محورية اليمن في المشهد السياسي الاقليمي
عبدالرحمن مراد
لا يمكن الحديث عن صناعة محورية لليمن لانتفاء ذلك أصلا من حقائق الواقع , ولكن ثمة أسباب فرضت هذه المحورية أو هيأتها لتكون , منها ما هو موضوعي وجاء وفق تداعيات الاحداث ومن نتائجها ,ومنها ما كان مرتبطا بغباء الخصوم ,ومنها العامل التاريخي والحضاري اليمني , فالمحورية التي أصبحت واقعا لا يمكن تجاوزها , بل يفترض تشغيلها في اتجاهين مهمين وهما :
– الاتجاه الوطني العام .
– والاتجاه التنظيمي الخاص المبني على منطلقات وأسس استراتيجية لليمن في الاقليم .
ولعل الوعي بهذه الخصيصة التي يمكننا اقتناصها من بين انياب اللحظة , هو الخطوة الأولى في الصناعة , وقد تحدثنا في مقالات سابقة عن موضوع الصناعة وأهميتها , لكن يبدو أنه لم يعد من أحد يقرأ ,أو يستوعب ما يُطرح من أفكار , والمشكلة أن المجتمع وصل الى حالة التيه وهو ما يطلق عليه اليوم “بالجهل المقدس” والجهل المقدس هو الاستسلام المطلق لنزوات الجماعات والسياسات وبحيث تصبح مفردات الحياة وتفاعل الواقع في فراغ لا متناهو , وفي تيه كالذي كان في الأمم السابقة , وهذه الحالة تنزاح بشكل أو بآخر على المجتمع كله , فلم يعد هناك من اهتمام بالصناعة وبالبناء ,ولكن نجد اهتماما بصناعة قوالب جاهزة , وهي تكرار لنماذج في التأريخ , ومثل ذلك لا يخدم حركة التطور ولا يساعد على عوامل النهضة التي تسعى اليها المجتمعات العربية منذ بدأت حركة الواقع تتموج وتخرج في المظاهرات والثورات حتي في البلدان التي شهدت استقرارا في السنين الخوالي .
وقد تحدثت كثيرا عن أهمية البعد الثقافي , ومحورية هذا البعد في البعد الاستراتيجي , وفي البناء , وفي دوائر التطور التي تتكامل مع بعضها لتبدع واقعا جديدا ويبدو أنني أصب ماء في رمل الصحراء فلا أحد يعي هذه الأهمية , ولا أحد يدرك الأبعاد التي تشكلها في الحاضر وفي المستقبل ,فالفكرة الدينية حين تصبح بلا ثقافة تغدو الحياة والسياسة والاقتصاد والدولة تيها , وفراغا وجوديا ,بدون معنى أو قيمة .
العالم الذي يرتبط بمصالح في الجغرافيا العربية يتبع سياسة واضحة ويبني استراتيجيات تهدف الى ضمان مصالحه , والحال الذي عليه العرب اليوم نتيجة منطقية لتلك الاستراتيجيات والسياسات , ويبدو أن العرب من الغباء بالمكان الذي جعل منهم دمى تتلاعب بها تلك المصالح دون ادراك واع بمصالحهم , فالجهل المقدس صناعة استخباراتية عالمية تقبلنا واقعها بدون سؤال , وسرنا في طريقها دون وعي , وأصبح الوعي غائبا من جل تفاعلاتنا اليومية , فنحن نقتل ونرقص على الأشلاء بفرح المغامر الذي لا يغامر , وبنشوة البطل الذي ليس بطلا , لفقدان المعيارية الاخلاقية والثقافية.
وأمام ذلك الفراغ الذي ينشد الامتلاء تأتي الاهمية المحورية لليمن من خلال مشروعها القرآني لملء هذا الفراغ كجزء من استحقاقات المستقبل التي تفرضها المحورية الوطنية التي وصلنا اليها .
فعلى الصعيد الوطني أصبح المشروع القرآني هو الملاذ الوحيد الذي يمكن التعويل عليه في الخروج من هذه الشرنقة التي قادنا اليها الجهل المقدس في ظل صراع نفوذه , وصراع الوصول الى المركزية الاقليمية ,فالسعودية لا يمكن لها الوصول الى هذه المركزية , وقد تنزاح الى غيرها بعد أن أصبح صراعها يبتعد عن الصناعة الثقافية الحقيقية التي تبدع وجودا حقيقيا مؤثرا في مجرى السياسات الدولية ,وقد يترك الدم المسال في الواقع العربي أثرا غير محمود يجعل من تركيا أو مصر هما البدائل المحتملة , وليس بخاف النشاط الثقافي الذي تصدره تركيا في مظهر حضاري لافت للنظر , وعودة الأزهر الى تصدر المشهد الديني – ولو يبدو هذا الدور خافتا في ظهوره على استحياء لكنه سيبرز بشكل أكثر كثافة خلال قابل الايام – وأمام مثل هكذا واقع يصبح اليمن في محورية وجوده في المشهد معنيا بالصناعة , ومعنيا بصياغة اللحظة الزمنية الفارقة في حياة المجتمع اليمني وفي الاقليم .
لقد أصبح اليمن في صدارة المشهد وعليه أن يدرك مسؤوليته التاريخية والحضارية فقد شاءت له الاقدار – وإن كان لم يخطط لها أو يحاول صناعتها – لكنه قدره الذي وضعه الواقع فيه .
لقد أصبحنا نملك الرؤية ونملك القوة والوعي اللازم ومن خلالهما نستطيع صناعة محورية اليمن حتى يتمكن من استعادة دوره الحضاري والتاريخي في المركزية الاقليمية , فميزان المصالح الدولية بيد العرب والنفاذ الى التأثير في رسم السياسة الدولية من خلاله وارد لا محالة لكن ذلك لن يتحقق إلا من خلال مشروع نهضة عربي جامع تكون القوة معيارا مؤثرا فيه لا حلقة في سلسلته .
الموضوع لا يحتاج مالا كثيرا ولكنه بحاجة الى فكر مكثف ورعاية للمفكرين وعناية فائقة بهم وحركة ثقافية نشطة تفرض تأثيرها على المحيط وتنفذ من خلاله الى غيره وبدونها لا يمكننا الحديث عن قوة تفرض نفسها على حركة التوازنات الدولية يتوازى ذلك مع رغبة سياسية طموحة وسوف نصل لفرض ميزان جديد من خلال هذا الفكر لنكون قوة فاعلة في رسم السياسة الدولية .
والرغبة السياسية تبدأ من الواقع من خلال تحديث البنى التنظيمية لمؤسسات التكاثر الثقافي وتجديد أهدافها وتجويد مخرجاتها , وإعادة توحيد الطاقات للمؤسسة الثقافية وتحديث بنيتها بما يتسق وحركة الانتاج وبما يتوافق مع حركة الواقع الحضارى ومستواه المتجدد .