الثورة نت|متابعات..
تقف الأم الشابة على الميزان في عيادة الطبيب. وحتى مع كل ملابسها السوداء، لا تزن سوى 38 كجم فقط. ورغم أن اليمنية أم مزراح حامل، إلا أنها تحرم نفسها من الطعام لإطعام أطفالها. وقد لا تكفي تضحيتها لإنقاذهم.
يعج مكتب الطبيب اليمني بعشرات الصور لأطفال يعتريهم الضعف والهزال، الذين وفدوا عبر مستشفى الصدقة في عدن، وهم ضحايا لحرب دامت ثلاث سنوات في اليمن، تركت الملايين من الناس على حافة المجاعة، وفق تقرير نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية.
وغالبًا ما تكون أمهات مثل أم مزراح هن جبهة الدفاع الوحيدة ضد الجوع الذي قتل الآلاف. لا يتناولون طعامًا قط، وينامون هربًا من ألم الجوع في بطونهم. يخفون وجوهًا عظمية وأجسادًا هزيلة في عباءات عريضة سوداء وأغطية رؤوسهن.
يطلب الطبيب من الأم أن تعود إلى الميزان وهي تحمل ابنها، مزراح. لم يكن وزنه يتجاوز 5.8 كيلو جرام وعمره لم يتخط 17 شهرًا، حوالي نصف الوزن الطبيعي لعمره. تظهر على الطفل جميع علامات «سوء التغذية الحاد»، وهي المرحلة الأكثر خطورة من الجوع. ساقاه وقدماه متورمتان، لا يحصل على ما يكفي من البروتين.
بحسب تقرير الصحيفة البريطانية، يعاني حوالي 2.9 مليون امرأة وطفل من سوء التغذية الحاد. ويصارع 400 طفل آخرين من أجل حياتهم، وتتشابه حالتهم مع حالة الطفل مزراح. فحوالي ثلث سكان اليمن – 8.4 مليون من سكانها البالغ عددهم 29 مليون نسمة – يعتمدون كليًا على المعونة الغذائية وإلا فإنهم سيتضورون جوعًا. وقد ارتفع هذا الرقم بمقدار الربع خلال العام الماضي.
المجاعة القاتلة
أشار التقرير إلى أن وكالات الإغاثة الإنسانية كانت قد حذرت من أن أجزاء من اليمن قد تبدأ قريبًا في رؤية الموت على نطاق واسع بسبب المجاعة. يعتمد عدد متزايد من الناس على المساعدات التي فشلت بالفعل في الوصول إلى الناس.
وقال التقرير إن رحى الحرب، التي دخلت عامها الثالث، تدور إلى ما لا نهاية بين المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن، الذين يسيطرون على شمال البلاد، والتحالف الذي تقوده السعودية، الذي سعى -بدعم من الولايات المتحدة – إلى قصف المتمردين من دون هوادة للاستسلام في حملة جوية لدعم الحكومة اليمنية.
ونظرًا لأن السلطات غير قادرة على تعقب الحالات، فإن هناك صعوبة في التعرف على عدد الوفيات. وقد قدرت منظمة أنقذوا الأطفال في أواخر العام الماضي أن 50 ألف طفل قد ماتوا في عام 2017 بسبب الجوع الشديد أو المرض. ونقل التقرير عن ستيفن أندرسون، مدير برنامج الغذاء العالمي في اليمن، قوله: «لسوء الحظ، تعتبر اليمن الآن أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم». حوالي 18 مليون شخص لا يعرفون من أين تأتي وجبتهم القادمة.
حتى قبل الحرب، كانت أفقر دولة في العالم العربي تناضل من أجل إطعام نفسها. وهي بلد الصحارى والجبال حيث لا تزرع سوى 2 إلى 4% من الأرض، لذلك يتعين على البلد استيراد جميع المواد الغذائية والإمدادات تقريبًا.
