حروب أمريكا الخاسرة من فيتنام إلى سوريا واليمن
أحمد الحبيشي
تأسيساً على ما تقدم، يمكن القول أن محافظات لحج وأبين وشبوة وحضرموت لا تخلوا، من تناحر المليشيات وتبادل الهجمات المسلحة والاعتقالات والاغتيالات والتهديدات المتبادلة ، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود معنقلات سرية تديرها قوات الإمارات العربية الغازية ، ومعظم هذه التناحرات تتم في إطار التنافس بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الاصلاح على الفوز بتركة هادي بعد ان برزت مؤشرات للتخلي عنه من قبل دول العدوان والاحتلال.
على تربة هذه التناحرات تقاسمت ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي والفار هادي مدينة عدن وحوّلتها إلى ثكنات عسكرية ونقاط أمنية مسلحة، كما حدث الشيء نفسه في محافظتي أبين ولحج حيث يتم تنفيذ حملة اعتقالات بالهوية، فيما ترسل معسكرات موالية للفار هادي بتعزيزات مسنودة بمدرعات وأطقم إلى عدد من المناطق التي تسيطر عليها.
ومما له دلالة أن ما يميِّز المواجهات المسلحة بين القوى الموالية للعدوان وأحزمتها الأمنية، هو مشاركة تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية وتنظيم أنصار الشريعة في هذه المواجهات ، بالإضافة إلى دخول التراشق الإعلامي على خط هذه المواجهات بين المجلس الانتقالي وحزب الاصلاح.
من المفارقات المثيرة ان العديد من مراكز البحوث والدراسات الاستشارية في أميركا أكّدت على مدى العامين ونصف العام الماضيين أن الحرب في اليمن لن تنتهي إلا من خلال التسوية السياسية ، على النقيض من تصريحات عبدربه منصور الذي يراهن على الحسم العسكري بحسب تصريحاته المتكررة.
بهذا الصدد أوضح بير ساليسبري وهو من كبار الباحثين والاستشاريين في معهد تشانام هاوس بواشنطن أنه من غير الواضح كبف يبدو الحل العسكري عند الرئيس هادي ممكنا ، بينما لم تتحرك الخطوط الأمامية لجبهات القتال على الأرض منذ يناير 2016.. بما في ذلك جمود الوضع القتالي في الساحل الغربي ، منذ السيطرة على ميناء المخا من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة بمشاركة من المليشيات الانفصالية الجنوبية وقوات الفار طارق صالح ، وكلا الطرفين على علاقة سيئة بالرئيس هادي.
ويضيف الباحث الأمريكي بير ساليسبري ان صبر المملكة العربية السعودية بدأ ينفذ مع هادي الذي يستمد (شرعيته) كرئيس لليمن من استثماره السياسي لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 ، ولولا هذا الفرار الذي أصرّت على تمريره أميركا وبريطانيا والسعودية لن يكون له أي دور في الصراع على الإطلاق !!
والحال ان التوترات بين هادي والإمارات تصاعدت منذ دخول القوات الاماراتية الخاصة مدينة عدن في أوائل عام 2015 حيث تمكنت مع المليشيات المحلية وبضمنها تنظيم القاعدة وتنظيم أنصار الشريعة وتنظيم الدولة (داعش) من إخضاع المدينة عسكريا لسيطرتها ، لكنها أصيبت بخيبة أمل بسبب عدم وجود اتصالات بين حكومة هادي والمليشيات في المدينة.
وكانت القوات الإماراتية تتوقع من الفار هادي ودائرته المغلقة أن يعود إلى عدن ، لكنه ظل مع معظم وزراء حكومته في الرياض ، بينما تُركت الادارة اليومية تحت سيطرة الفار هادي الإسمية لا غير من خلال المحافظ جعفر محمد سعد الذي تعرض للتصفية الجسدية بعد ان أمضى وقتا طويلا من عمره مهاجرا خارج اليمن.
