الرميم: صدِّرنا شحنة حسب الطلب وحازت على 97 نقطة في التميز

البن اليمني.. ثروة مهدورة وسوق عالمي واعد

لم نستطع تلبية الطلبات العالمية.. وأدركنا أننا نمتلك كنزا كبيرا

ما أجمل أن تبدأ صباحك بتناول كوب من البن اليمني، طعم وذوق ورائحة ولا أشهى في تعديل المزاج وراحة النفس، فهو يمثل عند الكثير من اليمنيين نخب الحياة وروعتها.
تقرير/ يحيى قاسم المدار

عرف اليمن بأنه الموطن الأصلي للبن وقيل: إنه البلد الوحيد في العالم المنتج والمصدر له استنادا إلى رأي بعض الباحثين، وقيل أن البن اكتشف في اليمن عام 500 قبل الميلاد, وقد انتشرت زراعته في القرنين الـ15والـ16 الميلادي، وكان يزرع في المنحدرات والمرتفعات ومناطق عدة في اليمن حيث يشغل مساحات واسعة تمتد من محافظة صعدة شمالا وحتى يافع جنوبا؛ في مناطق المرتفعات الوسطى والشمالية والجنوبية والجنوبية الشرقية على ارتفاعات تتراوح ما بين 1000متر إلى أكثر من 2000متر وبمعدلات أمطار موسمية تتراوح ما بين 1000ملم سنويا.. 
يمتلك البن اليمني خصائص فريدة تميزه عن غيره في مختلف بلدان العالم، وتعود أسباب تميزه لعدة عوامل كالتركيب الوراثي للأصناف اليمنية والطبوغرافيا والمناخ وغيرها من العوامل التي جعلت اليمن يتحكم بإنتاج وتجارة البن لأكثر من ثلاثة قرون، فاليمنيون هم أول من استزرع محصول البن، وأول من حولّه إلى مشروب ساخن وأول من جعله سلعة اقتصادية قابلة للتبادل التجاري بين اليمن والعالم..
كان لازدهار البن اليمني خلال القرنين الـ17 والـ18 الميلادي أثر إيجابي كبير، ليس فقط على المستوى الاقتصادي في اليمن فحسب بل على حظ المناطق والبلدان والشركات التي عملت في تجارته، فقد حققت تجارته أرباحا عالية للعديد من المناطق الواقعة على حوض المحيط الهندي والبحر الأحمر، وقد استطاع البن أن يحقق شهرة عالمية في وقت قياسي، كما استمر في الحفاظ على موقعه المتميز من السلع العالمية لمدة طويلة من الزمن رغم الصعوبات الكثيرة التي اعترضت طريقه، إلا أن جودته العالية ونكهته المتميزة كانتا كفيلتين ببقائه في موقع الصدارة..
على الصعيد الاقتصادي الداخلي أصبح البن من المحاصيل الرئيسية التي يمكن أن تدر على خزينة الدولة مبالغ لا يستهان بها..
وعلى الصعيد الاجتماعي والثقافي فقد رافق ظهور البن في اليمن ظهور حركة فكرية وأدبية كبيرة وظهر البن في الإنتاج الشعري الإبداعي، خاصة بعد تحوله إلى قهوة ارتبطت بطقوس الحياة اليومية والعرف الاجتماعي..
اتسمت عملية التسويق بنشاط واسع وزادت عملية تجارته وتصديره إلى البلدان الخارجية عبر عدد من الموانئ؛ مثل : المخا؛ عدن؛ الحديدة؛ اللحية وغيرها، لكن شهرته ارتبطت بميناء المخا الذي كان الميناء الأبرز والأول في تصدير البن حتى اقترن اسم البن باسم الميناء، واشتهر عالميا باسم موكا كافية أي بن المخا، حيث شهد هذا الميناء أول عملية تصدير للبن عام 1628م ولاتزال هذه العلامة التجارية مشهورة ومعروفة ومتميزة إلى اليوم..
تحتوي عملية زراعة البن على العديد من المعارف الموروثة والخبرات التي توارثها الأحفاد عن الأسلاف وهي معارف وخبرات تقليدية محلية تعكس خصوصية الإرث الثقافي الزراعي اليمني وتحدد هويته وبصمته وطبيعة فكره وتصوراته وأساليبه الخاصة في التعامل مع شجرة البن تربية وإنتاجا وتسويقا، وتتنوع تلك المعارف والخبرات في إطار المجتمع الزراعي اليمني من منطقة إلى أخرى باختلاف الخصوصيات المناخية والتضاريسية ومن تلك المعارف والخبرات الآتي:
*التشتيل: وهو عملية انتاج فسائل غرسات /شتلات صغيرة ليتم غرسها وزراعتها في أراض جديدة .
التظليل: أي زراعة أشجار البن جوار الأشجار الكبيرة مثل : الطنب لحمايتها من الشمس وتقليل عملية النتح..
