إنها اليمن يا ولدي
عباس الديلمي
من الحكم أو كنوز الحكمة التي وضعها الله سبحانه تحت ألسنة الشعراء قول سيد من سادة الشعر العربي «تهون علينا في المعالي نفوسنا» وهذا ما يختصر الإجابة على كيف هانت على اليمانيين تضحياتهم بالفلذات وبالأرواح وبالمال.. في سبيل تصديهم لغاز أو محتل أو طاغية أو محتل طمع في أرضهم أو استهان بكرامتهم، بل وفي مناصرتهم لله ودين جعل المساواة ورفض الاستعباد في صميم جوهره.
تهون علينا كل تضحياتنا كما نجعل منها مصدر فخر واعتزاز عندما نقف بالإجلال المتمازج بالزهو أمام ما ترك الأجداد الأول ومن تبعهم في صدارة صفحات التاريخ من باس وعزم وبطولات منتحتنا القابا وصفات كثيرة منها ما تفردنا به كوصف أرضنا بمقبرة الغزاة.
وكم هو فخرنا بمقاومتنا ومقارعتنا للإمبراطوريات الاستعمارية الكبيرة منذ عصر شبابها في عهد الهيمنة البرتغالية مروراً بالإمبراطوريات الساسائية والفارسية والأُثيوبية الحبشية والعثمانية وانتهاءً بشيخوختها بالإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تعرف غروباً لشمسها..
إنها اليمن التي تركت مرآة كأسها في فم كل غاز وطامع وطاغية، بل وفي افواه المواطنين العاديين من الذين زُجّ بأبنائهم للقتال في اليمن.. وتوثق ذلك في أدبهم الشعبي قبل ما هو رسمي كأولئك الأتراك الذين يتغنون بمراره إلى يومنا بالقول:
اسمها اليمن ياولدي
عجباً..
لما الناس يذهبون إليها ولا يعودون؟!
أو الألبان الذين تقول إحدى أغانيهم الشعبية «لسنا ممن يذهبون إلى اليمن» وحتى النكتة الشعبية المصرية لم تغفل ذلك – مشيرة إلى قتال القوات المصرية في اليمن – فعندما عمت مصر والوطن العربي شهرة أغنية السيدة أم كلثوم (حسيبك للزمن) راجت في الشارع المصري عبارة مرادفة هي (حسيبك لليمن) وتقال بشيء من الدعابة لمن يراد القول له لن أدعو عليك ولكن سأتركك للمشيئة التي ستقودك للحرب في اليمن .. (وهي مجرد دعابة مصرية).
هذا ما مهدت به الحديث إلى أحد الأولاد حين كان بجانبي يستمع إلى ما يقوله التلفاز عن ملخص تقارير الهيئات والمنظمات الدولية عن جرائم قوات التحالف المحتلة لأجزاء من الوطن، فقال لي وكل الحزن والغيره في عينيه، لو كان الأمر قد انحصر على جرائم القتل والسجن والدمار والتجويع لهان الأمر، ولكنه يمس الجانب الأخلاقي واغتصاب الرجال والنساء وهتك الأعراض وممن؟! من السعودية الهشة والإمارات التي يقل عمرها عن عمر (بسكويت أبو ولد) أو (شاي الكبوس) لدينا ؟!! إنه من العار الاستمرار في تمزيق العرب وإيجاد فزاعة أو إيجاد عدو يجعلهم مع إسرائيل في خندق واحد طلباً للحماية، وهذا ما تم لاحقا وبعد سنوات فقط من جعل بعض الحكام العرب وخاصة في مملكات ومشيخات النفط تهرول للتطبيع مع الكيان الصهيوني وتفصح عن تحالفها معه وتوهم شعوبها بأن ذلك من أجل التصدي للنفوذ والتوسع الإسلامي الإيراني في المنطقة.
وفي هذا الأمر لن نطيل، كونه معروفا لرجل الشارع قبل المتابع المختص ولمن يريد المزيد من التأكد مما أشرنا إليه عليه العودة إلى مقابلة اجرتها (هيرالد تربيون) مع روجر كوهين في الثامن عشر من مايو 2009م وكيف تحدث عن الفزاعة أو (البعبع) الإيراني لدول الخليج .. نكتفي بهذه الإشارة ولنا لقاء.