وعندما تم اغتيال هذا المحافظ في هجوم على سيارته وأعلن تنظيم (داعش) مسؤوليته عنه ، فقد الإماراتيون الصبر ورشّحوا زعيم المليشيات الانفصالية عيدروس الزبيدي ليحل محله بهدف استعادة النظام في عدن .. ومنذ ذلك الحين تفاقمت الخلافات الداخلية حيث كان هادي يتنافس مع القادة السياسيين والعسكريين المدعومين من الامارات في عدن وأماكن أخرى في الجنوب المحتل ، وغالباً ما كان الفار هادي يستخدم منصبه لإقالة منافسيه وتعيين آخرين بدلا عنهم.
وتعود التوترات دائما إلى اعتماد الفار هادي على شبكة من المليشيات المسلحة والوحدات العسكرية ولوبيات الفساد ذات الصلة بالإخوان المسلمين في حزب الاصلاح ، خصوصا منذ ان قام هادي بتعيين الجنرال علي محسن الأحمر نائبا له ، مما أثار غضب القادة في أبوظبي.
وقد تزامن هذا القرار مع استقالة محافظ تعز المعيّن من قبل هادي في اواخر سبتمبر 2017 احتجاجا على عدم دفع الرواتب ، فيما حالت الانقسامات والصراعات بين المليشيات الانفصالية والسلفيين وحزب الاصلاح دون تنسيق الرد على النجاحات التي حققتها قوات الجيش واللجان الشعبية في معظم مديريات تعز ، بالإضافة إلى تردي الأوضع في حضرموت بسبب تزايد ظاهرة الاختلالات الأمنية التي أصبحت جزءا من حروب السيطرة على طرق التهريب بين الوحدات العسكرية المتناحرة.
وفي الآونة الأخيرة راهن الفار هادي وأتباعه على استخدام الطابور الخامس في شق الصف الوطني وتفجير الجبهة الداخلية في المناطق التي لا تخضع لسيطرة دول العدوان والاحتلال.. وقد بدأت هذه المراهنات بعد فشل مفاوضات الكويت الثانية واستهدفت فتح ثغرة في جدار الجبهة الداخلية قبل فشل فتنة 2 ديسمبر التي قامت بها الدائرة المغلقة التي كانت تحيط بالرئيس السابق علي عبدالله صالح ، تمهيدا لتمكين قوات علي محسن في نهم ومارب من الاستيلاء على العاصمة صنعاء ، لكن كثيرا من المسؤولين العسكريين في السعودية والإمارات يدركون صعوبة احتلال العاصمة صنعاء ، حيث اعترف هادي مؤخرا بأن رئاسته قصيرة الأجل وسوف تنتهي بمجرد توقيع اتفاق السلام.
وزاد من تعقيد مسار العدوان على اليمن تصاعُد القلق العالمي إزاء تردّي الأوضاع الإنسانية في اليمن بالتوازي مع تعاظم جرائم الحرب غير الأخلاقية التي طالت عشرات الآلاف من المدنيين والنساء والأطفال، وانتشار وباء الكوليرا وتشديد الحصار الاقتصادي والمالي والمصرفي من أجل كسر شوكة الصمود والتحدي.
في هذا السياق ارتفعت أصوات المنظمات الإنسانية والحقوقية التي تقدم دعما لوجيستيا لتحالف العدوان السعودي على اليمنى حيث أقرت الأمم المتحدة إدراج هذا التحالف في القائمة السوداء لقتلة الأطفال في اليمن. ، فيما تقدم عدد من نواب الكونجرس الديمقراطيين والجمهوريين بطب استخدام قانون قوى الحرب الذي صدر عام 1975 أثناء حرب فيتنام لتقييد السلطة الرئاسية التي تشارك في حرب اليمن منذ 2015م.
بوسعنا القول أن الحرب على اليمن دخلت مأزقاً حادأ بعد فشلها الذريع في تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية بالتزامن مع عجزها عن حماية خدودها الجنوبية ، وتزايد الضغط من جماعات حقوق الانسان الدولية والمنظمات الانسانية والحقوقية العالمية ، بما فيها كيانات تتبع الأمم المتحدة التي أعلنت مؤخرا أنها ستبدأ تحقيقاُ في انتهاكات حقوق الإنسان من جميع الأطراف الداخلية والخارجية ، ويبدو أنهم نسوا ما تقوم به السعودية والإمارات من سلاح جوي متطور ومسنود بدعم لوجيستي تقدمه أغنى وأقوى دول العالم ، في حين أن رجال الجيش واللجان الشعبية يدافعون عن سيادة واستقلال اليمن بمعايير ميثاق الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
ثمّة ما يؤكد أن صفقات ضخمة يجري التباحث لعقدها بصورة سريّة في الغرف المغلقة بين السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي تورطت في هذه الحرب من خلال بيع أسلحة بمليارات الدولارات للسعودية والإمارات كل عام منذ بدء العدوان على اليمن بما في ذلك القنابل العنقودية المحظورة دولياً.
