منذ أن استولى محمد بن سلمان على كرسي ولاية العهد نسي كل شيء عن الإنسانية وحقوق الإنسان, فلم تقتصر الانتهاكات بحق الشعب اليمني الجار وعدوانه الغاشم عليه ليبدأ عدوان آل سعود على السعودية, فطال أبناء بلاده ليقوم بحملة اعتقالات تسكت كل الأصوات المعارضة وحتى المؤيدة التي يمكن أن يستفيد من الضغط عليها و تجريدها من أموالها.
نار
فالحملة التي قام بها ابن سلمان أشبه بحملة التأميم تمهيدا لما يسمي بـ “خطة 2030” لم تكن سوى جمع قدر اكبر من المال ليخرس بها صوت المجتمع الدولي عن الانتهاكات المستمرة وليصل للعرش ويكون هو الحاكم الجديد للسعودية وأي صوت معارض لهذه السياسات من أصحاب العقول المستنيرة يصبح وفي لحظة واحدة من ألد الأعداء.
ما أن أتت كندا بسيرة حقوق الإنسان معبرة عن قلقها وخصوصا حول أوضاع الناشطات السعوديات وإذ بجرح قديم يُفتح، حاولت السعودية اخفاءه، وكل ما قامت به كندا هو نشر تغريدة على تويتر عبرت فيها عن قلق البلاد البالغ إزاء الاعتقالات لنشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، ومن بينهم الناشطة سمر بدوي، وحثت على الإفراج فورا عن جميع النشطاء السلميين في مجال حقوق الإنسان.
ليصب السعودي كامل غضبه على كندا, متخذا إجراءات تصعيدية تشمل استدعاء السفير من كندا وطرد السفير الكندي وتجميد كافة التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة .ورأى متابعون أن رد الفعل السعودي بقطع العلاقات الدبلوماسية والمعاملات التجارية مبالغ فيه، ويدل على أن الملف الحقوقي بشقيه الداخلي أو الخارجي يمثل مصدر إزعاج كبير للرياض في المحافل الدولية، وإرباكا لعلاقاتها الدبلوماسية التي تتعرض للتآكل.
وتتعامل السعودية مع الانتقادات الحقوقية -خاصة الصادرة عن الحكومات- بحساسية شديدة، لكن هذه الانتقادات توترت مؤخرا، وآخرها تلك التي وجهتها المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني، التي عبرت عن دهشتها من التناقض “الصارخ” بين مظاهر الانفتاح الجديدة وقمع المدافعين عن هذا الانفتاح وحقوق الإنسان، وفق تعبيرها.
هذه الاجراءات التصعيدية غير المبررة التي اتخذتها السعودية تأتي على اعتبار أن الجوانب التجارية والاقتصادية أولوية في العلاقات معها ولكي تستمر السعودية في علاقتها على الجميع التزام الصمت. وبالرغم من أن ما صرحت به وزيرة الخارجية الكندية ليس بالأمر الجديد، خاصة أن السجل السعودي في مجال الحريات وحقوق الإنسان دائما محل للانتقاد من قبل المنظمات الدولية والدول الغربية بما في ذلك تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2017، لكن لم يرق للنظام السعودي في حلته الجديدة، تحت قيادة محمد بن سلمان “راعي الحرية والتغيير في المملكة”، مجرد الاعتراض فصب النظام جام غضبه عليها.
واعتبر الباحث في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، ديفيد بولوك أن “النقد العلني أو حتى التعبير عن الآراء المؤيدة أو المعارضة لسياسات ابن سلمان يقابل بالعقاب الشديد الذي يتراوح بين فقدان العمل أو النفي أو الاعتقال”.
وقالت جماعات، من بينها منظمة هيومن رايتس ووتش، :إن النيابة العامة في السعودية تطلب الحكم بالإعدام على خمسة نشطاء في مجال حقوق الإنسان من المنطقة الشرقية، ومن بين المحتجزين إسراء الغمغام، التي يقول نشطاء سعوديون إنها أول امرأة تواجه حكم الإعدام بسبب نشاطها الحقوقي.
