ضرورة تنشيط السياحة الداخلية
محمد أحمد المؤيد
من المؤكد أنه ما من وطن إلا وله مقومات تنهض بمستقبله في مختلف النواحي والاتجاهات , وإلا لما ارتقت شعوب وأوطان إن لم يكن لها أي مقومات داخلية تصب في ما من شأنه النهوض بالوطن والمواطن في شتى السبل والمجالات , والتي لاشك تكون هي الضامنة لأي مسيرة تنموية شاملة ينشدها البلد , بل وترتقي به إلى أوج العلا بين الشعوب وعوالم الله , لذا فإن أي تنمية وطنية وشعبية وخاصة المستدامة منها ينبغي على كل من يصبو إليها أن يدرك كل مقومات موجودة تكمن في أوساط المجتمع وتجود بها الأرض , بحيث يعيرون لها تباعاً لذلك جل اهتمامتهم وخلق استراتيجيات وخطط من شأنها أن تغدق على الجميع بالخير والبركات , التي لا يمكن لها أن تصبح كذلك ما لم تجد همماً عالية من ابن وبنت البلد نفسه , لأن خير البلد مثلما أنه سيعود حتماً على جميع أفراده وقاطنيه , ولذا فهم المخولون بالإعداد والتخطيط والترتيب لما تتوق له أنفسهم ويرمون إليه , فيجهدون على ضوء ذلك كل جوارحهم وأعضاءهم وعقولهم وأفئدتهم وإمكانياتهم ومدخلاتهم ومخرجاتهم من أجل الخروج منها بنتائج ومؤشرات تكون عند مستوى طموحاتهم , فحينها وعند اكتمال العناصر الكفيلة بجني الثمار , هنا فقط تحصل الفائدة للجميع , بل ويصل نصيب كل فرد في المجتمع إلى متناول يده شاء أم أبى , فلو أشرنا هنا وقسنا فقط موضوع تشجير المدن والأحياء والجزر الوسطية وفناءات وأحواش وبساتين الدور والبيوت وما تقوم به الأشجار من عملية تجديد لعامل الهواء الملوث بانبعاثات الآلات والسيارات والضجيج إلى هواء نقي ورائع ونسيم تنشرح له الصدور وتتسع للتعامل مع ظروف الحياة بسهولة ويسر تام , لأنه بكل بساطة يمد البيئة المحيطة للفرد بالأكسجين الضروري للحياة والصحة البدنية عموماً , وبهذا عرفنا كيف سيصل نصيب كل فرد في المجتمع إليه شاء أم أبى , فما بالنا لو سخرت جميع أو أغلب الاحتياجات والمرافق والفرص , التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن , والذي لو وجد المستوصف والمدرسة والجامعة وأي خدمات عامة وهي كثيرة , فبالتأكيد ستوفر على المواطن الكثير من المال وتقل بذلك الأضرار والتكاليف والجهود , بل وعند توفير ذلك في ذات المواطن وحاله وواقعه سترتفع نسبة الفائدة للفرد أقلها الصحة النفسية العالية , التي تعينه على ممارسة الحياة والتفكير بمداخلها ومخارجها والحلول التي تنفعه في مستقبله ومواجهة أي عوائق براحة بال , وهذا شيء تتجمع فيه نسبة الفائدة من عند الشخص ذاته فتصل إلى الأسرة ثم إلى المجتمع ككل ثم إلى الوطن عموما ً, ولكم أن تتخيلوا فيما لو استفاد الناس مما ذكرته لكم , وليس لكم أن تعوا معنى حديثي هذا إلا عندما يفكر الواحد منا في ما الذي تعمله ” المطبات الإسفلتية والنتوءات والحفر التي هي نتيجة أعمال وتصرفات أناس أو محلات أو أسواق ” والتي لا يكاد يخلو منها شارع أو طريق على طول وعرض الجمهورية اليمنية , وما تشكله من عوائق وخسائر للمواطن الذي يبدي استياءه وامتعاضه عند تكرار المطبات في طريقه وما تعمل تلك المطبات بمرتزيات السيارات , والتي استيرادها بالعملة الصعبة يخسِّر الوطن والمواطن الكثير.
