أي سلوك مخالف للقانون الدولي ولمبادئ الميثاق.
ومنذ إنشاء المنظمةجرت تحولات كبيرة على الساحة الدولية أهمها الحرب الباردة التي أبعدت تلك الحرب المنظمة عن تحقيق الكثير من غاياتها وجعلتها عرضة للصراع بين الشرق والغرب وشلت كثيراٍ من آلياتها وهيمن نمط من التفكير يغلب الصراع على التعاون.
وإذا كان انهيار الكتلة الشرقية قد أنهى صراع الشرق والغرب فإنه قد عمق في نفس الوقت الاختلالات بين الشمال والجنوب وقد انعكس ذلك المستوى السياسي نفسه فتجربة حرب الخليج أظهرت أنه وراء شعار النظام العالمي الجديد يكمن واقع هيمنة جديدة تدعي تقوية المنظمة الأممية في الوقت الذي تعمل على إخضاعها للسياسة الخارجية للدول العظمى.
وفي هذا الإطار العام الذي تعمقت فيه الاختلالات دفعت الدول الكبرى المهيمنة على النظام العالمي الجديد بمنطق مصالحها أشواطاٍ بعيدة مغتنمة هذه الفرصة التاريخية لإرساء قواعد وممارسات تعسفية عبر مجلس الأمن الدولي.
وبعد انتهاء الحرب الباردة اعتقد البعض أن انتهاء الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب سيخلص الأمم المتحدة من قيدها ويجعلها تعمل من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين بصورة أفضل مما كانت عليه في عصر الحرب الباردة لكن ذلك الاعتقاد ذهب أدراج الرياح وصار وضع المنظمة غير قادر على تحقيق الحد الأدنى من السلم والأمن وفض النزاعات والحروب بين البلدان المتصارعة.
لقد فشل مجلس الأمن الدولي في أحيان كثيرة عن القيام بالمهمة الموكلة إليه في تحقيق حفظ الأمن والاستقرار جراء الاستخدام المتكرر لحق النقض الفيتو من قبل الدول الدائمة العضوية مما أدى إلى تعطيل أحكام الفصلين السادس والسابع في بعض الأحيان وبالتالي فإن هذا الأمر قد أدى إلى عجز الأمم المتحدة عن صياغة الأمن والسلم الدوليين كما كان لغياب التوازن الأثر الكبير على مجريات الأحداث في العلاقات الدولية.
ومنذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945م تم استخدام حق النقض «الفيتو» 253 مرة حيث احتل الاتحاد السوفياتي المرتبة الأولى فقد بلغت عدد المرات 123 مرة والولايات المتحدة الأميركية 76 وبريطانيا 32 وفرنسا 15 بينما استخدمته فرنسا 7 مرات.
ودائماٍ ما كان الاتحاد السوفياتي يمارس حق الفيتو في أغلب الأحيان لصالح نصرة الشعوب العربية والدول النامية التواقة إلى الحرية بعكس الولايات المتحدة الأميركية التي دائماٍ ما كانت تستخدم حق النقض لصالح الكيان الصهيوني بدرجة أساسية.
وضد قضايا العرب وخاصة القضية الفلسطينية إن إنهيار المعسكر الأشتراكي المتمثل بحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفياتي.. أفقد الأمم المتحدة الكثير من مهامها حيث كانت تشكل مرحلة القطبين حالة من التوازن في العلاقات الدولية حيث كان الاتحاد السوفياتي يمثل حائطاٍ تستند عليه دول العالم الثالث لحمايتها من الهيمنة الأميركية وبسقوط المعسكر الشرقي أصبحت بعض البلدان عارية أمام القوة الأمبريالية والتي سعت تلك القوة إلى تفكيك دول العالم النامية التي كانت ترفض سياساتها وعملت على تفكيك الاتحاد اليوغسلافي ودول عدم الانحياز.
لذلك فإن السياستين الأمبريالية الأميركية الأوروبية قد أفشلت الدور المناط لمهمة الأمم المتحدة في تحقيق السلم والأمن الدوليين حيث زادت نسب الفقر والمرض والمجاعة والحروب والفشل في حل معظم القضايا الدولية الشائكة كما هو الحال في فلسطين والصومال والعراق وأفغانستان.