*الري: اتبع اليمنيون طرقا ووسائل مختلفة في الري تبعا لوفرة المياه أو شحتها  ففي الوديان التي تكثر فيها الغيول كان السقي يتم عبر السواقي وفي المدرجات كان الري عن طريق المناقلة أو بالتقطير.
*التسميد: عادة ما كان المزارع اليمني يستخدم السماد العضوي الذبيل في كل مزروعاته ولهذا تميزت بجودتها .
*التجفيف: أي تعريض البن بعد عملية الجني لأشعة الشمس مباشرة على أسطح المنازل وتقليبه حتى يجف.
الطحن: كانت المطاحن الحجرية اليدوية هي المستخدمة قديماً لهذا الغرض، إلى أن ظهرت المطاحن الآلية الحديثة.
أساليب المكافحة: استخدم اليمني القديم عدة وسائل لمكافحة الأخطار التي قد تداهم شجرة البن وعمد إلى عدد من الطرق الوقائية لتجنب ذلك ، ومنها :-
التنظيف الدوري للحقل، حرق المخلفات النباتية، التدخين، مبيد النيم الطبيعي.
فوائد البن: يحتوي البن على الكثير من الفوائد والمنافع الضرورية لجسم الانسان نذكر منها ما يلي:-
تحسين مستويات الطاقة وزيادة التركيز، يساعد على حرق الدهون، تحسين الأداء البدني، تقليل احتمال الإصابة بعدد من الأمراض ومنها:-
السكري من النوع الثاني – الزهايمر – تليف الكبد – مكافحة الاكتئاب – بعض أنواع السرطان –  السكتات الدماغية، ويحتوي على الكثير من مضادات الأكسدة وعناصر غذائية أساسية.
غياب التسويق المؤسسي
* وفي وقتنا الراهن تراجعت مستويات زراعة البن شأنه شأن الزراعة في اليمن عموماً، خاصة في ظل العدوان الصهيو سعو امريكي وما خلفه من تدمير وإحراق للمزارع والمحاصيل الزراعية واستهداف ممنهج وعدواني لكل مجالات الزراعة ومنشآتها ومواطنها وأصاب محصول البن ما أصاب بقية المحاصيل الزراعية والوطن بأكمله، فتبدد حلم اليمني الأول، وبدأت علاقة أحفاده بشجرة البن تنقطع، وتعرضت زراعة البن للإهمال والإعراض، وذلك نتيجة لعوامل مختلفة وكثيرة، منها :-
– شحة المياه وقلة مواردها .
– قلة الوعي الزراعي والاستهانة بالموروث المعرفي التقليدي والخبرات السابقة مما ادى الى قلة جودة المنتج.
– غياب التسويق المؤسسي والتصدير ، واعتماد عملية التسويق الفردي ، الذي لم يستطع الصمود أمام عملية استيراد البن الخارجي وبيعه بأسعار أقل.
ورغم هذه العوائق إلا أن هناك نماذج مشرفة من الصمود والتحدي والتوجه المجتمعي والفردي نحو الزراعة، وهناك قصص نجاح أثبتت قدرتها على تجاوز الواقع بكل سلبياته والعدوان بكل وحشيته وأحقاده، وأكدت فوز رهانها على أرض الواقع ، استثمرت كل الإمكانات المتاحة وجعلت من كل تحد فرصة نجاح على عظمة الإنسان اليمني وقدرته على تجاوز الصعاب ، في إطار مشروع الرئيس الشهيد صالح الصماد (يد تحمي ويد تبني).
خبرات متوارثة وهامة
* ومن أجل دعم وإثراء الموضوع أكثر التقينا بالمهندس عادل المطهر صديق المزارعين لنسأله عن البن اليمني من كل الجوانب، فأجاب:
البن اليمني هو هوية يمنية بامتياز وقيمة تاريخية واقتصادية، كما أنه يعتبر السفير الأول لليمن إلى الخارج، البن اليمني مميز عن غيره ومنافس قوي في القيمة التسويقية والتخزينية والجودة والمنافسة على مستوى العالم، ولكن هناك إشكالات تواجه المنتج، منها قلة الأمطار لأنه ينتج في مناطق جبلية قليلة الأمطار والغيول..
ويضيف: يعتمد المزارعون على إنتاج وزراعة البن عن طريق مياه الأمطار وبعض حصاد المياه كما في الحيمة الخارجية، ومن أهم المشاكل التي تواجه المزارع هو الري التكميلي، وأيضا العمليات الزراعية الأساسية في إعداد الأرض والذبل، لأنها تسبب مشاكل للشجرة، المفروض إن المزارعين يعملوا دائرة حول الشجرة تمنع وصول الماء والرطوبة ويستخدم من خارج الحفرة كل العمليات الزراعية، أيضا هناك بعض الإشكالات في الجمع والتجفيف والتقشير والتخزين وهي خبرات اكتسبت عبر الموروثات الشعبية التي توارثوها هم عن آبائهم وأجدادهم، حيث أنه من المفترض من المزارع أن يجمع الحبة الحمراء لوحدها والوردي لحالها وهكذا أما الباقي فلا يستعجل عليها ينتظر ليومين أو أكثر حتى يكتمل نضجها ويجمعها، وبالنسبة للتجفيف هناك طرق يعتمدها المزارعون وهي عبر تجفيف البن فوق سطوح المنازل كما شاهدتها في محافظة ريمة، إذ أن كل سطوح المنازل سخرت لتجفيف البن، كذلك التخزين يجب أن يكون في مكان مظلل بعيدا عن كل الروائح لأنه يكتسب أي رائحة جواره، ويؤكد المطهر: البن نعتبره بنكا للمزارعين يصرف منه شيكا في السوق إذا تم الاهتمام به..
