ما الذي سيفعله 500 جندي أمريكي إضافي في المنطقة؟!
عريب الرنتاوي
حين تقرر الولايات المتحدة تعزيز ترسانتها العسكرية في المنطقة بنشر 500 جندي في هذه القاعدة أو تلك، فإن المراقب والمتتبع لآخر حربين من حروب الخليج الثلاث السابقة، يستنتج أن واشنطن لا تريد حرباً، ولا تنوي الإقدام عليها، حتى وإن بلغت إيران الذروة في استخدامها تكتيك “التعرض الخشن” للولايات المتحدة وحلفائها..
في حرب الخليج الثانية 1991م “عاصفة الصحراء أو حرب تحرير الكويت” أنشأت الولايات المتحدة حلفاً دولياً ضم 32 دولة على الأقل، وتوفرت على قوة عسكرية قوامها مليون جندي تشتمل على جيوش عدد من دول الخليج المشاركة في التحالف، وأكثر من 400 ألف جندي أمريكي انتشروا على الأرض، في الصحراء وفي المياه على حد سواء..
وحين قررت واشنطن غزو العراق 2003م، واختلقت لهذا الغرض جُملة من الأكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل التي بحوزته وصلاته بـ”القاعدة” وأسامة بن لادن تشكل التحالف الدولي بقيادتها من أكثر من خمسين دولة، وزاد عدد القوات المنتشرة على الأرض وفي المياه لتصل إلى أكثر من 300 ألف جندي أكثرهم من الولايات المتحدة (أكثر من ربع مليون)، فضلاً عن خمسين ألف جندي بريطاني، حيث كان “طوني بلير” – حينها- شريكاً لجورج بوش الابن في قرار الحرب وفي فبركة الأدلة الزائفة عن سبق الترصد والإصرار..
ما الذي يعنيه نشر 500 جندي أمريكي على مقربة من إيران اليوم إن نحن أخذنا بعين الاعتبار أن عدد قتلى التحالف في حرب الخليج الثانية يفوق هذا الرقم، وفي حرب الخليج الثالثة يفوقه بعشرة أضعاف، وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمصابين؟، وما الذي يعنيه فشل واشنطن في تشكيل ائتلاف دولي لمحاربة إيران في ظل انفضاض مختلف عواصم العالم من حول السياسة الأمريكية الأحادية حيال طهران (باستثناء بريطانيا مرة أخرى)؟، معنى ذلك أن لا أحد في واشنطن يفكر في الحرب، ولا أحد يريدها..
حتى “التحالف الدولي” الذي تسعى واشنطن لتشكيله ودعت 65 دولة للمشاركة فيه، على أن يعقد أول اجتماع له في المنامة -المنامة باتت الوجهة المفضلة لهذا النوع من المؤتمرات الأمريكية- لا وظيفة حربية هجومية له، هدفه تأمين حرية الملاحة كما زعمت واشنطن في المضيق والخليج وبحر عُمان وباب المندب، مع أن واشنطن نفسها ما زالت تتحدث عن هذا “المشروع الدفاعي” بوصفه مشروعا في طي المجهول، ولا أحد يعرف متى سيرى النور، إن كان سيراه أصلاً..
بالقياس مع الحربين الأخيرتين، فإن المراقب سيبدأ في القلق عندما تنجح واشنطن في بناء “تحالف دولي عريض” لمحاربة إيران، وعندما تصدر الأوامر بحشد نصف مليون جندي أمريكي على الأقل في مياه الخليج وعلى يابسته- أذكِّر أننا هنا نتحدث عن إيران وليس عن العراق أو الكويت – مثل هذا الأمر ليس على جدول ترامب الرئيس فيما تبقى له من ولاية رئاسية، ولا هو على جدول أعمال ترامب المرشح للرئاسة بعد أشهر قلائل..
قد يقال إن واشنطن لا تنوي خوض حرب شاملة، وإنها تحشد من القوات ما يكفي لتوجيه ضربات محدودة لإيران.. هذه الفرضية صحيحة إن تأكد لنا أن إيران لن ترد على الضربات الأمريكية المحدودة، وأنها – إيران – ستقبل بإبقاء المواجهة في الحدود الضيقة والمحدودة، ولن تذهب إلى توسيع نطاق العمليات وساحات المواجهة.. يستطيع ترامب أن يبدأ ضربات محدودة، لكنه لن يستطيع ضمان بقاء المواجهة في الأطر الضيقة والمحدودة، فهذا قرار إيراني..
وطالما أن الانتشار العسكري الأمريكي محدود بهذه الأرقام المتواضعة و”الرمزية”، فإن القلق لن يساور طهران، بل على العكس من ذلك، فربما يرفع ذلك منسوب الجرأة ودرجة التحدي لدى القيادة الإيرانية، ويشجعها على تطوير تكتيك “التعرض الخشن” لواشنطن وحلفائها سواء بسواء..
ما الفائدة من نشر 500 جندي أمريكي إضافي على مقربة من إيران والحالة كهذه؟ هي رسالة طمأنينة للحلفاء، نفسية ومعنوية في جوهرها، وهي وسيلة لاستدرار المزيد من الأموال العربية تحت حُجَّة الحماية، وبذريعة مجابهة إيران لا أكثر ولا أقل.
*مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية.