الوقاية من الفساد خير من مكافحته

عبدالرحمن علي الزبيب

الفساد كارثة خطيرة يستوجب النهوض بالوطن إيقافها والحد من آثارها السلبية بإجراءات وقائية تحمي المجتمع من مخاطرها وتسييجه بوعي مجتمعي وشعبي يصعب تجاوزه واختراقه .
لذلك تؤكد الرقابة الشعبية باستمرار على وجوبية وأهمية الوقاية من الفساد وإيلائه أهمية لاتقل عن جهود مكافحته إن لم يكن الاهتمام أكثر .
وكما ان الوقاية خير من العلاج فإن الوقاية من الفساد أجدى من مكافحته .
خطورة الفساد لاتتوقف عند ضياع الإيرادات العامة بل تستمر حيث ينخرا الفساد أجهزة ومؤسسات الدولة ويسقطها كما يسقط السيادة الوطنية تحت سيطرة الدول المانحة التي يتم استجداؤها لتغطية احتياجات الشعب والدولة وما كان ليحدث ذلك لو توقف الفساد وتم تصحيح مسارات الإيرادات العامة بشفافية كاملة لتصب في الخزينة العامة للدولة ويتم إنفاقها في مصلحة الشعب وليس لتحقيق مصالح شخصية ضيقة وستكون كافية لتغطية الاحتياجات والنفقات العامة وبذلك يتعزز الاستقلال والسيادة الوطنية ولن نخضع للوصاية والسيطرة .
عند تفشي وباء في أي مكان يتم معالجة الحالات المصابة بالوباء وفي نفس الوقت يتم اتخاذ اجراءات وقائية لحماية المجتمع من انتشاره واتخاذ إجراءات لمعالجة مسببات الوباء فإذا كان مثلاً سبب الوباء مستنقعا يوفر بيئة حاضنة للبعوض والحشرات الضارة يتم ردم ذلك المستنقع لتوقيف مسببات الوباء.
لن يتم إيقاف ذلك الوباء فقط بمعالجة الحالات المصابه به لأنها- الحالات- ستتوافد وترتفع الأعداد وستنهك الأطقم الصحية المتخصصة في معالجة المصابين به ويتفشى الوباء أكثر لأن المستنقع الذي تتكاثر فيه مسببات الوباء لم يتم تجفيفه .
بتجفيف المستنقع سيتوقف عدد الحالات المصابة بالوباء وبمعالجة الحالات المصابة سيتوقف الوباء وأضراره .
وكذلك مكافحة الفساد لن تنجح فقط بمكافحة وقائع الفساد التي يتم ضبطها وانما بتجفيف وردم مستنقع الفساد الذي يوفر بيئة خصبة لانتشار الفساد .
للأسف الشديد ان استمرارية الفساد وتراكم وقائع الفساد دون ضبط وردع خلال العقود الماضية فاقم من الفساد وتحول الى ثقافة مجتمعية متساهلة ومحفزة للفساد فأصبح الفاسد في نظر المجتمع شاطراً أحمر عين أستغل حصوله على وظيفة أو منصب في الدولة ليتربح منها ويحقق مصالحه الشخصية وفي نفس الوقت عُدَّ الموظف النزيه غبيا فشل في اقتناص الفرصة التي اتيحت له بتبوئه منصباً أو وظيفة هامة ولم يحقق مصالح شخصية له .
فنحن الآن في مواجهة مع الفساد في اتجاهين متوازيين :
الاتجاه الأول : التراكم السابق لوقائع الفساد في الماضي
وهذا يستوجب أن يتم مكافحته بلا هوادة ولا استثناء ولا تمييز حتى يتم استرداد اموال الشعب المنهوبة وعقاب الفاسدين لردع اي شخص من الوقوع في مستنقع الفساد كونها أصبحت بجهود مكافحته تصرفات خطيرة ومخالفات قانونية لامبرر لها وجريمة يوجب عقاب مرتكبيها .
إفلات أي فاسد من العقاب يهدد جهود مكافحة الفساد ويعزز من فرص انتشاره واستمراره كما ان التعامل الحازم مع فساد الماضي ومكافحته يعزز من الدور الوقائي الذي يحد من استمراره و يردع كل من يحاول الخوض في مستنقع الفساد .
