الشيخ المقرئ محمد حسين عامر .. صوت لا يُنسى

 

عبدالصمد الخولاني
صوت نادر لا يكاد يُنسى خاصة في شهر رمضان سواء بتلاوته للقرآن أو بتواشيحه الدينية تعلم وعلم، على الرغم من حداثة سنه وإصابته بالعمى .. إنه الشيخ محمد حسين عامر..
الشيخ محمد حسين عامر شيخ القراءات السبع، العلامة/ محمد حسين عامر مقرئ، حافظ، منشد يعتبر أول مجدد للإنشاد في اليمن، ومن ابرز المؤسسين لجمعية المنشدين اليمنيين فهو صاحب الصوت الرخيم والعذب والذي ما يهل علينا رمضان إلا وهو أول المبشرين بهذا الشهر الكريم من خلال تلاوته للقرآن وكذلك التسبيح والدعاء والإنشاد.
ولد الشيخ العلامة محمد حسين عامر عام 1938م في قرية (الظواهرة)، منطقة (حيد السواد)، مديرية (الحدا)، في محافظة ذمار، ونشأ فيها، وأصيب بالعمى في عامه الأول، وفي الشهر السادس منه تحديدًا.
مكث في قريته 9 سنوات وبدأ من خلالها حفظ القرآن الكريم على يد والده الشيخ حسين عامر، ثم اصطحبه أبوه مع أخيه الأكبر (أحمد حسين) – وكان أعمى أيضًا – إلى مدينة صنعاء سنة 1366هـ/ 1947م، فدرسا القرآن الكريم، حيث حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره خلال سنة وأربعة أشهر.
ثم درس علوم القرآن الكريم على يد عدد من العلماء مثل: الشيخ (حسن شندف), والشيخ (عبدالله الطائفي), والشيخ (حسين مبارك الغيثي), والشيخ (العزي الجنداري), والشيخ (أحمد بن حسين الخولاني).
ثم انتقل إلى مدرسة (دار العلوم)؛ فدرس فيها علم القراءات السبع, ومن شيوخه فيها: الشيخ (حسين الجلال), والشيخ (محمد علي الأكوع). ثم انتقل بعد ذلك إلى المدرسة العلمية ودرس فيها بعض المتون مثل: متن الأزهار في الفروع ومتن الآجرومية وقطر الندى في النحو، وغيرها من العلوم، وقد اخذ العلم على يد الشيخ (علي الطائفي) والشيخ (حسين الغيثي) وغيرهما من العلماء الأجلاء.
ثم عمل في تدريس القرآن الكريم, وأسس عددًا من مدارس التحفيظ في جامع (النهرين) في مدينة صنعاء وفي غيره من الجوامع والمساجد، وأسس مدرسة للقراءات السبع خاصة قراءة نافع، وقد تأثر بتلاوة المقرئ (يحيى الحدائي) إمام جامع المظفر بتعز، وحاكاه في التلاوة ونبرات الصوت وتفوق على القرّاء، وتميز بنبرات صوتية غير مسبوقة. تخرج على يديه الكثير من حفظة القرآن من أشهرهم المقرئ (يحيى الحليلي)، والشيخ عبدالرحيم علي الضمدي والعديد من طلبة العلم والمنشدين.
كما اشتغل في تدريس كتاب الله وتحفيظه وكان يقوم بالإشراف على حلقات تحفيظ القرآن الكريم بالجامع الكبير بصنعاء فصار اسمه مرتبطاً برمضان حتى بعد وفاته، ولا يكاد يخلو منزل من تسجيل صوتي له وهو من الشخصيات اليمنية القلائل الذين حظوا بإجماع وطني واسع وبتقدير واحترام الجميع.
كانت حياته حافلة بالعطاء وخدمة العلم، وقد اشتهر مقرئًا من خلال إذاعة وتلفزيون صنعاء وعدد من الإذاعات اليمنية, وعبر أشرطة الكاسيت التي انتشرت حتى صار من أشهر المقرئين اليمنيين. وفي بداية الستينيات بدأت إذاعة صنعاء بالنقل المباشر لصلاة الفجر يومياً من الجامع الكبير بصنعاء كل شهر رمضان، فكان صوته العذب يدوي في مآذن صنعاء وما زالت حتى اليوم تسجيلات صوته تتردد في الأفق.
وإلى جانب ذلك عُرف منشدًا دينيًا في الإذاعة والتلفزيون, وفي الأعراس اليمنية التي كان يدعى إليها، فهو مقرئ, حافظ, منشد يعتبر أول مجدد للإنشاد في اليمن، ومن ابرز المؤسسين لجمعية المنشدين اليمنيين، فهو صاحب الصوت الرخيم والعذب والذي ما يهل علينا رمضان إلا وهو أول المبشرين بهذا الشهر الكريم من خلال تلاوته للقرآن وكذلك التسبيح والدعاء والإنشاد.
