اليمن بين صناعة المستقبل أو انتظاره
عبدالرحمن مراد
مما لا شك فيه أننا نمر بمرحلة تاريخية مفصلية تحتاج إلى مهارات التفكير في تحليل وتشخيص المواقف الصعبة والتعامل معها، وتحتاج أيضاً الى مهارات إنسانية في العمل والفهم والتحفيز، وتحتاج الى قدرة على التنفيذ بمعرفة متخصصة وخبرة فنية، إدراكاً أن الذي أعلن عدوانه على بلادنا وشعبنا يتعامل بتكنولوجيا المعلومات في مختلف أنشطته سواءً أكانت عسكرية عملياتية أو حتى الأنشطة الذهنية.. وليس بغافل عن بال أحد أن المعلومات في هذا الزمن أضحت هي المصدر الرئيسي في الهيمنة، حتى الهيمنة الاقتصادية، فالتكنولوجيا حولت الاقتصاد العالمي من اقتصاد يحتاج الى المعلومات الى اقتصاد قوامه المعلومات.
ومن هنا يأتي تأكيدنا على ممارسة القيادة في هذه المرحلة العصيبة التي تتعرض فيها بلادنا لعدوان اكتمل عامه الخامس أو كاد بحقد غير مسبوق في أي مرحلة من مراحل التاريخ، بفكر جديد، يتسم بالشمولية والدقة والنظرة الثاقبة وتوقع المستقبل والاستعداد له، بل وصنعه أيضاً وليس انتظار قدومه، وطالما وقد تحمل انصار الله مسؤولية القيادة والريادة في هذه المرحلة وفي غيرها من المراحل السابقة فلابد لهم من التجدد والأخذ بمبدأ المبادرة ، ليقودوا شعبهم بكل دراية ووعي واقتدار الى مرحلة التعامل مع المتغيرات أي مرحلة الانتقال من عقلية عصر الصناعة الى عقلية عصر المعلومات، والفرق بينهما أنه في عصر الصناعة كان يتم الحصول على المعلومات كلما كانت هناك حاجة اليها في حين تتواجد المعلومات في عصر المعلومات بشكل دائم وهي تدور في حيز التشغيل.
وكما كان الحال في عصر الصناعة يتصرف القادة فيه وكأنهم أصحاب قرار ولابد من إدراك الحقيقة التي نحن عليها أن هذا المبدأ قد تغير بتغير الأحوال والمستويات الحضارية والمعرفية إذ فقد القادة في عصر التكنولوجيا خاصية صنع القرار بل أصبحت مهامه اكثر يسراً وأكثر تفاعلاً مع الحدث من خلال العمل على تشغيل المعلومات المتوافرة وهذا هو الحال الذي نحن عليه في عصر التكنولوجيا ولابد من الوعي به والاشتغال على الخطط الاستراتيجية التي تصنع المستقبل وليس انتظار المستقبل حتى يأتي، والاشتغال على الخطط لا يمكن أن يكون عفو الخاطر بل برؤى وأفكار قادرة على التحرك والتفاعل مع واقعها من خلال بنية تنظيمية وبنية توجيهية، وبنية رقابية، ترصد الحالات المنحرفة عن المسار لتعمل على تعديله حتى يتسق مع البناءات المختلفة.
وحتى لا تذهب بنا التأويلات بعيداً نقول إن التخطيط يشمل تعريف الأهداف ووضع الاستراتيجيات والخطط من أجل تنسيق الجهود والأنشطة.. والتنظيم هو تحديد المهام التي يجب القيام بها، وتحديد من يقوم بها، وكيفية تجميع المهام ومن يقدم تقارير ولمن؟ وأين يتم اتخاذ القرار، والتوجيه ليشمل تحفيز المرؤوسين وتوجيههم واختيار أقوى وأفعل قناة اتصال، ونبذ الخلافات والرقابة تقوم برصد الأنشطة للتأكد من أدائها، كما هو مخطط لها واتخاذ الإجراءات التصحيحية تجاه الانحرافات وعلينا أن ندرك أن العدوان لن يتوقف بتوقف نشاطه العسكري على اليمن بل سيستمر في استهداف العناصر والكوادر الوطنية والثقافية والعلمية والسياسية كما حدث في العراق وهو ماضٍ في تفكيك القوى الوطنية التحررية، فاليمن سيكون مستهدفاً باعتباره قوة تحمل قيما تحررية – وفق توصيف استراتيجية راند – التي تسير على خطاها السياسة الدولية الحالية، لذلك ووفقاً لما هو متوافر لنا من معلومات لا يلزم السكوت والصمت بل التفكير والتخطيط والتنظيم والتوجيه لنكون وجوداً قوياً غير قابل للفناء أو الإلغاء، ومثل ذلك يلزم الارتباط العضوي مع الحاجات الأساسية للإنسان وفق أحدث النظريات الإنسانية التي ترى الحاجات الأساسية هرماً تضيق قمته باتساع قاعدته، وبالتالي تقل عندها عوامل الصراع ومفرداته ويحدث الاستقرار، والاستقرار يجعل من الاستراتيجيات صخرة صلبة تتحطم عليها المؤامرات.