بقيق. والنظام العشائري البدوي السعودي
عبدالرحمن مراد
تشكلت المملكة العربية بصيغتها الحالية التي هي عليها اليوم عام 1932م ,بعد أن تمكن عبدالعزيز آل سعود من القضاء على منظومة متكاملة من النظم العشائرية ,التي كانت تحكم المساحة الجغرافية للمملكة في صورتها الحالية , ففي نجد كانت هناك إمارة يحكمها آل الرشيد وكانت عاصمتهم حائل , وفي الجنوب قضى على دولة الإدريسي وتنازعها مع الإمام يحي وتمت له السيطرة بموجب اتفاقية الطائف عام 1934م , وفي الحجاز استطاع هزيمة الشريف حسين وبسط نفوذه علي مكة والمدينة وجدة , وكانت بريطانيا تحركه وتموله لإدارة لعبة التوازنات في الجزيرة العربية , وكان عبدالعزيز ابنا طائعا لها الى درجة – وفق الوثائق التاريخية – تنازله عن فلسطين لتكون وطنا لليهود المساكين الذين عملت النازية على قتلهم وتشريدهم .
أنشأ عبدالعزيز نظامه على أسس عشائرية , وبالتعاضد مع التيار الديني الوهابي ,الذي أصبح شريكا في الحكم , ويدير الشأن الديني , ويتحكم في مساره , وتمتد السلطة الدينية في سلالة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مؤسس المذهب الوهابي , وايدلوجية هذا المذهب تقوم على النصية التي تعطل المدركات والعقل والتفكير , وتخلق لنفسها فضاءً نصيا تتحرك في مداره , وتدير من خلاله شأنها السياسي ,لذلك كانت فكرة عدم جواز الخروج على الحاكم المستبد “وإن أخذ مالك ,وجلد ظهرك ” فكرة رائجة تبرر للمستبد استبداده , وللطاغي طغيانه , وهي فكرة تهيأ لها المناخ البدوي العشائري لتصبح بعدا عقائديا راسخا في وجدان الناس , وفي المقابل وجد فيها العربي الصحراوي ضالته التي يبحث عنها لتبرير سلطته , وتبرير طول الأمد في البقاء فيها , في مقابل الحركة الحضارية والثقافية وتطوراتها في العالم الحضاري الذي يترك أثره علينا بشكل مباشر أو غير مباشر .
ظلت مملكة آل سعود منذ فجر تأسيسها تنحو هذا المنحى , وتمنح البعد الديني حضورا مكثفا , باعتباره سلطة مسيطرة على وجدان الناس وموجهة له, وتصد أي تفكير يخل بالبنيان الثقافي الذي تم تحديده سلفا , وتحضر الفتوى متى اقتضت الضرورة لتعيد المسار الذي ينحرف في البعد الحضاري المعاصر إلى سياقه المرسوم له بلا عوج ولا امتى.
اليوم ومنذ جاء سلمان الى سدة حكم المملكة يحدث في المملكة انقلاب على كل تلك القواعد وهو انقلاب في ظاهره تحديث وتجديد, وفي باطنه بعث لعوامل التفكيك التي سوف تصيب بنية المملكة في صميم البقاء , وقد تذهب بها الى الفناء ,بحكم التناقضات التي يمتاز بها العامل التاريخي والذي كان الجامع له هو العصبية العقائدية , وحين يعمد ابن سلمان الى خيار اصلاح البنية الاقتصادية , وينزع التمايز الاجتماعي من خلال تحرير الحياة الاجتماعية , واعتماد سياسة العداوات الخارجية مع كل المحيط الاقليمي فالنشاط الأمني القلق في العراق ,والعسكري المباشر في اليمن , وغير المباشر في سوريا , وإشعال فتيل الازمات في المنطقة العربية مثل لبنان , وقطر , والصراع مع ايران في التنافس على المركزية الإقليمية , هذا كله بالإضافة الى قيام ابن سلمان بهيكلة الحكام التقليديين وتحجيم دورهم , ودور المؤسسة الدينية التي يستند نظام آل سعود اليها كمرجعية ايدلوجية تبرر شرعية وجوده , مثل ذلك يفضي الى نتائج سوف نشهد ملامحها في المستقبل المنظور, من خلال يقظة الهويات التاريخية, وصراع الوجود, وتقاطع المصالح , وهو الأمر الذي يقود إلى النهايات المحتومة للمستبد الذي يحاول أن يقفز على حقائق الواقع دون التدرج في التعامل معها , فقد دلّ التاريخ أن المستبد الذي يحاول أن يكون شعبويا وفق النظريات الجماهيرية الاجتماعية الحديثة يفشل ويفقد سلطته , وهذا هو الحال الذي سوف يصل اليه محمد ابن سلمان في قابل ايامه .
ما يجب ان ندركه أن نظام آل سعود شكل حركة سياسية معيقة لليمن منذ تم تأسيس هذا النظام مطلع عقد الثلاثينات من القرن الماضي , ولذلك فنهوض اليمن يرتبط بفشل هذا النظام , وتفكيكه , وعلى القوى الوطنية أن تعي هذا المنحى وتوليه اهتماما خاصا وذلك بالاشتغال على تناقضات هذا النظام وتغذية عوامل تفكيكه , فالحرب المعلنة على اليمن هي الناقوس الذي يفترض أن يدق في الذاكرة الحضارية كي تستعيد دورها ومكانتها في الخارطة الحضارية الجديدة .
اليوم وبعد أن استعادت اليمن زمام المبادرة من خلال فرض هيمنتها على مجرى الأحداث ومسرح العمليات العسكرية وهي حالة تشي بتغير وتبدل لم يكن ليحدث لولا الصمود الاسطوري للشعب اليمني في مواجهة العدوان الذي أعلن عن نفسه في مارس 2015م يمكن الحديث بضرورة التحرك في مستويات متعددة ولا يكون الأمر مقتصرا على الإنجاز العسكري وحده , فالهزيمة النفسية التي صاحبت عملية بقيق / أرامكو كانت ظاهرة في التصريحات المتناقضة وفي حالة عدم الاستقرار في الخطاب السياسي والإعلامي للنظام السعودي ولذلك ليس من الحكمة أن نترك هذا النظام يفيق من هول الصدمة الاولى لنأتي بالثانية بل من الحكمة أن نأتيه بالثانية قبل أن يستعيد وعيه ولابد من تفعيل دور الأدوات الإعلامية والثقافية ودور لجنة المصالحة وبحيث يكون التحرك متوازيا في تفكيك أدواته في الداخل اليمني مع تفكيكه في عمقه الاجتماعي لنخلق له من واقعه واقعا جديدا يكون شاغلا له في حين يفقد كل أدواته ليبدو وحيدا في مواجهته مع اليمن كي يتجرع مرارة الهزيمة وذلك كائن لا محالة .
نظام آل سعود عدو تأريخي لليمن ولا يمكن لليمن أن تنهض طالما وهذا النظام يمتاز بالقوة الاقتصادية وتماسك بنيته الاجتماعية والثقافية لذلك نبارك الخطوات المباركة لضرب القوة الاقتصادية ونحث على المزيد منها حتى يتجرد هذا النظام المستبد من مفردات غطرسته فلقد لقينا منه أذى كثيرا منذ نشأته الى اليوم.