أوروبا وأمريكا على مفترق الطريق
د. عبد العزيز المقالح
أصبحت الهوة واسعة بين كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وكلما مرَّ الوقت زادت الهوة اتساعاً نتيجة للخطوات العشوائية سياسياً واقتصادياً التي يتخذها الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب. وقد كان الوفاق بين القوتين الأمريكية والأوروبية دائماً، وعلى مدى القرن، في وئام وانسجام، لكنها كما نشهد تتزعزع وتوشك على الانهيار، بما في ذلك الدولة الحليفة دائماً (بريطانيا) التي باتت تعلن بوضوح امتعاضها، ولا تتردد عن استعدادها للانسلاخ النهائي عن الحليفة الكبرى. وإذا حدث ذلك فإنه سوف يشكل ضربة كبرى للعلاقة التي جمعت بين أمريكا وأوروبا.
إن السنوات التي قضاها الرئيس ترامب في السلطة قد زادت من حالة الانشقاق بينه، وبين الولايات المتحدة، وبين الأوروبيين وبين هذه الدولة الكبرى ودول أخرى في الشرق وآسيا وأفريقيا. ولا يستطيع المراقب المتابع أن يتبين على المدى المنظور تحولاً إيجابياً في الموقف ما بقي ترامب في السلطة، وما بقيت إجراءاته المناقضة والمدمرة تتحكم في الواقع الراهن. والمشكلة الأكبر للولايات المتحدة وأوروبا أن ينجح ترامب في ولاية ثانية وتستمر سياسته على ما هي عليه من ارتجال وتناقض شديد الوضوح.
أما بالنسبة لنا نحن العرب فإن المشكلة ليست في التناقض القائم بين الولايات المتحدة وأوروبا بقدر ما هي ناتجة عن غياب الموقف العربي الموحد، واعتناق كل قطر عربي سياسة خاصة به تتناقض مع المصلحة العامة للشعب العربي كله في مشرقه ومغربه. وأكرر القول بأن هذا سيظل هو الحال إلى أن تعي أقطارنا دورها في الحاضر والمستقبل بعيداً عن المؤثرات الآنية وما توحي به للجهلة والعاجزين عن الواقع من أن كل شيء على ما يرام وهو ليس كذلك أبداً. ولو كان الوضع العربي في حالة إيجابية لاستطاع أن يلعب دوراً إيجابياً في الخلاف الأوروبي الأمريكي اقتصادياً على الأقل. فالإمكانات الاقتصادية العربية قادرة على أن تلعب هذا الدور بنجاح، وقد أظهرت المراحل الماضية كيف تمكن الاقتصاد العربي من أن يكون فاعلاً قوياً في تحولات السياسة العالمية، وما يزال قادراً على أداء الدور نفسه إذا ما أحسنت القيادات العربية ذات الوزن الاقتصادي في القيام بهذا الدور.
إن كتاباً كثيرين من الولايات المتحدة ومن أوروبا يتحدثون بوضوح عن غياب الدور العربي ويذهبون يساراً ويميناً في البحث عن العوامل التي أدت إلى فقدان هذا الدور، وإلى ما سبقت الإشارة إليه من عجز القيادات العربية الفاعلة عن إدراك مهمتها الحقيقية في الوقت الراهن على المستوى المحلي والعالمي.
وربما نجحت تلك الكلمات في إيقاظ ما تبقى من وعي لدى قياداتنا وادركت معها ما يتمتع به العرب من مكانة عالية على المستوى الدولي وما يجب عليها أن تقوم به في المجالين المحلي والعالمي بعد فترة الركود الماضية التي عزلتنا عن المسار العالمي وجعلت الوطن العربي يعيش حالة عزلة غير مسبوقة.