حملة اعتقالات واسعة
فمنذ سبتمبر 2017 , شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات وملاحقات استهدفت رجال دين ومفكرين ودعاة بارزين وأكاديميين وغيرهم، بحسب ما أورد موقع المعارضة السعودية على شبكة الإنترنت “مواطنون بلا حدود .
وحملة الاعتقالات التي تقوم بها السعودية والتعذيب والمحاكمات السرية لم تتوقف منذ بدايتها وحتى بعد إثارة الأزمة مع كندا لكن استمر الوضع فالمعرض السعودي الشاب عمر عبد العزيز الزهراني أعلن أن السلطات السعودية القت القبض على اثنين من إخوته وأصدقائه ذلك بعد ان كشف قبل نحو أسبوعين، عن تعرضه للتهديد والابتزاز من قبل الحكومة السعودية، موضحا أنهم طلبوا منه عدم التعليق على الأزمة بين كندا والسعودية، وإلا فسيتم اعتقال إخوته وأصدقائه، وهو ما تم بالفعل، بحسب قوله.
ولم يكن عيد الأضحى والأيام المباركة بشئ لقلوب أقسى من الحجر حيث نشر حساب “معتقلي الرأي” على “تويتر” إن معلومات “تأكد منها” تفيد بصدور قرار من السلطات السعودية بمنع الزيارات عن جميع المعتقلين منذ بداية أغسطس الجاري، وحتى منتصف سبتمبر المقبل.
وكان الحساب قد أكد، قبل يومين، أن السلطات السعودية تستعد لعقد محاكمات سرية لثمانية من المعتقلين منذ سبتمبر 2017، وهم: “سلمان العودة، عوض القرني، محمد موسى الشريف، إبراهيم المديميغ، عادل باناعمة، عصام الزامل، فهد السنيدي، وخالد العلكمي.
غض البصر عن الانتهاكات
الأوضاع الحالية جعلت الحكومة الكندية تعود لانتقاد حقوق الإنسان في السعودية، برغم الإجراءات الكبيرة التي اتخذتها الرياض إزاء الانتقاد الكندي للقضية ذاتها مطلع أغسطس الجاري.
وفي تصريحات لصحيفة “غلوب آند ميل” الكندية، قالت وزيرة الشؤون الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، إنها قلقة إزاء المعتقلين والمعتقلات السياسيين في السعودية، لا سيما الناشطة إسراء الغمغام.
ونقلت الصحيفة، عن متحدث باسم الخارجية الكندية قوله: “بلادي مهتمة جدا بمسألة اعتقال ناشطات سعوديات، وتم التحدث بشأن هذه المخاوف مع الحكومة السعودية”.
وأكد المتحدث باسم الخارجية الكندية أن “كندا ستدافع دائما عن حماية حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المرأة والتعبير في جميع أنحاء العالم”.
ويرى محللون حسب مجلة “ذي إيكونوميست”، أن، الأزمة افتعلتها السعودية مع كندا، وأنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يستغل المشاحنة، في رسم سياسات خارجية “عدوانية” صارمة، من شأنها تحذيراً لحلفائها، بضرورة التزام الصمت حيال سياساتها الداخلية.
الحكومات الغربية لطالما دأبت على عدم إثارة القضايا الحقوقية أو انتقاد سجل وممارسات السعودية في هذا السياق، لكن المتغيرات الأخيرة جعلت حكومات عدة تنتقدها، لا سيما بعد توالي معاركها السياسية والعسكرية في الداخل والجوار وتبعاتها الإنسانية والحقوقية.
يبدو أن العزلة هو اختيار السعودية الأول، فكل من اعترض أو تعارضت مصالحه مع السعودية كان اختيارها قطع العلاقات معه لكن الجزيرة المنعزلة التي تحبس السعودية نفسها فيها لن تنأى بها عن تعرضها لانتقاد ما دامت مستمرة في خرق القوانين والأعراف الدولية.