السعودية من تطرف إلى آخر
احمد المقدادي
بعد أن كانت المملكة السعودية بنظام حكمها الرجعي مهدا لأكثر المذاهب تطرفا في تكفير الآخر واتهامه بالشرك أو فساد العقائد أي الوهابية، رفع ولي عهدها الشاب محمد بن سلمان راية الإصلاح والتخلص مما أصاب المملكة من تطرف بسبب الوهابية ومسلكها التكفيري والتي أنتجت نظام حكم هو الأكثر تخلفا في العالم. لكن هل المبالغة في الانفتاح في الترفيه والاقتصار عليه كان هو العلاج لرواسب التطرف الوهابي أم انه دفع المملكة إلى تطرف آخر يساهم أيضا في قمع الآخر؟
في آخر تقرير عبر مكتبها لحقوق الإنسان، قالت الأمم المتحدة إن حملة الإصلاحات في السعودية لم تشمل الجانب الحقوقي والسياسي وأعربت عن قلقها إزاء اعتقالات شملت دعاة وحقوقيين وناشطات على حد سواء وأشارت إلى غياب المعارضة بالكامل في الداخل السعودي. هذا الموقف الأممي يجعل يافطة الإصلاحات التي يلتحف بها بن سلمان مفرغة من معانيها الحقيقية والمفترضة وفضح ارتكازها على انفتاح مقيد بالترفيه واللهو بما لا يسمح بأي أصوات معارضة سواء من معسكر الانفتاح أو من خصمه معسكر الانغلاق وهو أمر يدخل في صلب سياسة النظام الرجعي السعودي في تكميم الأفواه وقمع أي صوت مخالف.
الأمير الذي يُسوق نفسه في الغرب وخاصة الولايات المتحدة على انه رائد الإصلاحات في بلد خرج منه مقاتلو تنظيم القاعدة ومهاجمو برج التجارة العالمي وإرهابيو التنظيمات المسلحة في سوريا والعراق واليمن وغيرها، لم يتوان عن اعتقال ناشطات حقوقيات بتهم واهية مما جعل الكثير يعتقدون أن إصلاحات الرجل إنما هي ترقيعية أو بأحسن الأحوال تجميلية لا تمس الجوهر وإنها لا تعدو أن تكون سوى حملة علاقات عامة تحاول شراء سكوت أدعياء الريادة في الديمقراطية والحريات والحقوق تجاه تفرد الأمير ودكتاتوريته وحروبه.
أمير الإصلاحات في حربه ضد التطرف الوهابي لا يكافح ضد المذهب بعقائده أو منهجه التكفيري بل يعتقل من يرفع صوته ضده أو يحذر من أن الإصلاحات لا تقتضي سوق الناس إلى ما يخالف الدين والتقاليد الاجتماعية أو التحالف مع أعداء الإسلام والمسلمين وخاصة الاستكبار الأمريكي والغدة السرطانية المزروعة في جسد الأمة الإسلامية المتمثلة بكيان الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الطرف الأخر لا يسمح الأمير الشاب بإصلاحات سياسية وحقوقية -كما بينت الأمم المتحدة- تسمح لأبناء الجزيرة العربية وبلاد الحرمين الشريفين أن تكون لهم كلمتهم سواء في تشكيلات سياسية أو وسائل إعلام مستقلة أو انتخابات برلمانية. وفي هذا فإن الأمير لن ينافس مملكة البحرين الصغرى فهي الأخرى تعج بالملاهي الليلية والترفيه وهو يعلم أن السعوديين يدخلون هذه المملكة بالآلاف في نهاية كل أسبوع والعطل، فما الذي يريد إضافته بن سلمان!
مرة أخرى، يقوم آل سعود بفرض وجهة نظرهم في تفاصيل حياة من أوقعهم الدهر تحت حكمهم، تارة بفرض الوهابية بالسيف والترهيب وأخرى بإقحام الترفيه والانفتاح. وفي كلتا الحالتين يفرض النظام الرجعي السعودي تطرفا تارة دينيا وأخرى اجتماعيا ويقوم بترهيب وترويع من يخالف التطرف الأول أو الثاني لتبقى سياسة تكميم الأفواه والاعتقال هي السياسة المستمرة والثابتة مع معارضي أو منتقدي كلا التطرفين.
وعلاوة على ما سبق، فإن سياسة الإصلاح على مستوى الداخل تقتضي تزامنها أو توافقها مع إصلاحات خارجية تتمثل في الكف عن سياسة تمويل الجماعات الإرهابية وان كانت بواجهات جمعيات خيرية أو هيئات إغاثية وكذلك عدم تسييس الحج ومنع السوريين واليمنيين والقطريين من أداء فريضة الحج لأسباب سياسية.
وكما كان مقتل كل حملات الدعاية العامة للسعودية في منع المرأة من قيادة السيارة، فإن مقتل الأمير الشاب في كل يافطاته الإصلاحية هي الحرب على اليمن والتسبب في فظاعات وكوارث إنسانية تعرضها كل يوم وسائل الإعلام رغم كل حملات التجاهل وغض الطرف والتواطؤ في ارتكاب جرائم الحرب ضد اليمنيين.
فالاصلاحات ليست حفلات غنائية ولا عروض أزياء ولا دور سينما بل حريات وحقوق وتحمل صوت الآخر