مجزرة سعوان ؟!!
أحمد يحيى الديلمي
اقتحمتنا مجزرة سعوان من كل الجهات، اخترقت شرايين القلوب ونخاع العظم وخلايا الذاكرة، تشربنا أمواج الحزن ، اختلط الحزن بالغضب والوعي بالخوف ، تعاظمت رغبات أبناء شعبنا البسطاء في كسر الجبس الذي سجن العالم في زاوية اللامبالاة وشرخ الإحساس بالآدمية ، كأن العالم يتعمد إهانة البشر بعد أن سادت حالات الترهل والاسترخاء وتجارة الأوهام ، الليل الحالك يتمدد يتغذى بخطوط واهنة من أسفار الماضي البغيض المتدثرة بأفياء قبلية عابرة يتصاعد منها فحيح الحقد في أعين بدو الصحراء بعد أن فقدوا ألوان وجهوهم المألوفة .
تقدمت من إحدى الجريحات التي طالتها شظية الصاروخ قطفت من شفها كلمات قذفتها في وجوه الحشود (حقراء تافهون) نظرت إلى دموعها المنسابة ، مسحتها برفق أرسلت نظرتها المحملة بالألم نحو شاشة التلفزيون وهي تشاهد المدعو هادي وتصرخ عن أي شرعية يتحدثون ، عن رجل قسمات وجه كتلة من التناقضات ، جسده المترهل يوحي لمن يراه أنه قد تفسخ منذ زمن ، كان أحد الأمراء واقفاً إلى جواره أحس بنظرات الفتاة حرك يده الى جيب الثوب المتخم بأوراق البنكنوت ، أهدى إليها رزمة من المال ليوحي للآخرين انه حل المشكلة!!
تضاعف الرفض داخل الفتاة قالت وهي تبكي بمرارة ما جدوى هذا المال المدنس من رجل بلا آدميه عقله وقلبه متصلان بهذه الأوراق ، اتسع نطاق المناطق الرمادية ، اجتمع البشر ذوواللون الأشقر والأصفر والأبيض جميعهم ضالعون في الجريمة وتخمة المترفين تتوغل في أجساد البسطاء الجياع ، صفقات الأسلحة تستوعب المليارات من الدولارات ولا تستوعب من ينامون على كسرة خبز تسد الرمق ، كل ما اقترفوه من ذنب أنهم يعشقون النهار في زمن اختلطت فيه الأوراق وتعددت المعايير وخلقت مقاييس جديدة جعلت الأنظمة التي تدعي الحرية وحماية حقوق الإنسان تقلد الأنظمة الأكثر تخلفاً.
هيمنة المنافع بدافع غريزي جعلت المصلحة معياراً وحداً للتفاضل وحالة الانسحاق تتمدد في ظل المناورات السياسية والسباق المحموم للفوز بما تبقى من فتات الكعكة السعودية ، من جديد يتعاظم الغضب والأشلاء الممزقة هنا وهناك والناس ينساقون نحو تجارة الأوهام والضحك على الدقون ، المجزرة بكل بشاعتها لم تكن سوى نموذج متواضع لمجازر أخرى أكثر بشاعة إلا أن كونها تتم في أوضاع الحديث عن اتفاق السويد ومساعي السلام أدمى القلوب وخيب آمال اليمنيين في المواقف الصادرة عن الدول والمنظمات وكشف عن زيف المواقف السياسية ، فأكدت هذه المجزرة أن المشاعر الإنسانية تقلصت ومفردات حقوق الإنسان تبدلت وتغيرت دلالاتها في ظل طغيان المصالح والبحث عنها بكل الوسائل، وليغرق الأطفال في وحل الهزائم اللاإنسانية ولتمت النساء تحت انقاض المنازل المهدمة.
في ليالي الغياب للمعاني الإنسانية ، باتت المصلحة هي سيدة الموقف والليل له صولة تغطي مساحة أحلام البسطاء وتظل التضحيات حكراً على عشاق النهار مهما تعددت المجازر واتسعت التضحيات ، فإن للنهار إشراقة ستمحو كل هذه المآسي وسيظل الأبناء يمجدون باعتزاز وفخر بطولات الأفذاذ من يدحضون المعتدين في كل جبهات القتال .
ظلت الفتاة تصرخ ببعض الكلمات وتردد لماذا لا تذهبون إلى ميادين الوغى والتضحية؟! ما ذنب الأطفال في المدارس والنساء في المنازل؟! إنها بداية الملحمة فعلاً كل مجزرة يرتكبها العدوان لا تمثل سوى ملحمة من الاعتزاز بالنفس والاستبسال والتحدي وإن النصر لقريب بإذن الله .
والله من وراء القصد …