وبحسب دراسة للباحث الاستراتيجي الأمريكي (راندي نورد) في موقع (جيبوليتكال أليرتس) فإن الأمم المتحدة يمكن أن تٌطلق تصريحات زائفة بشأن التحقيقات ، لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية تشارك فعلا في الحرب على اليمن تخت يافطة دعم الأمن السعودي ومحاربة الإرهاب .. ومن السخرية ان تنظيم القاعدة وغيره من الإرهابيين يحاربون مع قوات هادي المدعومة من السعودية. وقد سُمح للقاعدة بأن تزدهر وتتغوّل في اليمن لأن وجودها أداة هامة لتنفيذ الأجندات والأهداف الاستعمارية الجديدة.
مقاربة جيوسياسية للعدوان على الحديدة
يثير إصرار تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على مواصلة العمليات العسكرية في محافظة الحديدة التي تضم عدداً من الموانئ والمنافذ البحرية المطلة على البحر الأحمر، تساؤلات كثيرة لجهة إصرار دول العدوان والاحتلال على تتويج نجاجها في السيطرة على الموانئ والمنافذ البحرية للمحافظات الجنوبية المحتلة وباب المندب والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بالزحف نحو محافظة الحديدة وموانئها منذ منتصف عام 2016 م.
والثابت أن دول العدوان حشدت في مختلف حملاتها التي استهدفت احتلال الحديدة جيوشاً جرارة تضم آلاف المرتزقة متعددي الجنسيات ومئات الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية، وإسنادها بغطاء جوي وبحري كثيف وحرب نفسية ودعائية مباشرة.
وعلى امتداد العامين الماضيين نجحت قوات الجيش واللجان الشعبية وقبائل تهامة في إفشال كل نلك الحملات الغازية وتدمير وإحراق آلياتها الحربية وقتل وجرح وأسر المئات من المرتزقة في مشاهد بطولية غير مسبوقة في تاريخ الجيل الرابع من الحروب اللاتماثلية ، بالنظر إلى الفارق الكبير بين القدرات الحربية والمالية بين الطرفين في كل جبهات الدفاع عن سيادة واستقلال الوطن المعتدى عليه ، الأمر الذي أثار دهشة الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين في كل انحاء العالم.
من نافل القول أن فشل مراهنات دول العدوان في تحقيق حسم عسكري سريع منذ بدء العدوان والحصار عام 2015 أدى إلى ارتكاب جرائم حرب وجرائم معادية للإنسانية ، واتساع نطاق الكوارث الانسانية والمجاعة والأمراض الخطيرة التي نجمت تلك الجرائم ، الأمر الذي أسهم في كسر جدران النفاق الدولي والحصار الإعلامي التي حاولت التعتيم على بشاعة ووحشية الجرائم التي ترتكبها دول العدوان بحق المدنيين والأطفال والنساء والبنى التحتية بمختلف مستوياتها.
في هذا السياق تزايدت مطالب البرلمانات والمنظمات الإنسانية والحقوقية ووسائل الاعلام في الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لوقف حرب اليمن ومنع بيع الأسلحة للسعودية والإمارات، حيت اتخذت كندا والعديد من الدول الأوروبية قرارات قضت بوقف بيع الأسلحة لتحالف الحرب على اليمن ومحاسبة مرتكبي الجرائم التي ارتكبتها السعودية والإماراتي ضد الشعب اليمني.
