الطائرات المسيَّرة غيَّرت قواعد الاشتباك
زين العابدين عثمان
منذ أن أدخلت المؤسسة العسكرية اليمنية منظومات الطائرات المسيَّرة في خط المواجهة المباشرة والردع الاستراتيجي ضد تحالف السعودية والإمارات تغيرت الحرب بشكل ملموس وبدأت تأخذ مسارات عسكرية وميدانية مختلفة، خصوصاً في موازين القوة والتفوق الاستراتيجي، إذ أن معطياتها القائمة تشير إلى أن زمام المبادرة بكل أبعادها العسكرية والميدانية والسياسية لم تعد في يد تحالف السعودية والإمارات، خاصة بعد أن تعرضت عاصمتاهما الرياض وأبوظبي للقصف والاستهداف المباشر بأكثر من عملية هجومية من قبل الطائرات المسيَّرة اليمنية، ويأتي ذلك أيضاً في إطار انفضاح الفشل الكامل لترساناتهما الدفاعية في توفير أي فارق استراتيجي على مستوى الحماية الجوية والدفاع عن المنشآت الحيوية والاقتصادية والعسكرية.
وعليه، فقد أثبتت الطائرات المسيَّرة اليمنية بشهادة واقع العمليات ورصيد ضرباتها التدميرية الفعالة لبنك أهدافها في العمق الاستراتيجي أنها السلاح الأول الذي استطاع أن يفرض قواعد اشتباك جديدة أكثر تعقيداً على النظامين السعودي والإماراتي وتداعيات كارثية لا تحتمل، فخلال ظرف 6 أشهر حققت هذه العمليات مكاسب نوعية ونتائج مذهلة لم تحققها الصواريخ الباليستية في تغيير الموازين وعمليات ضرب واستهداف المنشآت الاقتصادية والعسكرية المحصنة داخل الرياض وأبوظبي بفاعلية متناهية، كما حصل خلال ضرب مطاري أبوظبي ودبي الدوليين في الإمارات، ومحطات شركة أرامكو النفطية في السعودية والتي كان آخرها محطتي الضخ البتروليتين في الرياض اللتين استهدفتا في التاسع من رمضان.
ما يجب ذكره أن المؤسسة العسكرية اليمنية أصبحت فعلاً تمتلك مخزوناً كبيراً من هذه الطائرات التكتيكية المرعبة بأنواع وأشكال متعددة، والحقيقة أنها تنتج محلياً وبكمية طائرة كل 24 ساعة، حيث تتقدمها طائرة الصماد 3 الطائرة التي تتربع كأفضل وأقوى الدرونات التي وصلت لها دائرة تطوير الصناعات الدفاعية، فقدراتها العملياتية والاستراتيجية العالية تجعلها طائرة منافسة لأفضل الطائرات غير المٲهولة الأمريكية كنموذج MQ1 بريتادور والجلوبال وغيرها ،فمداها العملياتي البعيد يصل إلى 1500 كم، والقدرات التكنولوجية والهجومية التي تمتلكها هي من التكنولوجيا الذكية المستوحاة من أسلحة الجيلين الثالث والرابع المصممة لتجاوز جميع وسائط الدفاعات الجوية المتطورة بأساليب شبحية احترافية ناجحة في تحييد الرادارات، كما تستطيع تدمير الأهداف الحيوية في العمق بدقة عالية توازي عمليات صواريخ “الكروز” الجوالة المشهورة عالميا بدقتها وبفاعليتها الميدانية المؤثرة.
لقد حققت الطائرات المسيَّرة اليمنية نقاط القوة المطلوبة بمثالية وبمرونة، واستطاعت أن تخترق القبب الدفاعية للسعودية والامارات وتحييد أغلب وسائطها التي ترتكز عليها كأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية الباتريوت-باك MIM104-A وأنظمة الكروتال الفرنسية الصنع، ومجموعة الإنذار المبكر” الاوآكس”، والردارات الكشفية الحديثة الفضائية والارضية بأنواعها لتصبح بلا رقم أو قيمة في مسرح الاشتباك، عدا أنها أصبحت –تلك الأنظمة- حرفياً ضمن بنك أهداف الطائرات المسيَّرة التي بدأت عملياً في النيل منها وتدميرها في مرابضها وقواعدها العسكرية.
باختصار.. هناك تحول غير مسبوق في ميزان القوة والردع، وهذا التحول هو ما صنعته الطائرات المسيرَّة اليمنية التي اكتسحت خط المواجهة بقدرات لم تكن لتستوعبها عقول الجنرالات الأمريكيين أنفسهم، أو المراقبين ممن لهم خبرة في علوم السلاح، فمنذ أن سلت المؤسسة الدفاعية اليمنية هذا السلاح سرعان ما أنيخ النظامان السعودي والإماراتي وخضعا بشكل دراماتيكي لتغيير سلوكهما والاعتراف بالهزيمة وشلل ترسانتهما الدفاعية، ليستنجدا بالبنتاغون والحلفاء الغرب -كما حصل في قمم مكة الثلاث- أما اليمن فقد حققت له هذه الطائرات المتواضعة دفعة هائلة قذفته من وضعية الدفاع إلى الهجوم، وجر الحرب إلى مستوى التكافؤ العسكري لأي رد” النار بالنار، والتصعيد بالتصعيد، وهو ما رسخ استراتيجياً خلال العمليات الهجومية الأخيرة التي أعلنت عنها قيادة الجيش واللجان الشعبية بصنعاء المتضمنة ضرب مطارات السعودية بوتيرة مكثفة، وذلك على خلفية إغلاق مطار صنعاء، واستمرار الحصار على الشعب اليمني، حيث تم استهداف مطار نجران بعدد من الطائرات المسيَّرة طراز قاصفK_2، ثم مطار جيزان الإقليمي الذي تم استهدافه بنفس الطائرات يوم الأحد الماضي ، وأخيراً قاعدة خميس مشيط كخطوات تصعيدية تترجم ما هددت به قيادة الثورة الشعبية الممثلة بالسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، وتظهر للعدو وللعالم أن اليمن اليوم دخل مرحلة حساسة تفوق مفهوم التوازن الاستراتيجي مع السعودية إلى مفهوم جديد يخوله فرض المعادلات الإرغامية على المسرح الجواستراتيجي، والإمساك بزمام المبادرة في الحرب وحسمها عسكرياً وفق استراتيجياته الخاصة.