لذا فإنه جدير بالذكر أن نركز سويا ًفي جانب من أهم جوانب التنمية المستدامة داخل المجتمع , والتي رغم كثرة مجالاتها لا يمكن لنا التطرق هنا لجميعها ولا تخفى على الجميع , لكن تنشيط السياحة الداخلية في يمننا الحبيب لا شك يعتبر بمنظوري وعن صدق وإخلاص لشعبي ووطني اليمن ضرورياً, والذي أرى أن تنشيط السياحة الداخلية يجب أن لا يغفله أي تواق للتنمية المستدامة داخل البلد , وخاصة في ظل الحرب الظالمة التي أحكمت الخناق على كل مقومات البلد ومنها السياحة بشكل عام , والتي يمكن أن نقيس مستوى السياحة المتوافدة على البلد ومقوماته السياحة النادرة عالمياً بـ”صفر” على الشمال في المائة مقارنة بما كانت عليه السياحة قبل الحرب والحصار , وهذا رقم مهول ضرب أحد أهم مصادر الداخل للفرد والمجتمع والمؤسسات الحكومية والخاصة , فحصل بالتأكيد خلل سبب عطلاً شبه تام لكل المرافق السياحية , وتضرر على إثر ذلك الفندق والمطعم والمتجر والمنتزه , حتى على مستوى البقالة والبقال ومحدودية البيع والشراء لديه , وتأثر على إثر ذلك التاجر الصغير والكبير والضرائب الحكومية والخزينة العامة والموظف الحكومي أسرهم وهكذا , وأثر كذلك على جدوى الخطط وقيام الدولة بواجبها في توفير ما يمكن توفيره إلا بجهود تعتبر شحيحة بقدر ما يطمح إليه المسؤول والمواطن والمجتمع ككل , غير أننا لو نظرنا أن هناك أملاً لا يمكن تجاهله أو إغفاله ونكرانه في تعويض الفاقد ولو إلى حد ما منذ بداية الحرب وحتى اللحظة , فالسياحة الداخلية وبما يمكن القول عنها عبر تنقل المواطن في أرجاء الوطن رغم العوائق ومحدودية يسر التنقل بين المحافظات والمدن والقرى اليمنية للمواطن , ومع ذلك فهناك حركة تدل على بركة لو استوعب الناس أهمية القيام بها ” ولا تكلف الكثير بمنظوري ” مقارنة ببقاء الناس في تبلد طويل , وتيرير كل شيء بسبب الوضع المصاحب للحرب والحصار والأزمة الاقتصادية , والتعلل به وبعدم الرغبة في القيام بأي شيء يكلف حركة ومالاً وما إلى ذلك , حتى لكأن الكثير أصبح متجمداً ومتصلباً فلا يروق له حتى تكليف نفسه بالقيام بزيارة والديه أو أحد أفراد أسرته والسؤال على أرحامه و”مكالفه” , فما بالنا بالبعض الذي صار يطبق الخناق على حاله وأهل بيته وعدم الخروج بهم للنزهة مثلاً أو تغيير الجو برحلة بسيطة إلى أي مكان يمكن أن يضفي على العائلة جواً من المرح والسرور ولا يكلف إلا بضعة آلاف وتبقى عند الله لن تضيع ” فخيركم خيركم لأهله ” , وكذا الحركة بركة , فلو فسرناها جيداً لوجدنا أن كلاً منا لديه عمل سواء ً خاص أو عام , فعند خروج الفرد بمفرده أو مع عائلته أو أصدقائه، يتطلب أخذ تاكسي أو باص وعمل هذه الزيارة أو النزهة يستفيد بمجرد تلك الحركة سائق التاكسي أو الباص فيعمل سائق التاكسي أو الباص على إنفاق ذلك على أهل بيته، فيشتري من صاحب البسطة أو البقال أو المحل فيتحرك السوق لديهم ويستفيد التاجر والدولة وتتحرك السيولة النقدية فيستفيد العامل مع التاجر وتستفيد أسرهم وووووو حتى تستفيد خزينة الدولة فتنفق على موظفيها فيستفيد الموظف وأسرته ويستفيد الناس بهذه الحركة من عدة أسر وأشخاص وهكذا قس على ذلك , فما بالنا إن خرجوا واشتروا طعاماً من المطعم واشتروا من البقال حاجياتهم وتحركت مصادر أرزاق الناس بمجرد خروج بعض الأسر لنزهة أو زيارة عائلية , وليس شرطاً الذهاب بعيداً والتكلف , بل الخروج حتى على مستوى المدينة والحي وبقدر الحال , فهذا يجلب الصحة لعامة الناس , كون الترويح على النفس يزيد من فرص السعادة والرضا بالحال , وهذا بدوره يعزز الصحة النفسية للفرد ويقلل من الشعور بالألم النفسي والعضوي , والذي بدوره يعزز الصحة في أوساط المجتمع ببشكل عام ويخفف من كثرة المآسي والأحزان التي جلبتها الأيدي الآثمة للعدوان والحصار (السعوأمريكي) ” وحسبنا الله ونعم الوكيل “.
ليعلم الجميع أن تحرك الناس للسياحة الداخلية سيلقي بظلاله حتما ًعلى إمكانيات المجتمع وموارده , كون التقوقع يورث الكساد فيجلب المحن وقلة الأرزاق , فالتمتع بمناظر الضواحي الريفية وجو الخضرة والتنقل في أزقة صنعاء القديمة والمناطق التاريخية شيء جميل يبعث في النفوس شيئاً من الأمل وحب الوطن , بل الخروج وعدم التقوقع في وحل الهموم والأحزان والانهماك وراء المواد البترولية والأزمات كالمساربة وسوء الحال وغيرها, فالله الرازق وهو المتكفل سبحانه , بل والتفكر في جو الله وملكوته وعوالمه وحال الناس في المدن والأرياف والعزل والبساطة، في تعاملات الناس مع بعضهم البعض يولد الثقة بين الناس ويعزز قيم الأخلاق والكرم لديهم وكذا يعلم الصغار والكبار عادات الأصالة التي يتمتع بها الإنسان اليمني عموماً , بل إن التفكر في ملكوت الله طاعة وعبادة ويؤجر عليه الفرد ” والحياة قصيرة ” , ولذا فلا مجال للتقوقع والشرود مع الهموم , التي لا تنتهي إلا مع من أقنع نفسه بأن الثقة بالله أمر طيب يعود عليه بالخير والبركات من رب العباد.. والله أعلم.
ولله عاقبة الأمور