ومما له دلالة أن البنتاغون تظاهر بالتفاعل مع المطالب البرلمانية في اميركا وأوربا لوقف الحرب على اليمن ، حيث دعا وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس من منتدى البحرين أواخر اكتوبر 2018 ، إلى وقف الحرب على اليمن خلال ثلاثين يوما تنتهي بمفاوضات مباشرة بين الأطراف المتنازعة.
وقد تزامنت تلك الدعوة مع تصعيد العمليات العسكرية في الحديدة من قبل دول العدوان ومرتزقتها بدعم لوجيستي أمريكي ، وفشلها في تحقيق أهدافها بفضل صمود وبطولات وتضحيات المدافعين عن الحديدة وموانئها من أبطال الجيش واللجان الشعبية ، رغم التفوق العسكري والمالي واللوجيستي والدعائي لتحالف العدوان.
ومما له دلالة أن الدول الداعمة لتحالف العدوان السعودي على اليمن في امريكا وبريطانيا قامت بتسريب صور تليفزيونية التقطتها الأقمار الفضائية العسكرية إلى قناة الجزيرة وقناة فوكس نيوز قبل يوم من الاعلان الشكلي للتحالف السعودي الإماراتي بوقف العمليات العسكرية في الحديدة مؤقتاً ، واعلان بريطانيا عن تقديم مشروع قرار بريطاني إلى مجلس الأمن لوقف الحرب في اليمن.
ولدى تحليل العديد من الخبراء العسكريين للصور الفضائية التي سربتها دوائر امريكية نافذة لقناتي الجزيرة وفوكس نيوز، يتضح ان الصور الفضائية تخالف ما كانت تتداوله أبواق الدعاية السعودية والإماراتية عن العمليات العسكرية في الحديدة ، وتثبت ان قوات التحالف السعودي الإماراتي فشلت في اقتحام ميناء الحديدة ومينائها بسبب قوة خطوط الدفاع عن المدينة واستحالة اقتحامها ، بعد ان تكبدّت القوات الغازية خسائر مروِّعة في الأرواح والعتاد والأموال.
وكان واضحا لكل من شاهد تلك الصور الفضائية عبر قناتي الجزيرة وفوكس نيوز ان القوات الغازية تراجعت إلى الخلف من عدة محاور في محيط المدينة والميناء ، بسبب المقاومة الباسلة لمقاتلي الجيش واللجان الشعبية الذين فرضوا طوقاً دفاعيا حصيناً يتكون من ثلاثة خطوط مترامية الأطراف من بينها حواجز اسمنتية وحديدية وخنادق عميقة وحقول ألغام ناسفة.
وقد أجمع الخبراء العسكريون الذين استضافتهم الجزيرة وفوكس نيوز للتعليق على تلك الصور الفضائية على القول بأن مسرح العمليات كان معقّداً ، لكن المدافعين عن المدينة ومينائها كانوا يقاتلون بشجاعة ومهنية عالية.
في هذا السياق أكدت مصادر ميدانية أن ما تم الإعلان عنه يهدف إلى إعادة انتشار قوات دول العدوان في جبهة الساحل الغربي ، وتمكين كتائب الغزاة والمرتزقة من فتح خطوط الامداد المقطوعة في التحيتا وحيس والجبلية والفازة والجاح والدريهمي في شرق وغرب وجنوب مدينة الحديدة ، بعد ان نجح أبطال الجيش واللجان الشعبية في قطع اربعة مسارات لخطوط الامداد ، وتقطيع أوصال قوات المرتزقة ، وإفشال خطة السيطرة على المدينة والميناء ، وتكبيد المرتزقة خسائر ضخمة في الأرواح والعتاد.
كما واصلت بوارج وطائرات دول العدوان ومرتزقتها، حجز بواخر الوقود في عرض البحر ، وقصف طرق الامداد التي تربط بين الحديدة وصنعاء، بهدف زيادة معاناة شعبنا من الحصار الاقتصادي، والتعبير عن الغضب من النجاح التاريخي وغير المسبوق للإحتفالات في المولد النبوي التي شاركت فيها الملايين من المواطنين والمواطنات في مختلف المحافظات، بسياراتهم الشخصية رغم ارتفاع أسعار الوقود.