لقد حطمت الحرب كل ما أبقى اليمن فوق مستوى المجاعة. قامت طائرات التحالف بتفجير المستشفيات والمدارس والمزارع والمصانع والجسور والطرق. كما فرض التحالف حظرًا بريًا وبحريًا وجويًا على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بما في ذلك ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر، الذي كان في يوم من الأيام نقطة دخول 70% من واردات اليمن. ويسمح الآن لعدد أقل بكثير من السفن بالمرور، حيث يسمح فقط للسفن التجارية المعتمدة من الأمم المتحدة، والسفن التي تنقل المعونات بالمرور ولكن بوتيرة بطيئة.
ووفق ما رصده التقرير، فإن الأغذية تتوافر في العديد من الأماكن في الأسواق ولكن الناس لا يستطيعون تحمل تكاليفها، لأن الرواتب لا تسدد، ويصعب العثور على العمل، ناهيك عن انهيار قيمة العملة اليمنية.
فبالنسبة لأم مزراح وزوجها، اللذين لديهما ثلاث بنات شابات بالإضافة إلى مزراح، فإنهم عادة ما يأكلون وجبة واحدة في اليوم، وغالبًا ما تكون هذه الوجبة مجرد خبز وشاي. عندما يخبرها الطبيب في عدن أن سوء التغذية لديها يمكن أن يكون قاتلًا، ترتجف. يشعر كلا الأبوين بالعجز. وتظهر حروق السجائر على بطن الطفل. ومع شعورهم باليأس، فقد تحولت الأم اليمنية وزوجها إلى علاج شعبي يمني يدعى «ميسم»- باستخدام الحروق لطرد الأرواح الشريرة. ونقل التقرير عن أم مزراح قولها عنه: «لا أعرف ما هو الصواب. كان مرحًا عندما كانت حالته جيدة ثم بدأ يمرض وتوقف عن الرضاعة الطبيعية واللعب».
مرافق طبية لا تفي بالغرض
عبر جنوب اليمن، حيث تسيطر الحكومة المدعومة من التحالف على المنطقة، فإن العديد من المناطق هي الأكثر عرضة لخطر المجاعة الشاملة، بحسب ما حذرت الأمم المتحدة.
التقرير رصد مشهدًا آخر للأيام الأخيرة من حياة الطفل اليمني فضل البالغ من العمر ثمانية أشهر. كان فضل يعاني من الجفاف الشديد. بطنه منتفخ. يمكنك بسهولة عد 12 صفًا من الأضلاع البارزة على صدره. أبواه اليائسان يلصقان رأسه بالحناء السوداء، وهي صبغة تستخدم كعلاج شعبي.
ولد فضل في البرية. كانت والدته فاطمة حلبي حاملًا في شهرها الثامن عندما فرت هي والآلاف من الأشخاص من المنطقة المحيطة بحي الموازنة، حيث كانت القوات الحكومية تنحدر من الحوثيين. انفصلت عن زوجها، وقادت أطفالها الأربعة والماعز عبر الوادي العظيم، والسهل القاحل الذي يمتد من الجبال نحو مدينة موكا على البحر الأحمر.
هذه الامتدادات المقفرة هي تاريخيًا موقع للموت. قبل أكثر من 400 عام، أرسل حاكم مسلم بالقوة جميع السكان اليهود في اليمن هناك لرفضهم التحول إلى الإسلام. يقول المؤرخون إن ثلثيهم ماتوا في الحر الشديد والحرمان، وفق ما ذكر التقرير.
اختبأت فاطمة والأطفال في الشجيرات لتتجنب المدفعية والضربات الجوية على طول الخط الأمامي. وفي الأول من أبريل (نيسان) من العام الماضي، جاءها المخاض وهي وحيدة لتنجب فضل تحت شجرة. ثم أغمي عليه. في نهاية المطاف، تجمعت هي وزوجها واستقروا في كوخ مهجور في الوادي.