الاتجاه الثاني : الحاضر والمستقبل
هناك توجه إيجابي لمكافحة الفساد ولكن ؟
الجميع يتساءل عن النتائج الملموسة لهذا التوجه ويطالبون بقطف ثمار مكافحة الفساد بسرعة وهذا يعتبر مؤشراً إيجابياً للوعي المجتمعي بخطورة الفساد وأهمية مكافحته ولكن جميع الجهود تحتاج إلى وقت تثمر مثلها مثل شجرة الفواكه يبذل المزارع جهوداً طوال العام ليقطفها نهاية العام وهي ناضجة أي استعجال في قطف الثمرة قبل نضوجها يتلفها، وكذلك قطف ثمار جهود مكافحة الفساد يستدعي ان يتاح لها الوقت ليتم قطف ثمارها بعد نضوجها .
وموقفنا هذا لايعني إفساح المجال لتنصل الجهات المعنية بمكافحة الفساد والتباطؤ في إجراءاتها بل على العكس يحملها مسؤولية أكبر لبذل جهود سريعة وفاعلة لإنضاج جهود مكافحة الفساد وقطف الثمرة الملموسة للشعب بإيقاف تغول الفساد وتمنع استمراره في تدمير الوطن في الحاضر والمستقبل باعتباره من أخطر التهديدات .
الجهود في الحاضر في مواجهة الفساد يستلزم ان تكون عبر خطوات منتظمة ومتوازية تكافح فساد الماضي وتردم مستنقعاته واتخاذ إجراءات وقائية لمنع استمرارية الفساد في الحاضر والمستقبل وأول خطوات إيقاف الفساد هي باتخاذ إجراءات وقائية تمنع وقوعه واستمراره واهمها :
1. رفع مستوى الوعي الشعبي
يتسلل الفساد في المجتمع مستغلاً ضعف وغياب الوعي المجتمعي بخطورة الفساد حتى أصبح الفساد في الوعي الشعبي تصرفاً غير خطير وليس له اي تأثير سلبي عليه .
لذلك يستمر الفساد ويتعاظم لعدم إحساس المجتمع بخطورته التي يكتوي بنتائجه ويدفع ثمنها من إمكانياته وقدراته ولايعرف المجتمع أن من تسبب في تلك الكوارث هو الفساد لذلك أول خطوات إيقاف واستئصال الفساد هي رفع مستوى الوعي الشعبي بخطورته لينكشف ويتعرى الوجه القبيح للفساد الذي يتخفى خلف اقنعة زائفة وخادعة وإذا ما انكشف سيندفع الجميع لمكافحته ويقف سداً عظيماً أمام أي تفّشٍ له ويتحول الشعب إلى إعصار يعصف بالفساد وطوفان يجرفه من مجتمعاتنا وثقافتنا ومؤسسات وأجهزة الدولة التي يضربها بشباكه ويعطلها .
2. الشفافية الكاملة
تعتبر الشفافية أهم أسلحة استئصال الفساد لأن الفساد مثل الخفاش لايعيش إلاّ في بيئة مملوءة بالكتمان والسرية والظلام وعند كشف هذه البيئة ورفع مستوى الشفافية سيضعف الفساد وتتساقط مخالبه ويتلاشى تحت أضواء الشفافية .
لذلك يتعين تعزيز الشفافية الكاملة في جميع الإجراءات المالية والإدارية لجميع مؤسسات الدولة بلا استثناء وعندها سينخفض مستوى الفساد ويسهل اقتلاعه .
3. اغلاق ثقوب الفساد
أهم خطوات الوقاية من الفساد تشخيص مسبباته في جميع الوزارات والمؤسسات بإجراءات مهنية وعملية وبإرادة قوية ومستمرة بلا تمييز ولا استثناء كون مسببات الفساد صنعت ثقوباً سوداء تبتلع أجهزة الدولة وتنقل إمكانيات وقدرات الشعب والدولة الى جيوب الفاسدين بدلاً من موقعها الطبيعي في الخزينة العامة والخطوة التالية بعد التشخيص وكشف ثقوب الفساد هي الشروع في إجراءات شاملة لإغلاقها ومنع استمرارية تسلله من هذه الثقوب .