فهذا الأستاذ العلامة يحيى حسين الديلمي من طلاب الشيخ محمد حسين عامر يتحدث عنه بقوله: الشيخ الحافظ القارئ محمد حسين عامر شيخ الكثير من طلاب العلم والعلماء وقد أجاز الكثير في تلاوة القرآن وتجويده حيث كان يقيم حلقة في جامع النهرين بعد صلاة الفجر وأيضاً في أوقات أخرى بين صلاتي المغرب والعشاء وكذلك بعد صلاة العشاء، وكان أيضاً في الجامع الكبير بصنعاء يعلم القرآن لكثير من المكفوفين وطلاب العلم، درست على يده القرآن مدة أربع سنين متقطعة كنا ندرس في بيته وندرس في المسجد، وقد أجازني لقراءتي حفص ونافع حيث كان يقوم بخدمة الطلاب الذين يقرأون القرآن ويأخذهم إلى بعض الأماكن، كما كان يعطي الطلاب قهوة البن بعد صلاة الفجر وقراءة القرآن على نفقته كنوع من التحفيز، وكان من تلاميذه الشيخ يحيى الحليلي حيث كانت يسمع القراءة السبعية ونحن كنا ندرس التلاوة والتجويد كما كنا نحضر بعض الموالد التي يقيمها والأناشيد ومجالس الذكر، وكان إلى جانب حفظه للقرآن كان يحفظ متوناً كثيرة في الفقه ومتوناً في اللغة وغيرها، وقد كان لديه موهبة في صياغة الشعر وقول الشعر في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي تمجيد الله سبحانه وتعالى, حيث كان هذا الرجل محبوباً لدى الكثير واهتماماته واسعة فيهتم بأهل الريف كما يهتم بأهل المدينة كما يهتم بالعلماء ومجالستهم ومتابعتهم، كما كان يقرأ على أيديهم ويردد ما كان يحفظه على مسامع العلماء، حيث كان جليساً للعلامة حمود عباس المؤيد والعلامة محمد بن محمد إسماعيل المنصور وغيرهما.
علم من أعلام اليمن
الوالد المنشد / يحيى المحفدي يقول: الشيخ محمد حسين عامر كان علماً من أعلام اليمن وقد تتلمذ على يد العلامة محمد محمد إسماعيل المنصور، وأيضاً الوالد حسن لطف باصيد شيخ القراءات السبع رحمه الله، وأيضاً تتلمذ الشيخ محمد حسين عامر على يد العديد من مشائخ العلم والفقه والحديث والقرآن الكريم الذين كانوا يدرسون العلم في الجامع الكبير كالشيخ حسين مبارك الغيثي رحمه الله، وكان في الجامع الكبير يتعلم وفي نفس الوقت يُعلم، وكان حريصاً كل الحرص على الذهاب إلى جامع الطاووس في حارة طلحة بصنعاء القديمة للتعلم من الشيخ الكبير الوالد حسن باصيد، وبعد أن أتقن تلاوة القرآن الكريم وبالقراءات السبع بدأ في إنشاد الموشحات الدينية وإنشاء القصائد الإسلامية التراثية، وفي هذا المجال شجعه المرحوم عبدالرحمن الحليلي والوالد محمد النعماني، والوالد أحمد موسى ومن ثم كون مدرسة مستقلة في الإنشاد لأنه كان رجلاً ذكياً جداً وشديد الحفظ ويمتاز بذاكرة قوية، ولذلك أبدع في الإنشاد مثلما أبدع وأجاد كثيراً في تلاوة كتاب الله عز وجل، وفي ذكرى وفاته نقول له: رحمة الله تغشاك يا شيخ محمد حيث لن ننساك ما دمنا على قيد الحياة لأنك رجل عظيم ومتواضع ورجل علم وفقه باع نفسه لله سبحانه.
مدرسة مستقلة بالإنشاد
المنشد محمد أحمد حسين مبارك الغيثي – حفيد شيخ الشيخ محمد حسين عامر وأحد طلبته فيقول: يعتبر الشيخ محمد حسين عامر حافظاً ومقرئاً للقرآن الكريم وكمنشد بارز للموشح, حيث إن له باعاً طويلاً في مجال الإنشاد وهو المجدد الأول للموشحات في اليمن، لأن المنشدين سابقاً كانوا يعدون بالأصابع, وعندما أنشد تلك القصائد والموشحات التي كادت أن تنقرض وتنتهي ونحن كمنشدين حفظنا أكثر الموشحات وقصائد الإنشاد من أشرطة الكاسيت الخاصة بالشيخ، كما كان يعتبر الشيخ محمد حسين عامر من أبرز المؤسسين لجمعية المنشدين اليمنيين وأول الحاضرين لحفل تدشين الجمعية في مركز الدراسات والبحوث عام 1989م فهو يعتبر مدرسة مستقلة بالإنشاد حيث تميز بأدائه وبصوته الجميل وإنشاد القصائد التي كان أغلب المنشدين ينشدونها لصعوبة كلماتها وقوافيها وتخرج الكثير من المنشدين الكبار حالياً أمثال الأستاذ عبدالله علي الثور، كما كان يعتبر جسراً ممتداً من خلال ما قدم للتراث والإنشاد اليمني وظل إلى اليوم رغم أنه قد رحل عن عالمنا وعن الحياة منذ سنوات إلا أنه ظل يدرسنا ويعلمنا الكثير من خلال موشحاته المسجلة التي نتعلم منها الكثير ومن خلال ما سجله للإذاعة والتلفزيون، لذلك مازال الشيخ محمد حسين عامر يعيش بيننا حتى اليوم من خلال موشحاته ومن خلال صوته العذب في تلاوة كتاب الله العظيم بالقراءات السبع، لذلك هو نجم من نجوم اليمن في العلم والفقه وقراءة القرآن وفي الإنشاد – رحمه الله تعالى – في هذا الشهر الكريم.
اصيب بالمرض, وظل يعاني منه حتى انتقل الى جوار ربه في مدينة صنعاء يوم السبت 15 من رمضان 1419هـ.
له من الابناء ولدان .. رحل عن عالمنا الفاني وقد ترك في نفوسنا فراغاً وأثراً بالغاً وحزن عليه اليمنيون جميعهم لما كان يتمتع به من حب جماهيري شهد له تشييع جنازته من تلك الجموع الزاخرة التي حضرت آنذاك لتوديعه إلى مثواه الأخير.

قد يعجبك ايضا