تتحدث فاطمة من داخل منزلها المؤقت بحبل يحيط بخصرها الهزيل، وكان رداؤها الأزرق ينزلق عن كتفيها العظميين. تتحدث بجمل قصيرة ومرهقة. عندما سُئلت عما أكلته في ذلك اليوم، قالت «دقيق». تقول: «نبقى صبورين. يجب علينا إطعام الأطفال». عندما تصاب بالجوع، تستلقي وتحاول أن تنام. غالبًا ما تأكل هي وزوجها وجبة واحدة في الصباح ولا شيء مرة أخرى حتى اليوم التالي.
غير قادرة على إرضاع فضل، فقد أعطته حليب الماعز أو حليب الإبل، الذي يفتقر إلى مغذيات حليب الثدي. استمر المولود الجديد في الإصابة بالحمى والإسهال، فاضطرت مرارًا إلى اقتراض النقود لنقله إلى المستشفى في موكا.
وقد شهد المستشفى 600 حالة سوء تغذية على مدى الأشهر العشرة الماضية، لكنه يعاني نقصًا في الإمدادات حتى إنه لا يوجد لدى المستشفى مسكنات ألم للصداع، كما يقول أحد الأطباء. لا يوجد بالمستشفى كذلك مركز تغذية علاجية. ولم يتم تدريب أي من الأطباء على علاج سوء التغذية. وقد نزح إلى منطقة موكا حوالي 400 ألف شخص.
وإذا ترك دون علاج، فإن سوء التغذية المطول يسبب فقدان الجسم لمخزونه من الكربوهيدرات والدهون والبروتينات. يبدأ الجسم في التغذي على نفسه. يناضل الدماغ للعثور على الطاقة، وينكمش القلب ويتصدع الجلد، مما يعرض الجسم للعدوى. تتوقف الكلية والكبد عن العمل بشكل صحيح، لذلك تتراكم السموم داخل الجسم، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من المرض.
وكانت آخر زيارة قام بها فضل إلى المستشفى في 29 نوفمبر (تشرين الثاني). في عمر ثمانية أشهر كان وزنه 2.9 كيلوجرام، وهو ثلث الوزن الطبيعي. غير قادرين على دفع تكلفة الإقامة في المستشفى، فقد اصطحب والدا فضل ابنهم المريض إلى المنزل، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة هناك. وحتى في أجزاء من اليمن التي تم انتزاعها من حكم الحوثيين، يستمر الجوع – أو يزداد سوءًا.
في أواخر فبراير (شباط)، قامت الأمهات اللواتي يحملن أطفالهن بالتوجه إلى مركز التغذية في المستشفى الرئيسي في الخوخة، وهي بلدة صغيرة على البحر الأحمر، وتوقعن الحصول على مخصصات شهرية من حليب الأطفال ومواد المغذيات، إلا أنهم غادرن من دون الحصول على أي معونات، وقال التقرير إن الإمدادات قد نفدت من المركز منذ أسابيع.
وقد استعادت قوات التحالف الخوخة من أيدي الحوثيين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وخلال سيطرة الحوثيين على البلدة، كانت الخوخة مرتبطة بشكل مباشر بميناء الحديدة شمالاً، وهو أكبر مدخل للمساعدات الدولية إلى اليمن.
يقول عبد الله دوبالا، رئيس قسم صحة الخوخة «ليس لدينا تطعيمات. هناك نقص في الأدوية. لقد توقفت المساعدات. ويتزايد العبء مع تدفق العائلات الفارين من القتال في أي مكان آخر إلى الخوخة». يقدر الأطباء أن 40% من الأطفال في المدينة يعانون من سوء التغذية. أطفال حفاة يملؤون ممرات المركز، ويظهر الهزال على وجوه العديد منهم، وبعضهم مصاب بالملاريا أو الكوليرا. البعض بالكاد يقف.