4. تعزيز الردع
اتخاذ إجراءات رادعة ضد الفاسدين بالتحقيق والمحاكمة وتنفيذ الأحكام القضائية ضد الفاسدين لها دور كبير في استعادة الأموال العامة المنهوبة وإنزال العقوبات الرادعة بمرتكبيها ويعتبرالبعض هذا الإجراء آخر إجراء في منظومة مكافحة الفساد ولكن ؟؟
نعتبر الإجراءات الرادعة ضد الفاسدين إجراء وقائياً أيضا يحمي المجتمع من الوقوع في الفساد كون الردع الصارم ضد الفاسدين سيجعل من خيار الوقوع في الفساد خيارا سيئاً ويراجع الجميع حساباته ويتوقف الكثير عن الفساد .
ولاننكر أهمية بذل أقصى الجهود الممكنة لمكافحة الفساد وتوقيف تفشيه ولكن تلك الجهود لاتقل أهمية عن جهود تجفيف منابع الفساد ووقاية المجتمع ومؤسسات الدولة من الفساد ومنع الوقوع في مستنقع الفساد .
وكما يقال في المثل الشعبي الوقاية خير من العلاج في ما يخص الأمراض يؤكد أن الوقاية من الأمراض قبل الإصابة بها خير من معالجتها بعد الوقوع في المرض .
وبالمثل الوقاية من الفساد قبل وقوعه خير من مكافحته بعد الوقوع بين براثن الفساد والسقوط في مستنقعه العميق والخبيث .
حيث يدفع الوطن فاتورة كبيرة جداً بسبب الفساد وأيضاً كتكاليف مكافحة الفساد المتوحش والمتغول ويتم التصادم مع قوى نافذة تنامت من أموال الفساد وقد يتسبب الصراع مع الفساد في حصول مشاكل واختلالات كبيرة ويستغل الفاسدون ذلك الوضع للضغط لإيقاف أي جهود لمكافحة الفساد لأن الفاتورة كبيرة والأضرار جسيمة .
ورغم ذلك كله جميعنا مقتنعون بأهمية إشعال جبهة مكافحة الفساد دون هوادة لتوقيفه وتجفيف مسبباته رغم المخاطر والأضرار الناتجه عن مكافحته لأنها تمس مصالح كبيرة للفاسدين ولايمكن أن يتنازلوا عنها .
والخيار الأفضل والأقل تكلفة هو في تجفيف منابع الفساد ومعالجة أسبابه وإغلاق الثقوب التي يتسلل منها الفساد ليعيث الفساد ويسرق الأموال ويحطم المؤسسات .
وايضاً اتخاذ إجراءات وقائية تمنع وقوع الفساد وتحمي مؤسسات الدولة من الوقوع في مستنقع الفساد ومعالجة المنظومة القانونية الوطنية وسد جميع الثغرات التي تخللها الفساد واستغلها لتقييد جهود مكافحة الفساد أو فتح ثغرات يتسلل منها الفساد كون معظم وقائع الفساد يكون سببها خلل وثغرات قانونية أو خلل في تنفيذ القانون .
وفي الأخير :
نؤكد على أهمية اتخاذ اجراءات وقائية لحماية المجتمع ومؤسسات الدولة من الوقوع في براثن الفساد كون ذلك أجدى من مكافحته بعد وقوعه ويقع في مقدمة الإجراءات الوقائية رفع مستوى الوعي الشعبي بخطورة الفساد وتعزيز الشفافية الكاملة في جميع إجراءات مؤسسات الدولة بلا استثناء والردع الصارم ضد الفاسدين بلا تمييز ولا استثناء وإغلاق الثقوب التي يتسلل منها الفساد لأن تلك الإجراءات ستحمي المجتمع من وقوع الفساد وتختصر جهوداً كبيرة سيتم بذلها لمكافحة فساد وقع وعطل ودمر ونما وترعرع وأصبح بعبعا كبيرا يصعب اقتلاعه بسهولة ودون دفع ثمن باهظ وبعض الفاسدين يستخدم ذلك للابتزاز وتوقيف أي إجراء لمكافحة الفساد بمبرر أن الأضرار الناتجة مكافحته كبيرة والثمن باهظ .
وهذا يوجب على جميع أفراد الشعب ومكونات المجتمع والدولة الشروع في اتخاذ إجراءات وقائية لمنع وقوع الفساد وسد ثغراته التي يتسلل منها ليسهل الحد منه وتوقيفه كون الوقاية من الفساد خير من المكافحة.
عضو الرقابة الشعبية
law771553482@yahoo.com

قد يعجبك ايضا