لا ريب في أن جرائم التحالف السعودي الإماراتي في اليمن لم توهن عزائم ابطال الجيش واللجان الشعبية في التصدي الباسل ، والصمود الأسطوري اللذين أثارا اهتمام الكونجرس الامريكي والرأي العام الدولي وحكومات الاتحاد الأوروبي لحشد التضامن مع الشعب اليمني ، والمطالبة بوقف الحرب الهمجية على اليمن ، وحظر بيع الأسلحة على السعودية والإمارات .
في هذا السياق يأتي تسريب الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية عن حقيقة معارك الحديدة بالتزامن مع تصريحات جديدة لوزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس الذي أكد أن السعودية طرف أساسي في حرب اليمن ، ودعوته كل الأطراف الأخرى بالتوجه إلى ستوكهولم للتفاوض تحت إشراف الأمم المتحدة ، فيما شدد وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت على ضرورة ان تعترف السعودية بفشلها المتكرر في قيادة الحرب وإدارة الأزمة في اليمن!!
في منتصف عام 2018 أعلن إعلام المرتزقة انهم سيقتحمون الحديدة وميناءها خلال ساعات ، لكن الزمن كان يمضي بحافلات تحمل فوقها مئات القتلى والجرحى إلى مستشفيات عدن والبريقة والمخا والخوخة من بينهم قادة ألوية وكتائب وسرايا ، ناهيك عن عشرات القتلى والجرحى اللذين افترستهم الضباع والكلاب والثعالب والطيور الجارحة فوق صحاري ورمال الساحل الغربي لمدينة الحديدة التي تحولت إلى مقبرة للغزاة ، بفضل صمود وتضحيات أبطال الجيش واللجان الشعبية وقبائل تهامة والمواطنين الأحرار والمواطنات الحرائر.
تأسيساً على ذلك يتوجب قراءة الأبعاد الجيوسياسية للعدوان على اليمن وموانئه ومنافذه البحرية والبرية والجوبة حيث لم تكن صُدفةً أن يظهر في اسرائيل مشروع تقنين (يهودية الدولة) بعد موافقة العرب والفلسطينيين على المبادرة السعودية في مؤتمر القمة العربية المنعقد في العاصمة اللبنانية بيروت عام 2002 تحت مسمى “مشروع السلام العربي” ، الذي اقترح حلا نهائياً للصراع العربي الفلسطيني يقوم على إنشاء دولتين اسرائيلية وفلسطينية على حدود ما قبل 4 يونيو 1967م .
ومما له دلالة أن يبدأ التحرك نحو تقنين ( يهودية الدولة) قبل العدوان على اليمن ، وصولاً إلى إقراره في الكنيست الاسرائيلي بعد ان وصل هذا العدوان ذروته في السنة الرابعة من الحرب التي شاركت فيها اسرائيل ، بالتنسيق مع تحالف عربي يسعى إلى إبرام صفقة القرن مع اسرائيل بقيادة السعودية .
تزامن العدوان على اليمن مع ظهور تحركات سعودية إماراتية اسرائيلية باتجاه تطبيع العلاقات بين هذه الدول والترويج لما يُسمّى مشروع صفقة القرن ، واعلان مدينة القدس عاصمةً للدولة ، بالتزامن مع قرار الرئيس الأميركي نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة .
ثمة سؤال مشروع يتعلق بسر تزامن العدوان على اليمن مع بروز مشروع صفقة القرن بين اسرائيل ودول تحالف العدوان السعودي الإماراتي، تحت مُسمّى إعادة الشرعية إلى اليمن ، بموازاة تصاعد السباق الدولي للسيطرة على طرق الملاحة الدولية في أعالي البحار؟
لا يمكن الإجابة على هذا السؤال المحوري بدون التعرف على أهمية موقع اليمن البحري الذي يترابط طولاً وعرضاً ، مع أهم الموانئ والمضائق والخلجان التي تمر من خلالها طرق الملاحة الدولية في أعالي البحار، وفي مقدمتها مضيق البوسفور التركي وميناء غوادور الباكستاني الصيني وخليج هرمز العماني الإيراني وخليج عدن اليمني وباب المندب والقرن الأفريقي وبحر العرب على المحيط الهندي، وهو ما سنحاول مقاربته في الحلقة القادمة.
(يتبع) الحلقة الأخيرة