وبحسب التقرير، فإن المعاناة في اليمن لا تقتصر على أولئك الذين طردوا من منازلهم. معزولين في وادي جبلي، يعاني 450 من سكان قرية القبلي من أوضاع مزرية. يركض الأولاد والبنات وهم حفاة في المسارات الترابية، ويعانون من التقزم. معظم الرجال هنا جنود، لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور، أو عمال المزارع الذين لم يعد بإمكانهم العثور على عمل.
وتذهب أي أموال في حوزتهم في مقابل البحث عن الطعام. يقع أقرب سوق على بعد ثمانية أميال، مما يعني دفع أسعار مرتفعة للبنزين فوق تكلفة الطعام نفسه، والتي تضاعفت خلال العام الماضي.
تجلس شيرين على أرضية منزلها وتغذي طفليها بقطع من الخبز مغموسة في صلصة من الطماطم والثوم. لقد تم تشخيص ابنتها أمل البالغة من العمر سنة واحدة بسوء التغذية الحاد ولم تعد قادرة على الوقوف. تعيش العائلة بشكل كبير على الخبز والشاي. وزوجها من بين صفوف الجنود الذين لا يتقاضون مرتباتهم. ولا يزال والده، وهو جندي متقاعد، يحصل على معاش هزيل ولكنه يستخدم ذلك لمساعدة جميع أبنائه وأحفاده، وهي أسرة مكونة من 16 فردًا.
لم تصل المعونة إلى القبلي منذ عام 2016، وفقًا لمتطوع الإغاثة رشيد الخشبي. توجد أربع عائلات فقط في المنطقة ضمن قوائم برنامج الأغذية العالمي للحصول على المعونة الغذائية. وفي المدينة الرئيسية في المنطقة، الملاح، لا يمكن رؤية الأطباء في أي مكان بالمستشفى. لا أحد يدفع لهم لذا لا يظهر الكثير من الموظفين في كثير من الأحيان.
تقف الأم الشابة على الميزان في عيادة الطبيب. وحتى مع كل ملابسها السوداء، لا تزن سوى 38 كجم فقط. ورغم أن اليمنية أم مزراح حامل، إلا أنها تحرم نفسها من الطعام لإطعام أطفالها. وقد لا تكفي تضحيتها لإنقاذهم.
يعج مكتب الطبيب اليمني بعشرات الصور لأطفال يعتريهم الضعف والهزال، الذين وفدوا عبر مستشفى الصدقة في عدن، وهم ضحايا لحرب دامت ثلاث سنوات في اليمن، تركت الملايين من الناس على حافة المجاعة، وفق تقرير نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية.
وغالبًا ما تكون أمهات مثل أم مزراح هن جبهة الدفاع الوحيدة ضد الجوع الذي قتل الآلاف. لا يتناولون طعامًا قط، وينامون هربًا من ألم الجوع في بطونهم. يخفون وجوهًا عظمية وأجسادًا هزيلة في عباءات عريضة سوداء وأغطية رؤوسهن.
يطلب الطبيب من الأم أن تعود إلى الميزان وهي تحمل ابنها، مزراح. لم يكن وزنه يتجاوز 5.8 كيلو جرام وعمره لم يتخط 17 شهرًا، حوالي نصف الوزن الطبيعي لعمره. تظهر على الطفل جميع علامات «سوء التغذية الحاد»، وهي المرحلة الأكثر خطورة من الجوع. ساقاه وقدماه متورمتان، لا يحصل على ما يكفي من البروتين.
بحسب تقرير الصحيفة البريطانية، يعاني حوالي 2.9 مليون امرأة وطفل من سوء التغذية الحاد. ويصارع 400 طفل آخرين من أجل حياتهم، وتتشابه حالتهم مع حالة الطفل مزراح. فحوالي ثلث سكان اليمن – 8.4 مليون من سكانها البالغ عددهم 29 مليون نسمة – يعتمدون كليًا على المعونة الغذائية وإلا فإنهم سيتضورون جوعًا. وقد ارتفع هذا الرقم بمقدار الربع خلال العام الماضي.
