” دهمش “وجيل العمالقة ..

أحمد يحيى الديلمي

 

أحمد يحيى الديلمي
الحب هو أقصى تعبير عن الوجود الإنساني بالذات عندما تظهر شواهده في مجتمع يطحنه القهر السياسي والاجتماعي، ويفتك بأبنائه الجوع ليصبح الحب الرحلة الجميلة التي يخوضها الإنسان بعذاب ومشقة ليصل بنفسه ومن حوله إلى قمة الحرية والانعتاق، هذا النوع من الحب الذي يكون الوطن محرابه يمثل لمسة حياة تجعل المحب يمتلك إرادة خاصة وقوه خارقة تمكنه من مواجهة أعتى الصعاب، هكذا ظل الراحل العزيز المرحوم الأستاذ أحمد قاسم دهمش مسكوناً بحب الوطن والناس حتى عندما بلغ قمة الريادة والأستاذية، أستمر في التعامل مع كل الناس بنفس البساطة يتفقد أحوال مرؤوسيه، يستقصي أوضاعهم الاجتماعية، ويقدم الدفعات المعنوية التي تدعم المواهب وتبلسم الجراحات، ربما كان هذا دافع الكثيرين ممن أحبوه وأحبهم للمشاركة في مراسم تشييعه، وهو موقف هام دل على أن الفقيد ترك ما يخلده في ذاكرة كل الناس، وخلف أعمالاً شهدت على نبوغه وتفرده وهي كثيرة أسهم في إنجازها على مستوى الإعلام والشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية خلدت اسمه في ذاكرة الوطن قبل الناس، وبالتالي من الصعب أن يسقط منها إلا من حسابات المجلس السياسي فقد تجاهله الجميع وهم يعرفون قدره.
ما ميز الفقيد أنه أنتمى إلى مدرسة العمالقة، التي اتصف أفرادها بالصدق والنزاهة، وطهارة اليد، وسلامة الضمير، وكان المرحوم نموذجاً لكل هذه الصفات، إذ يكفي الإشارة إلى أنه بادر إلى حجز مساحات شاسعة تجاوزت مئات الآلاف من اللبن، وكلها لمشاريع حيوية هامة منها (المدينة الرياضية – محطة التلفزيون – الإذاعة) ومواقع كل المؤسسات التي أشرف عليها، مع ذلك لم يختص نفسه بلبنة واحدة، فلقد اكتفى بالأرض التي منحها الإمام أحمد حميد الدين له ولزملائه العاملين في الإذاعة، وبنى عليها مسكنه الأول الذي بادر إلى بيعه لا لشيء إلا لكي يتخلص من وزر الشبهة التي كان يعتقد بوجودها؛ لأن الأرض التي بُني عليها كانت مقبرة لليهود، وهكذا تجاوز مرحلة الشك إلى اليقين بأن انتقل لبناء مسكن له في حدة تعويضاً عن البيت الذي باعه وأقام فيه حتى وافاه الأجل، هذه السلوكيات كانت هي الحاكمة لكثيرين من نفس الجيل، وهو جيل لا يعوض، عرفت عدداً كبيراً منهم كانوا في مواقع المسؤولية لكنهم يعتبرون أموال الدولة محرمة، بل أكثر من ذلك، كان البعض ينفق على الدولة كما حدث مع القاضي العلامة المرحوم علي عبد الله العمري وهو في موقع محافظ محافظة صنعاء التي كانت تضم الأمانة والمحافظة، باع أموالاً ورثها عن والده ليغطي نفقات الوظيفة، أين سنجد هذا النمط من البشر لجيل متميز صهره التاريخ ونسج بين أفراده نسيجاً عميقاً زينته الأصالة والسماحة وصدق الانتماء إلى الوطن، فكان بالفعل جيل الوفاء والتضحية والحب لكل ما حوله .
رحم الله الأستاذ دهمش لقد عاش مناضلاً وإنساناً رائعاً عميق الإخلاص للوطن والأصدقاء والأفكار النبيلة التي أهتدى بها في حياته، حتى أصبح نموذجاً يحتذى به ومحل تقدير واحترام كل من عرفه أو عمل معه، والأمل أن يحتل هذا النموذج المتميز نفوس بعض الشباب ويغدو خير قدوة للأجيال.. والله من وراء القصد..

قد يعجبك ايضا