وإذا كانت أحد أهم العوامل الأساسية التي استدعت نشوب الحرب العالمية الثانية تمثلت في الصراع على مضيق «الدردنيل» وكذلك تنامي الصراع حول جزر فرساي بين فرنسا وألمانيا حيث فشلت معاهدة فرنسا في عام 1922م في حل ذلك الاشكال فقد ظهر في الوقت الراهن ما يسمى بمفهوم الإرهاب في السياسة الدولية وبمجرد ما استكمل حلف شمال الأطلسي حربه على الاتحاد اليوغسلافي اعتلى مفهوم الإرهاب وصار أحد أدوات السياسة الدولية لتحقيق أهداف الرأسمالية وهي في مرحلة العولمة بوصفها اسماٍ حركياٍ لأمركة كل شيء له علاقة بالسياسة والاقتصاد والثقافة حيث أخضعت تلك العولمة لمفهومها في جانبها السلبي وهي القرين الموازي لمفهوم الإرهاب الدولي الرسمي منظومة القيم بما فيها الهوية والانتماء الوطني لأعمال متعددة من التسليع بما في ذلك الإنسان الذي صار في عرف المواطنة الدولية مجرد آلة أو رقم يتحدد وفقاٍ لشيوع مفاهيم الإرهاب بالظرف الراهن أعلى مراحل الإمبريالية المتوحشة خاصة وقد تحول مفهوم الإرهاب سيفاٍ مسلطاٍ على الشعوب الصغيرة والبلدان النامية ومن خلاله ترسم الاستراتيجيات الجديدة للنظام الدولي القائم وإذا كان الفجور العالمي المتواطئ ضد القضية الفلسطينية بالتأكيد فإن ذلك الفجور أعلى كائن إرهابي بشع لم تعرفه البشرية منذ العصور الوسطى مروراٍ بمذابح التفتيش في الأندلس إبان ممارسة الفاشية القديمة المتوحشة في طابورها الخامس الذي يتكئ على تسويق الإرهاب الذي نشأ وترعرع في بيئة غربية منذ تهجير الأفارقة إلى تطهير أمة الهنود الحمر في أميركا إلى ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر الإبادة الجماعية في ظل الصمت المريب من قبل العالم ومنظمة الأمم المتحدة والتي تحتفل اليوم في الذكرى الثامنة والستين منذ نشأتها غير قادرة على حل القضية الفلسطينية.
حيث يعتبر الكيان الصهيوني نبتة شيطانية في الكرة الأرضية تتماثل بالإغلاق بين الغزو من جانب ولعنة التاريخ والجغرافيا من جانب آخر لذلك تم مع سابق الإصرار والترصد تسويق مفهوم الإرهاب إلى الوطن العربي وأنشأوا له كياناٍ لقيطاٍ في فلسطين المحتلة ليصبح الإرهاب أرقى المشاريع الناجحة في السياسة الدولية لأنه إرهاب منظم بقوى السيطرة والهيمنة التي تجتاح البحار والمحيطات ويتم تحريكه وفقاٍ لمصالح الأمبريالية الرأسمالية لتحقيق أهدافها واستكمال سيطرتها على مناطق النفوذ في العالم.
لذلك فقد تنامت الصراعات الدولية في نهاية القرن الماضي مدشنة مساراٍ جديداٍ مع القرن الجاري وقد أخفقت الأمم المتحدة في فض النزاعات وظهر عجزها من خلال أزمة الصواريخ الروسية في كوبا إلى أزمة مع واشنطن بغض النظر عما إذا كان ذلك قبل أو بعد أو أثناء غزو الولايات المتحدة الأميركية لخليج الخنازير في محاولة منها لإسقاط النظام الشيوعي الكوبي وقد باءت تلك المحاولة بالفشل لتتواصل النزاعات حول المياه لا سيما بعد حصول الصين على جزيرة هونج كونج بعد فترة استعمار طويلة من بريطانيا.
وبالمقابل من ذلك تحولت السياسة الدولية من أداة حل كما كان يفترض بها لتسوية النزاع في جزيرة قبرص إلا أن تلك السيارات اعتمدت أسلوب تأجيج الصراع داخل جزيرة قبرص على إثر إجتياح الجيش التركي في الستينيات لتلك الجزيرة.
خلاصة ما تقدم لقد أخفقت منظمة الأمم المتحدة وغاب دورها تماماٍ في تحقيق السلم والأمن الدوليين في كثير من النزاعات والصراعات التي نشبت منذ تأسيسها حتى اللحظة الراهنة وأظهرت الأزمة السورية حالة الضعف والوهن والعجز الواضح في المهمة التي أوكلت إليها الأمم المتحدة جراء هيمنة القوى الدولية على قراراتها تجاه الشعوب والأمم.
وهو ما يتوجب بحسب مراقبين إعادة النظر في إصلاح أجهزة منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها بحيث يكون التمثيل فيها ديمقراطياٍ بعيداٍ عن قوى الهيمنة الدولية والعمل على معاقبة أي عضو من أعضائها لا يعمل على احترام قراراتها لكي يعيش العالم بأمن وسلام بعيداٍ عن ويلات الحرب والتبعية والارتهان للقوى الأمبريالية.
تولى منصب الأمانة العامة عدة شخصيات وهم:
1 – تريغفي لي أول سكرتير لمنظمة الأمم المتحدة من أصل نرويجي من عام 1946م – 1952م.
2 – داغ همر شول سويدي من الفترة 1953م – 1961م.
3 – يوثانت ميانماري من 1961 – 1972م.
4 – كورت فالدهايم نمساوي من 1972 – 1981م.
5 – خافير بيريز دي كويلارد – بيروفي من 1982 – 1991م.
6 – بطرس بطرس غالي – مصري من 1992 – 1996م.
7 – كوفي أنان – غانا من 1997 – 2006م.
8- بان كي مون كوري جنوبي من 2007م إلى الآن.

قد يعجبك ايضا