المجاعة القاتلة
أشار التقرير إلى أن وكالات الإغاثة الإنسانية كانت قد حذرت من أن أجزاء من اليمن قد تبدأ قريبًا في رؤية الموت على نطاق واسع بسبب المجاعة. يعتمد عدد متزايد من الناس على المساعدات التي فشلت بالفعل في الوصول إلى الناس.
وقال التقرير إن رحى الحرب، التي دخلت عامها الثالث، تدور إلى ما لا نهاية بين المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن، الذين يسيطرون على شمال البلاد، والتحالف الذي تقوده السعودية، الذي سعى -بدعم من الولايات المتحدة – إلى قصف المتمردين من دون هوادة للاستسلام في حملة جوية لدعم الحكومة اليمنية.
ونظرًا لأن السلطات غير قادرة على تعقب الحالات، فإن هناك صعوبة في التعرف على عدد الوفيات. وقد قدرت منظمة أنقذوا الأطفال في أواخر العام الماضي أن 50 ألف طفل قد ماتوا في عام 2017 بسبب الجوع الشديد أو المرض. ونقل التقرير عن ستيفن أندرسون، مدير برنامج الغذاء العالمي في اليمن، قوله: «لسوء الحظ، تعتبر اليمن الآن أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم». حوالي 18 مليون شخص لا يعرفون من أين تأتي وجبتهم القادمة.
حتى قبل الحرب، كانت أفقر دولة في العالم العربي تناضل من أجل إطعام نفسها. وهي بلد الصحارى والجبال حيث لا تزرع سوى 2 إلى 4% من الأرض، لذلك يتعين على البلد استيراد جميع المواد الغذائية والإمدادات تقريبًا.
لقد حطمت الحرب كل ما أبقى اليمن فوق مستوى المجاعة. قامت طائرات التحالف بتفجير المستشفيات والمدارس والمزارع والمصانع والجسور والطرق. كما فرض التحالف حظرًا بريًا وبحريًا وجويًا على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بما في ذلك ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر، الذي كان في يوم من الأيام نقطة دخول 70% من واردات اليمن. ويسمح الآن لعدد أقل بكثير من السفن بالمرور، حيث يسمح فقط للسفن التجارية المعتمدة من الأمم المتحدة، والسفن التي تنقل المعونات بالمرور ولكن بوتيرة بطيئة.
ووفق ما رصده التقرير، فإن الأغذية تتوافر في العديد من الأماكن في الأسواق ولكن الناس لا يستطيعون تحمل تكاليفها، لأن الرواتب لا تسدد، ويصعب العثور على العمل، ناهيك عن انهيار قيمة العملة اليمنية.
فبالنسبة لأم مزراح وزوجها، اللذين لديهما ثلاث بنات شابات بالإضافة إلى مزراح، فإنهم عادة ما يأكلون وجبة واحدة في اليوم، وغالبًا ما تكون هذه الوجبة مجرد خبز وشاي. عندما يخبرها الطبيب في عدن أن سوء التغذية لديها يمكن أن يكون قاتلًا، ترتجف. يشعر كلا الأبوين بالعجز. وتظهر حروق السجائر على بطن الطفل. ومع شعورهم باليأس، فقد تحولت الأم اليمنية وزوجها إلى علاج شعبي يمني يدعى «ميسم»- باستخدام الحروق لطرد الأرواح الشريرة. ونقل التقرير عن أم مزراح قولها عنه: «لا أعرف ما هو الصواب. كان مرحًا عندما كانت حالته جيدة ثم بدأ يمرض وتوقف عن الرضاعة الطبيعية واللعب».