أيضا هناك ما يجب أن نعرفه عن البن أن هناك أنواعا كثيرة من البن وكل منها يتميز عن الآخر في الطعم والجودة والمذاق منها: الخولاني’ الحرازي, العديني وغيرها، لكن كل ذلك بالنسبة للخارجي هو الأفضل والأحسن، ومن أهم المشاكل التي تواجه البن هو اكتساح الأراضي بشجرة القات وأيضا الحرب الشعواء التي قادتها دول الجوار وعلى رأسها السعودية التي وجهت رصاصة في صدر المزارع اليمني وساهمت بشكل أو بآخر في تشجيع زراعة القات لتسويقه داخليا من خلال تشجيع الاغتراب والعمل في السعودية وكل من رجع منها يحمل مسجلة وأشرطة يسمى أحمر عين، أما من واصل الزراعة قالوا هذا قشام أو شاقي وراعي وو و…., وينظر الناس إليه بامتهان ما سبب عزوفا كبيرا عن الزراعة إلا نحو شجرة القات التي أصبحت السائدة في البلاد وبدأ الناس يزرعونها ويكسبون من ورائها أموالا كبيرة لأنه لا توجد زراعة غيرها أصلا..
قصة نجاح
* بعد الفشل الذريع الذي صاحب إنتاج وتسويق البن اليمني كان هناك تجربة ناجحة وقصة نجاح يجب على كل من يهتم بالزراعة وإنتاج البن أن يقتدي بتلك التجربة:
قصة نجاح المزارع ماجد صالح صالح الرميم من منطقة  بيت علل مديرية الحيمة الخارجية عزلة بني سليمان من محافظة صنعاء  مواليد العام 1987 بدأنا بتأسيس جمعية الرواد لمنتجي البن والعسل في 18-1-2013بدأت الفكرة عندما شاهدنا في الفصول التي ورثناها من أجدادنا بأنه كان لديهم منازل من عشرة طابق وهذه المنازل التي أمامكم ما تبقى منها، فقلنا كنا من قرون من الزمن ملوك العالم، وكانت هذه المكانة من تجارة البن اليمني ، قمنا بإنشاء جمعية الرواد للمحافظة والرجوع إلى ذلك التراث، من بعدما شاهدنا أن هناك تراجعا كبيرا في البن وتصديره  إلى الخارج مع الوقت فقد تدهورت سمعة البن اليمني لأن التجار أصبحوا يخلطونه بالبن الخارجي ومنه الحبشي والبرازيلي وغيره، ونحن في هذه الجمعية قمنا بثورة تسويقية وإنتاجية، في التسويقية قمنا بإدخال شيء اسمه البن المتخصص وهو عديني قديم وقد صدره الآباء والأجداد إلى العالم وهو أفضل الأنواع من البن وهو كان البن المصدَر إلى العالم، أما غيره من الدوائري والتفاحي فكان لا يصدر أبدا لأنه ضعيف، لا يرقى للتصدير، وبالنسبة للسوق المحلية كان يباع الكيلو البن في اليمن بمبلغ 1200 ريال لا غير وهو مبلغ زهيد، فكرنا في ضرورة فتح  أسواق جديدة خارجية لكسر هذا السعر الزهيد، وفعلا قمنا بمساعدة شخص يمني في جمع المحصول بحسب اللون والنوع وفرزها تماما، بأن جهزنا أول شحنة للخارج حسب الطلب صدرناه وحاز على 97 نقطة من التميز وهي قيمة كبيرة أدركنا أن هناك كنزا كبيرا نملكه، وهذا شجعنا على إنشاء جمعيات أخرى للتصدير والتسويق، حتى سعره داخليا وصل سعر الكيلو الأخضر منه إلى 2000 ريال في اليمن والآن نبيعه للخارج مغلفا وبجودة عالية وبأسعار قياسية، وأريد أن أوضح أننا لم نستطع توفير ما يتطلبه السوق العالمي والأسواق التي ندخل إليها مثل الصين وغيرها، هناك طلب كبير جدا جدا، وهنا أستغلها فرصة وأدعو كافة المزارعين اليمنيين إلى التوجه لزراعة البن، ونحن سنساعدهم ومستعدون أن نعلم الجميع الطرق التي يجب عليهم اتباعها في التصدير والتسويق ونرجع للبن اليمني هيبته ومكانته التي كان عليها منذ قرون..

قد يعجبك ايضا