شرم العرب وأوروبا

 

أحمد يحيى الديلمي

كما يقال في المثل ” تمخض الجبل فولد فأراً ” هذا المثل ينطبق على قمة شرم الشيخ العربية الأوروبية التي عقدت في بداية الاسبوع الحالي ، فلقد كشفت الصورة عن معالم نفوس عليلة غارقة في وحل الهزائم والانسحاق المهين رهنت نفسها للأعداء مقابل طرف آخر يبحث عن المصلحة بأفقها الانتهازي!! عنف النظرات وتعثر النطق بالكلمات العربية من قبل من يُعرف بعاهل القمة أظهر قبح الحقد المتأصل في نفس الرجل وعرى كتلة التناقضات المتراكمة داخل هذه الذات المترهلة التي تفسخت منذ زمن وفقدت صفات الأدمية السوية .
غرائز الانتقام المتوحشة جعلت الوجوه كئيبة والانفاس شاحبة والكلمات متخشبة والحروف متقلصة والنظرات ذائبة داخل حالة من المساومة والمحاولات المكشوفة للتغطية على الإخفاقات التي مُني بها العرب تباعاً ، مما كشف عن أرواح باهتة مجبولة تتآمر على ذاتها ، والمشهد ملطخ بالكآبة لتبدو أمريكا وكأنها الحاضر الغائب الوحيد في القمة .
تحدث القادة العرب بعبارات قديمة تقلصت مفرداتها وتغيرت دلالاتها ليعرف الأوروبيون أن المطلوب تزكية أنظمة سلطوية تحكم الشعوب بقوة الحديد والنار واعتبارها معيارا للتغيير والتنوع ورعاية الحريات وحماية الحقوق ، والنظر إلى ما يجري من انتهاك صارخ للحريات في الواقع وقتل الأطفال والنساء والشيوخ بأفتك أسلحة الدمار المحرمة وكأنه فعل إنساني محمود.
في هوجة الحرب الكونية على مزعوم الإرهاب وفق التوصيف الأمريكي ، لا مانع من توظيف القاعدة الفقهية الإسلامية التي تقول “الضرورات تبيح المحذورات ” .
ما ظهر في الواجهة هو الاندفاع الغريزي المتوحش للمصلحة بأفقها الضيق فهو الذي حدد أسلوب الانجذاب والتفاهم وفرض على الأوروبيين مبدأ التسليم بأن القتل والسحل والسجن ثقافة إسلامية كما قال السيسي وعليهم احترام هذه الثقافة حتى لا يمسوا مشاعر المسلمين ويعتدوا على المبادئ الدينية ، أي أن المطلوب إيجاد غطاء يشرعن الأعمال التي تتوغل في الدماء وتنتهك الأعراض ، هذه هي المعادلة الجديدة للشراكة من قبل العرب وعلى الأوروبيين في ظل المناورات السياسية والسباق المحموم على الفوز بما تبقى من فتات ثروة النفط أن ينظروا إلى هذه الأعمال بالثناء والشكر حتى لا تظفر أمريكا بنصيب الأسد ، وفي سبيل هذه الغاية لا مانع من تزكية التسلط والاستبداد والظلم والجبروت واعتبار الأنظمة التي تمارس هذه الأعمال نموذجاً للديمقراطية والحرية ، أي أن كل ما انعقد من أجله المؤتمر تلاشى وتصحر وذابت الرغبات المبطنة في مساحات الفراغ المُهين ، إلا أن الإجابة جاءت من الشارع العربي والاوروبي على وقع الانتقادات التي تصاعدت ضد هذه القمة ، وبدا العاهل المغربي أكثر الناس عقلانية إذ طلب من العرب أن يحترموا ذاتهم ويمنعوا الاعتداءات والتدخل في شؤون بعضهم البعض وتحريض الآخرين للقيام بهذه الأعمال ، وخاطب قادة أوروبا طالباً منهم مساعدة العرب على التغيير والنظر إليهم بعين الشريك لا بعين الغنيمة ، على ما يبدو أن الإعلام المصري لم يستوعب أي شيء من مفردات الخطاب وأنشغل بالبحث عن كلمات الثناء التي تؤكد النجاح وتُمني الشعب المصري بمكاسب وانجازات لن ينالها ، في كل هذه الزفة لم نسمع أي حديث عن وحدة المشاعر وصدق الأحاسيس تجاه قضايا الأمة وفي المقدمة قضية الشعب العربي الفلسطيني لتبدو إسرائيل هي المستفيد الأكبر من هذه القمة خاصة أن المشاورات الثنائية دارت كلها حول ما يسمى بصفقة القرن ، وأما المستفيد الثاني فهو المدعو “هادي” لأنه لم يهتم إلا ببدل السفر وحضوره كان تكملة للعدد ، إنها فعلاً قمة المأساة !! ولا حمد ولا شكر لهذا الشرم الذي تحول إلى كارثة بأبعاده التآمرية وأفق قادته المحدود ..

قد يعجبك ايضا