مرافق طبية لا تفي بالغرض
عبر جنوب اليمن، حيث تسيطر الحكومة المدعومة من التحالف على المنطقة، فإن العديد من المناطق هي الأكثر عرضة لخطر المجاعة الشاملة، بحسب ما حذرت الأمم المتحدة.
التقرير رصد مشهدًا آخر للأيام الأخيرة من حياة الطفل اليمني فضل البالغ من العمر ثمانية أشهر. كان فضل يعاني من الجفاف الشديد. بطنه منتفخ. يمكنك بسهولة عد 12 صفًا من الأضلاع البارزة على صدره. أبواه اليائسان يلصقان رأسه بالحناء السوداء، وهي صبغة تستخدم كعلاج شعبي.
ولد فضل في البرية. كانت والدته فاطمة حلبي حاملًا في شهرها الثامن عندما فرت هي والآلاف من الأشخاص من المنطقة المحيطة بحي الموازنة، حيث كانت القوات الحكومية تنحدر من الحوثيين. انفصلت عن زوجها، وقادت أطفالها الأربعة والماعز عبر الوادي العظيم، والسهل القاحل الذي يمتد من الجبال نحو مدينة موكا على البحر الأحمر.
هذه الامتدادات المقفرة هي تاريخيًا موقع للموت. قبل أكثر من 400 عام، أرسل حاكم مسلم بالقوة جميع السكان اليهود في اليمن هناك لرفضهم التحول إلى الإسلام. يقول المؤرخون إن ثلثيهم ماتوا في الحر الشديد والحرمان، وفق ما ذكر التقرير.
اختبأت فاطمة والأطفال في الشجيرات لتتجنب المدفعية والضربات الجوية على طول الخط الأمامي. وفي الأول من أبريل (نيسان) من العام الماضي، جاءها المخاض وهي وحيدة لتنجب فضل تحت شجرة. ثم أغمي عليه. في نهاية المطاف، تجمعت هي وزوجها واستقروا في كوخ مهجور في الوادي.
تتحدث فاطمة من داخل منزلها المؤقت بحبل يحيط بخصرها الهزيل، وكان رداؤها الأزرق ينزلق عن كتفيها العظميين. تتحدث بجمل قصيرة ومرهقة. عندما سُئلت عما أكلته في ذلك اليوم، قالت «دقيق». تقول: «نبقى صبورين. يجب علينا إطعام الأطفال». عندما تصاب بالجوع، تستلقي وتحاول أن تنام. غالبًا ما تأكل هي وزوجها وجبة واحدة في الصباح ولا شيء مرة أخرى حتى اليوم التالي.
غير قادرة على إرضاع فضل، فقد أعطته حليب الماعز أو حليب الإبل، الذي يفتقر إلى مغذيات حليب الثدي. استمر المولود الجديد في الإصابة بالحمى والإسهال، فاضطرت مرارًا إلى اقتراض النقود لنقله إلى المستشفى في موكا.
وقد شهد المستشفى 600 حالة سوء تغذية على مدى الأشهر العشرة الماضية، لكنه يعاني نقصًا في الإمدادات حتى إنه لا يوجد لدى المستشفى مسكنات ألم للصداع، كما يقول أحد الأطباء. لا يوجد بالمستشفى كذلك مركز تغذية علاجية. ولم يتم تدريب أي من الأطباء على علاج سوء التغذية. وقد نزح إلى منطقة موكا حوالي 400 ألف شخص.
وإذا ترك دون علاج، فإن سوء التغذية المطول يسبب فقدان الجسم لمخزونه من الكربوهيدرات والدهون والبروتينات. يبدأ الجسم في التغذي على نفسه. يناضل الدماغ للعثور على الطاقة، وينكمش القلب ويتصدع الجلد، مما يعرض الجسم للعدوى. تتوقف الكلية والكبد عن العمل بشكل صحيح، لذلك تتراكم السموم داخل الجسم، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من المرض.
وكانت آخر زيارة قام بها فضل إلى المستشفى في 29 نوفمبر (تشرين الثاني). في عمر ثمانية أشهر كان وزنه 2.9 كيلوجرام، وهو ثلث الوزن الطبيعي. غير قادرين على دفع تكلفة الإقامة في المستشفى، فقد اصطحب والدا فضل ابنهم المريض إلى المنزل، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة هناك. وحتى في أجزاء من اليمن التي تم انتزاعها من حكم الحوثيين، يستمر الجوع – أو يزداد سوءًا.
في أواخر فبراير (شباط)، قامت الأمهات اللواتي يحملن أطفالهن بالتوجه إلى مركز التغذية في المستشفى الرئيسي في الخوخة، وهي بلدة صغيرة على البحر الأحمر، وتوقعن الحصول على مخصصات شهرية من حليب الأطفال ومواد المغذيات، إلا أنهم غادرن من دون الحصول على أي معونات، وقال التقرير إن الإمدادات قد نفدت من المركز منذ أسابيع.
وقد استعادت قوات التحالف الخوخة من أيدي الحوثيين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وخلال سيطرة الحوثيين على البلدة، كانت الخوخة مرتبطة بشكل مباشر بميناء الحديدة شمالاً، وهو أكبر مدخل للمساعدات الدولية إلى اليمن.
يقول عبد الله دوبالا، رئيس قسم صحة الخوخة «ليس لدينا تطعيمات. هناك نقص في الأدوية. لقد توقفت المساعدات. ويتزايد العبء مع تدفق العائلات الفارين من القتال في أي مكان آخر إلى الخوخة». يقدر الأطباء أن 40% من الأطفال في المدينة يعانون من سوء التغذية. أطفال حفاة يملؤون ممرات المركز، ويظهر الهزال على وجوه العديد منهم، وبعضهم مصاب بالملاريا أو الكوليرا. البعض بالكاد يقف.
وبحسب التقرير، فإن المعاناة في اليمن لا تقتصر على أولئك الذين طردوا من منازلهم. معزولين في وادي جبلي، يعاني 450 من سكان قرية القبلي من أوضاع مزرية. يركض الأولاد والبنات وهم حفاة في المسارات الترابية، ويعانون من التقزم. معظم الرجال هنا جنود، لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور، أو عمال المزارع الذين لم يعد بإمكانهم العثور على عمل.
وتذهب أي أموال في حوزتهم في مقابل البحث عن الطعام. يقع أقرب سوق على بعد ثمانية أميال، مما يعني دفع أسعار مرتفعة للبنزين فوق تكلفة الطعام نفسه، والتي تضاعفت خلال العام الماضي.
تجلس شيرين على أرضية منزلها وتغذي طفليها بقطع من الخبز مغموسة في صلصة من الطماطم والثوم. لقد تم تشخيص ابنتها أمل البالغة من العمر سنة واحدة بسوء التغذية الحاد ولم تعد قادرة على الوقوف. تعيش العائلة بشكل كبير على الخبز والشاي. وزوجها من بين صفوف الجنود الذين لا يتقاضون مرتباتهم. ولا يزال والده، وهو جندي متقاعد، يحصل على معاش هزيل ولكنه يستخدم ذلك لمساعدة جميع أبنائه وأحفاده، وهي أسرة مكونة من 16 فردًا.
لم تصل المعونة إلى القبلي منذ عام 2016، وفقًا لمتطوع الإغاثة رشيد الخشبي. توجد أربع عائلات فقط في المنطقة ضمن قوائم برنامج الأغذية العالمي للحصول على المعونة الغذائية. وفي المدينة الرئيسية في المنطقة، الملاح، لا يمكن رؤية الأطباء في أي مكان بالمستشفى. لا أحد يدفع لهم لذا لا يظهر الكثير من الموظفين في كثير من الأحيان.
شفقنا